ما هو دور الشعوب في عملية التغيير؟
لماذا هذا الإهمال المتعمد للحاضنة الشعبية وتهميش دورها؟
هل حقا ليس للرأي العام دور في عالم بات يحكمنا بمنطق القوة؛ وتكفلت فيه أنظمة المخابرات بالعمل على قتل أي محاولة للتغيير في مهدها؟
هل الخلل فينا؛ أم في حكامنا الذين أتقنوا فن خداع الشعوب؛ وباتوا يرون أنفسهم يقودون قطيعا من الغنم ليس له في نظرهم من الأمر شيء سوى الانقياد التام أو الذبح على مسالخ الوطنية؟
أسئلة باتت تشكل عقدة في تاريخنا المعاصر؛ ازدادت تعقيدا في ظل فقدان الثقة في قدرة الشعوب على التغيير؛ وبالتالي التخلي عن دورها وسلطانها الذي أناطه الله بها؛ والوقوف مكتوفة الأيدي وهي ترى مصيرها المحتوم يتلاعب به أعداؤها.
ثمة عوامل عدة أفقدت الشعوب ثقتها في نفسها وفي قدرتها على التغيير رغم القوة الهائلة التي تمتلكها، وهذه العوامل لا تقتصر على القمع المتكرر الذي يطالها ممن نصبوا أنفسهم أوصياء عليها؛ وادعوا قيادتها نحو التغيير كما يحصل الآن في ثورة الشام، حيث لا زالت قيادات الفصائل تمارس القمع ضد الناس بنسب متفاوتة وبأسماء مختلفة وتحت شعارات عدة، فكان هذا القمع والتسلط عاملا رئيسا في إضعاف الثقة وزيادة الشعور بالعجز؛ لا سيما وهي ترى نفسها أمام مخاطر كبيرة وعقبات كأداء ساهم في صنعها من يدعون الثورية، أضف إلى ذلك طول الطريق ومشقته وحجم المكر والخداع والتضليل الذي مورس عليها؛ والتضحيات المطلوبة التي فاقت كل التصورات.
لا شك أن للرأي العام أثراً كبيراً على مجريات الأمور؛ وله وزنه في تغيير الأحداث أو منع وقوعها؛ وهذا معلوم لكل متابع للشأن العام، وما حجم التضليل الذي يمارس على الشعوب، وحجم النفقات التي تصرف في سبيل ذلك؛ والوسائل التي أنشئت لتحقيقه؛ ما هي إلا دليل صارخ على أهمية الرأي العام؛ فهذا فرعون يطلب التأييد الشعبي ليمارس قمعه تحت شعار الحرص على المصلحة العامة ومحاربة الفساد ﴿ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾. وها هو مصعب بن عمير يعمل ليل نهار لتهيئة الحاضنة الشعبية التي استقبلت رسول الله e عندما هاجر إلى المدينة ليقيم الدولة الإسلامية الأولى.
﴿إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾
آية اختصرت الكثير من المعاني؛ وحسمت الجدل حول دور الشعوب في عملية التغيير؛ وقدرتها على تغيير واقعها بما تحمله من قوة ذاتية كامنة تحتاج إرادة قوية لتفعيلها وتوجيهاً واعياً وصادقاً لمقدراتها.
ونظرة سريعة في التاريخ ترينا بوضوح القوة الهائلة التي تمتلكها الشعوب عندما تضع نصب عينيها هدفها الذي ترنو إليه؛ بعد أن تكون مستعدة للتضحية في سبيل تحقيقه؛ وتمتلك إرادتها فتترجمها إلى أعمال تشكل سيلا جارفا لكل القوى التي تقف في وجهها حتى لو كانت هذه القوى تمتلك أعتى الأسلحة.
لقد أثبتت قوة الشعب فاعليتها في تغيير الواقع والإطاحة بالأنظمة القديمة أو المحافظة عليها والتصدي لكل محاولة تستهدف وجودها.
فها هي الجماهير في تركيا تقول كلمتها فتتحطم على صخرتها إرادة العسكر الانقلابية فتفشل الانقلاب بعد ساعات قليلة من بدء التحرك؛ ويعتلي المدنيون العزل فوق الدبابات لينتهي بذلك المشهد ويسدل الستار على أحداث هذا الانقلاب. وها هي الثورة الفرنسية تستطيع قلب نظام الكنيسة بعد سنوات طويلة قدمت فيها الغالي والنفيس في سبيل الوصول إلى هدفها المنشود فكان لها ما أرادت. ولا زالت الثورة السورية تشغل العالم ولا زالت محور تحركاته وتصريحاته ومؤامراته وما ذلك إلا لأنه يدرك أنها قادرة على التغيير لو تركت وشأنها.
إلا أنه لا بد للشعوب من أن تعي، حين سيرها في طريق التغيير، على المؤامرة وتعي على الفخاخ التي تنصب لها حتى لا تتحول أعمالها خبط عشواء، ويقطف ثمار تحركاتها أعداؤها فتذهب تضحياتها سدى؛ ويعود اليأس والعجز ليخيم من جديد فوق رؤوس أصحابها، وهذا الوعي لا يكون إلا إذا اتخذت الشعوب قيادة سياسية لها واعية ومخلصة تنظم أعمالها وتنبهها على المؤامرات والفخاخ التي تنصب لها فتسير بها نحو التغيير الحقيقي المنشود؛ وقبل كل هذا وأثناءه وبعده لا بد من صدق التوكل على الله وإخلاص النية لله عز وجل وتبني مشروع سياسي واضح مستنبط من عقيدة الإسلام لضمان تأييد الله عز وجل وضمان استقامة الطريق ومنع أي شخص من التفكير بحرف مساره، وهذا المشروع هو الخيط الذي ينظم القوى الثلاث الموجودة في المجتمع والمتمثلة في القوة السياسية والقوة العسكرية والقوة الشعبية ويضبط إيقاعها، وما حصل في تونس ومصر وغيرهما من البلدان خير دليل على كل هذا؛ حيث استطاع الناس في تونس خلع نظام بن علي في وقت قياسي؛ واستطاع الناس في مصر أن يخلعوا نظام مبارك، إلا أن مكر الغرب حال دون التغيير المنشود حيث استطاع ركوب الموجة وحرف قطار التغيير عن خط سيره لتنتهي الرحلة بتنصيب عملائه حكاما على تلك البلاد من جديد فذهبت الجهود أدراج الرياح واعتلت الفئران عرين الأسود. فكان لا بد من إدراك هذا الأمر جيدا حتى لا تصيبنا قارعة الذين سبقونا وننقض غزلنا من بعد قوة أنكاثا!
بقلم: الأستاذ أحمد عبد الوهاب
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع