أعلن ياسر عرفات يوم 15 تشرين الثاني/نوفمبر 1988 في قصر الصنوبر بالعاصمة الجزائرية قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وذلك في خطاب أمام المجلس الوطني الفلسطيني عُرف بوثيقة الاستقلال، جاء فيه أن المجلس "يعلن باسم الله وباسم الشعب العربي الفلسطيني قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف". ونصت الوثيقة - التي حررها الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش - على "مواصلة النضال من أجل جلاء الاحتلال، وترسيخ السيادة والاستقلال".
والآن وبعد مرور 30 عاما على إعلان الاستقلال النظري على الورق لا بد من الوقوف على الواقع العملي الذي وصلت إليه قضية فلسطين.
فنظرة واحدة إلى ما آلت إليه الأحوال في ظل تصدر منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية لملف قضية فلسطين تُري حجم المأساة التي أصابت فلسطين وأهلها.
فمن حيث الجغرافيا والسيطرة، فقد كشف تقرير صادر عن الإحصاء المركزي الفلسطيني في أيار/مايو 2016 عن أن كيان يهود يستولي على 85% من أراضي فلسطين التاريخية والبالغة نحو 27 ألف كيلومتر مربع، ولم يتبق لأهل فلسطين سوى نحو 15% فقط من مساحة تلك الأراضي، وإذا ما أضيف إلى ذلك حجم التوسع الاستيطاني منذ ذلك التاريخ يمكننا أن نتصور ما تبقى من الـ15% والتي من المفترض أنها تحت سيطرة السلطة نظريا. وهو ما جعل رئيس وزراء كيان يهود نتنياهو، يرى مؤخرا في الحكم الذاتي لكنتونات أو مقاطعات فلسطينية حلا مثاليا وعمليا للصراع.
أما القدس الشريف، وهو ذلك المصطلح الخبيث الذي تشبثت به منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية لتحصر التفكير والأذهان في الأماكن المقدسة في القدس أو إن أرادت التوسع فشرقي القدس دون غربيها، وهو ما يحمل في طياته التنازل والتفريط قبل المكتسبات والتحصيل، فنظرة إلى حجم النشاطات التهويدية والاستيطانية من يهود لمدينة القدس واعتراف ترامب بالقدس عاصمة لكيان يهود، تُظهر كم أصبح التفكير بالقدس عاصمة للدولة الفلسطينية أقرب إلى الأحلام. وبعد مرور 30 عاما على إعلان الاستقلال ما زالت القدس تحت السيطرة الكاملة ليهود بل ومحرم دخولها إلا على النزر اليسير من أهل فلسطين وضمن معايير وشروط الاحتلال.
أما النضال وترسيخ السيادة والاستقلال الذي نصت عليه الوثيقة، فمن الواضح أنه وبعد مرور 30 عاما أصبح الواقع مخزيا مشهودا، فقد تحول النضال من البندقية إلى مهرجانات الرقص وماراثونات التطبيع، وانتقل الحديث من المقاومة إلى التنسيق الأمني (المقدس!) مع الاحتلال، وبات واقع السلطة يرسم مشهد الذل بصورة ثلاثية الأبعاد، حتى انتقل دور الضباط والعقداء في السلطة إلى (بنشرجية!) لجيبات الاحتلال، وأصبح نشاط السلطة الأمني منحصرا في حماية الاحتلال والسهر على أمنه وأمن مستوطنيه بشكل سافر يندى له الجبين، في حين تغيب قوات السلطة الأمنية التي تعد عشرات الآلاف عن حماية أهل فلسطين أو أراضيهم غيابا مطبقا.
وأما سياسيا، فقد أضفى وجود السلطة واعترافها بكيان يهود (شرعيةً) على الاحتلال، وبات الحديث عن الاعتراف الدولي المطلوب هو بدولة فلسطينية جنبا إلى جنب كيان يهود، أما (شرعية) كيان يهود فقد باتت من نافلة الحديث عند السلطة الفلسطينية وحكام العرب والمسلمين وباقي حكام العالم، فانتقل الاحتلال من طارئ عابر إلى أصيل متجذر، والدولة الفلسطينية هي التي تناضل من أجل نيل الاعتراف! فكانت بذلك وثيقة الاستقلال تذكرة دخول سياسية رسمية لكيان يهود إلى العالم الإسلامي من الباب الواسع.
إنّ مجرد التفكير بإعلان الاستقلال من منظمة التحرير والمجلس الوطني كان بحد ذاته مهزلة ومدعاة للسخرية، فكيف بمنظمة ومجلس لا يقوى أفراده على الدخول ولو مشيا على الأقدام إلى الأرض المباركة فلسطين دون إذن يهود، أن يعلن عن دولة مستقلة على هذه الأرض؟! ولكنه الاستخفاف بالعقول والهوان الذي أصاب القوم، فالدولة لا تُقام على الأوراق ولا تُعلن من بعيد عبر الأثير، وليست المسألة بخطابات جوفاء أو وثائق ورقية... بل الدولة تخطها ساحات الوغى وتشيدها معارك التحرير الحقيقية التي أمر بها الله من أجل تطهير الأرض المباركة من رجس الاحتلال وخلعه من جذوره من هذه الأرض المباركة.
ولكنهم لم يريدوا أن يبقى الحديث للبندقية والصوت للسلاح، بل أرادوه أن يصبح خطابات وشعارات واستجداء في أروقة المؤسسات والهيئات السياسية العربية والدولية المجرمة التي هي نفسها من زرعت كيان يهود الغاصب وأمدته بأسباب الحياة والأمن. وأصبح الحال الآن بعد 30 عاما من إعلان الاستقلال، هو سلطة هزيلة بلا سيادة ولا سلطان تستجدي العالم وأمريكا لتمكنها من إقامة دويلة شكلية بلا مقومات دولة بجانب كيان ليهود يملك كامل الصلاحيات والسيادة على أرض فلسطين، وهم يظنون بذلك أنه سيطيب بعدها المقام ليهود ويتحقق لهم الأمن والأمان وتسكن بذلك أنفس المسلمين ويبدأ التعايش والوئام كما في الأفلام الرومانسية والمشاهد الشاعرية!
إنّ قضية فلسطين لا يمكن أن يستقيم لها حال قبل أن تتحرر كاملة من الاحتلال، وهو ما لا يكون إلا بقوة الجيوش وجهاد التحرير الذي أمر به الله تعالى الأمة الإسلامية، وهو كائن قريبا إن شاء الله.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة فلسطين
رأيك في الموضوع