بوساطة أفريقية إثيوبية مشتركة، وبرعاية دولية كاملة؛ وبخاصة أمريكا، وبريطانيا، والاتحاد الأوروبي، أُعلِن فجر الجمعة 5/7/2019م عن اتفاق بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، على تقاسم الحكم في الفترة الانتقالية، المقدرة بثلاث سنوات وثلاثة أشهر، وذلك عبر شراكة بمناصب مختلفة في مستويات الحكم الثلاثة؛ مجلس السيادة، ومجلس الوزراء، والمجلس التشريعي الذي أُجّل بحثه إلى فترة تترواح ما بين 45 يوماً إلى ثلاثة أشهر، ومما اتُفِقَ عليه:
• مجلس سيادة مكون من أحد عشر عضواً؛ 5 عسكريين، و5 مدنيين، والعضو الحادي عشر مدني بخلفية عسكرية، وأن يرأس عسكري مجلس السيادة في دورته الأولى؛ المقدرة بـ21 شهراً، ثم يرأس مدني دورته الثانية لمدة 18 شهراً.
• تشكيل مجلس وزراء من كفاءات وطنية مستقلة، بترشيح من قوى إعلان الحرية والتغيير.
• تشكيل لجنة تحقيق مستقلة في مجزرة فض الاعتصام أمام القيادة بتاريخ 03 حزيران/يونيو 2019م.
لقد كان طرفا الصراع يعلمان منذ الوهلة الأولى أن السلطة ليست في مجلس الوزراء، ولا المجلس التشريعي، بل هي في مجلس السيادة؛ صاحب القرار على الجيش، والدعم السريع، والأمن، والشرطة، فمن نافلة القول أن السلطة تكمن في الفئة الأقوى، أي القوى المسلحة، لذلك عند التعنت في الاتفاق على مجلس السيادة حاول المجلس العسكري إفقاد قوى الحرية والتغيير عناصر القوة في أيديهم؛ المتمثلة في الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش، فكان فض الاعتصام، وشيطنة الحراك، ومحاولة إدخال قوى سياسية أخرى على خط اقتسام الحكم؛ الذي يسمونه (كيكة)، كما قام العسكري بعملية واسعة النطاق لشراء الذمم لقوى سياسية وعُمَد ونُظّار وشيوخ وبدأ السير في محاولة تشكيل ما يسمى بالحكومة المدنية لإجبار قوى الحرية والتغيير على القبول بمجلس الوزراء كاملا وثلثي مقاعد التشريعي 67% من المقاعد على أن يسيطر العسكريون على مجلس السيادة ويرأسونه، لكن مسيرات 30 حزيران/يونيو 2019م التي خرجت فيها جموع غفيرة من الناس المضلَّلين الذين يظنون أنهم بخيار مدنية مجلس السيادة يحمون ثورتهم!! تحت تأثير أحداث 30 حزيران/يونيو خضع المجلس العسكري للمبادرة وقَبِلَ بتقاسم السلطة مع قوى إعلان الحرية والتغيير.
أيها الإخوة الكرام:
إن الثورة التي شكلت المشهد السياسي بدأت انطلاقتها عفوياً من مدينة عطبرة في 19/12/2018م بعيدا عن تأثير القوى السياسية حيث خرج الناس بسبب تفشي الفقر وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وزيادة البطالة وسوء توزيع الثروات ثم دخل على الخط تجمع المهنيين الذي فتحت له المنابر الإعلامية ليقود جموع الثائرين تحت شعار (حرية، سلام، وعدالة) ثم كانت ولادة ما يسمى قوى إعلان الحرية والتغيير؛ أحد طرفي الأزمة.
لقد تبلور مطلب الثوار حول شعار (حرية، سلام، وعدالة) ونشأت مطالب أخرى مختلفة مثل القصاص لدماء القتلى، ومحاسبة رموز النظام السابق.
فهل يحقق هذا الاتفاق مطالب الناس في إيجاد العدل، ورفع الظلم، والسلام، ويقتص لدماء القتلى والجرحى ويوجِد الحياة الكريمة التي يتطلع إليها أهل البلاد؟!
إن حزب التحرير/ ولاية السودان، هو الرائد الذي لا يكذب أهله، ولا يجامل، ولا ينافق أحداً، بل يضع النقاط على الحروف ويبين الحقائق ويوضح رأيه في النقاط الآتية:
أولاً: لم يكن التفاوض قائماً على أساس الإسلام، ولم يُرَدّ الاختلاف بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير إلى كتاب الله وسنة نبيه e كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ وقوله سبحانه ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾، بل كان الرد إلى الاتحاد الأفريقي ودولة إثيوبيا برعاية أمريكية بريطانية؛ أي برعاية الكافر المستعمر!
ثانياً: مع بقاء النظام القديم نفسه؛ الدستور والقوانين، يؤسس الاتفاق للنظام القديم نفسه في هياكله وأنظمته مع استبدال مجلس السيادة مكان مؤسسة الرئاسة، وتغيير الوجوه القديمة لأخرى جديدة، لذلك فإننا أمام عملية إعادة إنتاج للنظام العلماني نفسه؛ تشريعات وأنظمة مصدرها البشر بالأغلبية لذلك لن يجني أهل السودان إلا مزيداً من الظلم والفقر وضنك العيش.
ثالثاً: استمرار النهج القديم نفسه في النظر إلى السلطة بوصفها مغنما (كيكة)، يُسعى إلى المحاصصة فيها، وما تستوجبه هذه النظرة من إثارة الجهويات والعرقيات، فالمجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير اختلفوا في هذه الحصص، والجبهة الثورية سحبت ممثلها قبل التوقيع حتى تدخل بحصة أكبر، والحركات المسلحة طالب بعضها بحصة حددتها بـ30%، وهكذا فإن مثل هؤلاء السياسيين لن تجني البلاد منهم خيراً.
رابعاً: إن الأخطر من كل ذلك هو ارتباط طرفي الاتفاق بقوى خارجية، بل بقوى هي العدو، فبريطانيا المستعمر السابق تسعى للعودة إلى سدة الحكم مرة أخرى عبر قوى الحرية والتغيير وبعض الحركات المسلحة، وأمريكا التي دخل نفوذها إلى السودان عبر الجيش منذ انقلاب النميري 1969م، استخدمت عميلها البشير في فصل الجنوب، وتسعى لتعزيز نفوذها واستمراره عبر المجلس العسكري، وهذا أيضاً لن يجلب للبلاد خيرا.
خامساً: إن الثورة التي بدأت عفوياً اختُطِفت يوم أن انحرف مسارها بالمطالبة بالحكم المدني، فالدولة المدنية إنما هي الدولة العلمانية التي تفصل الدين عن الحياة، وهو منهج النظام القديم عينه، الذي كان يأخذ الأنظمة والتشريعات بالأغلبية (زوراً أو حقيقة)، بعيدا عن الوحي العظيم. فالمدنية والعسكرية وجهان للعلمانية البغيضة التي أورثت الناس ضنك العيش طوال عقود ما يسمى بالحكم الوطني!!
سادساً: لقد عاش السودان ومنذ استقلاله المزعوم ست حقب عجاف؛ ثلاثاً منها مدنية هي (1954- 1958) و(1964- 1969) و(1985- 1989) وثلاثاً عسكرية هي (1958- 1964) و(1969- 1985) و(1989- 2019) وجميع هذه الأنظمة المدنية والعسكرية تشترك في إيصالنا إلى هذا الوضع المزري والحال التعيس، وكما يقول المثل السوداني (البيجرّب المجرّب ندمان) ثم ها هم الآن عبر هذا الاتفاق يسعون لتجربة المجرب!!
سابعاً: بالنظر إلى ارتباط طرفي الأزمة واختلاف مصالحهما وتوسلهما إلى السلطة بكل وسيلة، فإن حالة من الشد والجذب ستكون هي طابع المرحلة الانتقالية حيث يسعى كل طرف لتجريم الآخر، ووصمه بالفشل، وحالة الاستقطاب الحاد، كل ذلك إنما هو نذير شر للبلاد والعباد.
ثامناً: في ظل إعادة إنتاج النظام نفسه، والصراع على الكراسي لن تتحقق مطالب الثوار في الحياة الكريمة، والعدل، والسلام، والقصاص لدماء القتلى والجرحى، لافتقار طرفي الاتفاق إلى فكرة سياسية عادلة من العقيدة الإسلامية، ولأن الطرف الأقوى في المعادلة هو المسؤول عن دماء القتلى والجرحى.
أيها الإخوة الكرام:
إن التغيير الحقيقي الذي ينشده أهل السودان، بل المسلمون في أرجاء المعمورة، والناس أجمعين هو الذي يقوم على فكرة سياسية عادلة، مبنية على أساس عقيدة الإيمان بالله سبحانه وتعالى العدل، وذلك إنما يتحقق بوصول شريعة الإسلام إلى سدة الحكم، تطبقها دولة الخلافة، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾، ولأجل ذلك أعد حزب التحرير تصوراً كاملاً للحياة الإسلامية؛ أنظمة الحكم، والاقتصاد، والاجتماع، وسياسة التعليم، والسياسة الخارجية؛ تشريعات وأنظمة شاملة دستورا للدولة، وسائر القوانين. والحزب يخاطب المخلصين من أهل القوة والمنعة، ليسلموه الحكم من أجل استئناف الحياة الإسلامية، بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، وحمل الدعوة الإسلامية؛ قضية المسلمين المصيرية إلى العالم، وحزب التحرير بعمله هذا لا يلقي بالاً لرضا الكفار المستعمرين ومنظماتهم، بل يجعل رضا الله سبحانه وتعالى هو الغاية المثلى والمقصد الأسمى.
إننا نطلب من جميع الإخوة الإعلاميين والسياسيين والمفكرين والناشطين، أن يضعوا الثروة الفكرية القائمة على أساس عقيدة الإسلام التي تبناها حزب التحرير من أجل استئناف الحياة الإسلامية، أن يضعوها موضع البحث والتمحيص، حتى يقوموا بواجبهم الشرعي تجاهها، إعلاءً وحملاً وتبشيراً، فإن فيها خيريْ الدنيا والآخرة. ﴿وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾.
رأيك في الموضوع