أفاقت مدينة عدن صباح الخميس 29 ذو القعدة 1440ه، الموافق 1 آب/أغسطس 2019م، على أصوات الانفجارات، وعلى مناظر الدم المسكوب في الطرقات، فقد أسفرت حصيلة تلك الانفجارات في ذلك اليوم عن أكثر من 51 قتيلا أبرزهم القائد العسكري الموالي للإمارات منير اليافعي.
وفِي الوقت الذي تبنى فيه الحوثيون الهجوم على معسكر البريقة بصاروخ سكود، على حد قولهم، إلاأن مصادر محلية قالت إن الصاروخ أطلق من مكان قريب من مدينة عدن، ولم يأت من مناطق سيطرة الحوثيين. وتزامن ذلك الانفجار مع تفجير سيارة مفخخة تم تفجيرها في الصباح ذاته أمام مقر شرطة الشيخ عثمان المكتظة بالسكان وسط مدينة عدن. وتبنى تنظيم الدولة ذلك التفجير.
وباتت عدن حزينة وهي تلملم في المساء أشلاءأبنائها، في مشهد بات يتكرر في أرجاء اليمن، والناس في حيرة من أمرهمتائهين عن معرفة ما يحدث لهم، رغم أنالأمور أصبحت مكشوفة للمتابعين، ولكن من بيدهم الأمور يخفون عن الناس الحقائق ويضللونهم عمن يقف وراء الحرب العبثية الدائرة في بلادهم، وعمن يقف خلف حصد أرواحأبنائهم يوماً تلو الآخر.
لقد سبق ذلك الحادث الإجرامي الذي أودى بحياة كثير من الأبرياء الإعلان عن تحركات سياسية وعسكرية يستطيع المتابع لها فهم خلفية تلك التفجيرات في مدينة عدن التابعة لطرف حكومة عبد ربه هادي، نظريا، وفعليا يسيطر عليها خليط من القوى متضادة المصالح.
أبرز تلك التحركات كان الإعلان عن انسحاب الإمارات من مدينة صرواح في محافظة مأرب، وانسحابها من الساحل الغربي المحاذي لمدينة الحديدة، واكتفت هناك بالإبقاء على قوات موالية لها باسم لواء العمالقة بقيادة طارق صالح ابن أخ الهالك علي عبد الله صالح.
ومع أنالإمارات لم تنفِ ذلك الانسحاب إلاأنها أسمته إعادة انتشار، وعمليا لا يختلف الأمر كثيرا.
وكان ذلك الانسحاب قد جاء بعد عمليات تفجير لناقلات نفط إماراتية وسعودية في المياه الإقليمية للإمارات، وبعد التحقيق أعلنت الإماراتأندولةً ما تقف خلف تلك التفجيرات، لكنها لم تجرؤ على تسميتها. ثم لحق تلك التفجيرات تصريح لزعيم حزب إيران في لبنان وصف فيه مدن الإماراتأنها من زجاج! في تهديد صريح للإمارات التي تلقت الرسالتين وقامت من فورها بفتح حوار مع طهران، فقد صرح أكثر من مسئول إيرانيأن هناك مشاورات تدور بين أبو ظبي وطهران لضمان انسحاب الأولى من الحرب في اليمن، وقال وزير الخارجية الإيراني إن هناك شيئا ما يدور في الخفاء بين الدولتين، ثم أصبحالأمر علنيا عندما أرسلت الإمارات وفدا عسكريا من خفر السواحل ليتفاوض مع نظيره الإيراني.
وهنا يتضح لنا أن ضغوطا إيرانية قد مورست على الإمارات، إلاأنإيران وحدها لا تكفي لردع الإمارات عن مشروعها في اليمن، إلاإذا كانت دولة عظمى هي من تقف خلف إيران في تلك الضغوطات، ولا يحتاج ذلك منا إلى كثير جهد عندما صرح ترامب تعقيبا على تفجيرات الناقلات الإماراتية "لا بد أن يدفعوا لنا من أجل حمايتهم". وبهذا تكون أمريكا هي من تهدد الإمارات فعليا بغرض انسحابها من اليمن، وكان ذلك واضحا عندما أوقفت أمريكا تقدم الإمارات صوب الحديدة بعد أن كانت قاب قوسين أوأدنى من دخول المدينة، تحت ذريعة حماية المدنيين!!
إن تفجيرات عدن الأخيرة تأتي في السياق نفسه، فالمطلوب أمريكياً أن تخرج الإمارات من كل اليمن وليس من بعض المناطق فقط، ورغم أنها قد تركت خلفها جيشا قوامه تسعون ألف جندي تحت اسم (النخب العسكرية والأحزمة الأمنية) إلاأن مقتل منير اليافعي أبرز القادة العسكريين، قد يؤثر على ذلك الجيش، خصوصا مع دخول قوات سعودية إلى عدن وقبلها الضالع مع كامل عتادها بحجة حماية عقد جلسات البرلمان اليمني، إلاأن الهدف الحقيقي هو الحلول محل القوات الإماراتية المنسحبة.
وكانت قوات سعودية قد دخلت مدينة سيئون بحجم لواء متكامل العتاد بما فيها مضادات الطيران تحت الحجة نفسها، عندما عقدت أولى جلسات البرلمان في مدينة سيئون القريبة من منابع النفط.
إن الأطراف المحلية المتصارعة في اليمن (حكومة عبد ربه هادي من جهة والحوثيون من جهة أخرى) ومن خلفها الأطراف الإقليمية (الإمارات من جهة والسعودية من جهة أخرى) إنما يتقاتلون نيابة عن أطراف دولية (بريطانيا المتمسكة بمستعمرتها القديمة الجديدة عدن، وأمريكا الطارد لها من مناطق نفوذها) متنافسة على النفوذ والثروة في اليمن الواعد بالخيرات. والمؤسف والمخزي أنهما يتقاتلان بأبناء اليمن وليس بجنودهم هم، بل يقومون بتسليح أبناء اليمن ليتقاتلوا في ما بينهم نيابة عن الكافر المستعمر وتنفيذا لمشاريعه، وها هي تفجيرات عدن خير دليل على ذلك، فكل الصرعى هم من أبناء اليمن وكل القتلة هم من أبناء اليمن أيضاً! وكأن الكافر المستعمر وأبواقه من الحكام العملاء والمبضوعين بالثقافة الأجنبية، وضعاف النفوس الذين استمالتهم تلك الحكومات بفتات من الدنيا زائل، قد خدعوهم بيافطات عنصرية ومناطقية وطائفية كي يكونوا وقودا في حربهم من أجل السيطرة والنفوذ على الثروة، وها هي خيرات اليمن من نفط وغاز وغيرها تمخر بها البواخر والناقلات عباب البحر والبر، والأنابيب تحت الأرض، رخيصة إلى الخارج لينعم بها أعداء الأمة الإسلامية، بينما يموت أبناء اليمن طوال تلك السنوات جوعا وكمدا وتقتيلا!!
إنالأمر واضح جلي: خيرات البلاد تنهب يوميا ويؤمّن أبناء اليمن خروج تلك الثروات من بلادهم، بينما يعيشون في حياة ذليلة تفتقر إلىأبسط مقومات الحياة الكريمة!
والحرب مستمرة مستعرة، وأطراف الحرب في اليمن غير معنيين بإيقافها فهم لا يملكون ذلك، إنهم مجرد عبيد ودمى يحركهم الكافر المستعمر إمعاناً في خداع الناس، بينما يأتي قرار الحرب من لندن وواشنطن.
يا أبناء اليمن، يا أهل اليمن! إن خروجكم من ذلك المستنقع القاتل لن يكون إلا بجعل الإسلام وأحكامه موضع التطبيق، ولن يكون ذلك إلا بدولة إسلامية سماها رسول الله e دولة خلافة على منهاج النبوة، ووصف eأن هذا هو زمانها، فأروا الله منكم خيرا، واجعلوا مطلبكم دولة الخلافة على منهاج النبوة واضغطوا على أهل النصرة منكم أن يعطوا النصرة للعاملين المخلصين منكم لإعادة الخلافة، وأن يسحبوا مساندتهم للحكام والزعماء والقادة الذين لا هم لهم إلاإرضاءأسيادهم الكفار المستعمرين وأنتم تشاهدونهم يخطبون ودّهم ليل نهار يلتمسون الحل منهم ويتسولون منهم رضاهم.
إن الخلافة على منهاج النبوة هي وحدها من ستكنس نفوذ الكافر المستعمر من بلادنا، وتحقن دماء المسلمين وتحافظ على ثرواتهم وأموالهم وسترفع راية لا إلهإلا الله محمد رسول الله خفاقة بعزة فوق رؤوس الكفر وأعوانه، وما ذلك على الله بعزيز.
رأيك في الموضوع