تصاعدت الأزمة بين (الحليفين) في صنعاء علي صالح والحوثيين على أثر خلافات سابقة بينهما، حيث لم يكن تحالف الحوثيين وعلي صالح إلا تحالفا ظاهريا، أما في الخفاء فهم يعيشون أزمة ثقة حقيقية واختلاف ولاءات وكل يكيد للآخر ويسعى لتقليص نفوذه والعمل لإسقاطه، وقد تطورت الأزمة بينهما إلى أزمة اقتتال عنيف، وتبادل الطرفان الاتهامات بشأن أزمة المشتقات في البلاد وعرقلة الحكومة والمجلس السياسي المشكّل بينهما عن مهامهما من جباية ولصوصية وإفساد، ثم توج ذلك بالاقتتال، وقد صرح كلا الطرفين بخطابات استفزازية وتخوينية أشعلت الاقتتال ولم تعمل على إخماده، وفض علي صالح شراكته مع الحوثيين ودعا للثورة ضدهم وأعلن أنه سيفتح صفحة جديدة مع التحالف العربي إذا ما أوقفت السعودية الحرب التي تشنها على اليمن وفكت الحصار، وصرح أنه مستعد للحوار بعدها مع الأطراف اليمنية ومع السعودية، فيما اعتبر قائد الحوثيين عبد الملك الحوثي أن ذلك العمل هو خيانة وانقلاب، متوعدا ومهددا دعاة الفتنة حسب وصفه، مع أن الحوثيين يصرحون بنفس ما يصرح به علي صالح فيدعون إلى وقف الحرب وفك الحصار من قبل دول التحالف وحينها يتم الحوار!! هذا وقد اتهم الحوثيون دولة الإمارات أنها هي التي وراء ذلك الانقلاب وأنها دربت قوات محسوبة على علي صالح في مناطق جنوبية للقيام بعملية الانقلاب ضدهم.
إنه من الواضح أن ما يجري في صنعاء من صراع واقتتال إنما يصب في خدمة الصراع الإنجلو أمريكي المتصارع بعملائه في اليمن كلها، فعلي صالح الموالي للإنجليز تدعمه الإمارات الموالية للإنجليز هي أيضا، وتعمل لإعادة التدوير له في الحكم خدمةً لبريطانيا.
إنه لمن المؤكد أن بريطانيا قد استخدمت ورقة علي صالح للضغط على السعودية لإيقاف الحرب وفك الحصار والقبول بالحوار مع علي صالح الذي سيكون بطلا أمام الشعب، فالسعودية كانت حربها في اليمن لإنقاذ الحوثيين وإشراكهم في الحكم وقصقصة جناح علي صالح الموالي للإنجليز، كل ذلك الدور تلعبه لخدمة أمريكا، وعدم موافقتها على الوضع الجديد الذي يفرضه الإنجليز بورقتهم علي صالح سيحرجها أمام شعبها والعالم وسيستغله الموالون للإنجليز في الأسرة الحاكمة للعمل ضد سلمان وابنه الموالين لأمريكا، وهذه ورقة ضغط كبيرة حيث إن مبرر عاصفة الحزم المعلن على اليمن من قبل السعودية هو القضاء على الحوثيين!!
لقد صرح السفير البريطاني في اليمن قبل أيام أنه لا بد من قوة عسكرية وعمل عسكري ليكون الحل السياسي عن قوة، ثم تبع ذلك زيارة تيريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية للسعودية، وسواء أكانت السعودية تعلم بالأمر ووافقت عليه أم لا تعلم به، فهو في الأخير سيكون حلا يبقي لها ماء الوجه ويخرجها من مأزق الحرب ويصنع لها نصرا أمام الشعب ويحقق شراكة الحوثيين الذي تريده أمريكا.
إن أجنحة الإنجليز وأوراقهم ستتكاتف في محاربة الحوثيين، وقد صرحت ما تسمى بقوات (الشرعية)، قوات هادي الموالي للإنجليز، أنها مع أي تحرك ضد الحوثيين أياً كان من يقوم به، وكذلك بدأت قوات التحالف بالتصريح أنها تقف مع ثورة الشعب وانتفاضة صنعاء، رغم أن الموقف السعودي لم يكن واضحا تماما إلا أن موقف الإمارات أوضح. إنه من المعلوم أن الحوثيين لم يتهموا السعودية بالتخطيط للانقلاب عليهم بل وجهوا سهامهم نحو الإمارات الموالية للإنجليز فهي عدوهم اللدود الآن حسب ما يصرحون، وقد صرحوا أنهم أطلقوا عليها صاروخا بالستيا لكن الإمارات نفت ذلك، فيما تناغمت تصريحات الحراك الجنوبي الانفصالي متخوفةً من تلاحم أجنحة الإنجليز (علي صالح وهادي وعلي محسن) فيما يعني تأييداً للحوثيين.
إن الحوثيين سيسعون بكل قوة للحشد لمعركة صنعاء فهي معركة مصيرية يترتب عليها وجودهم، مع أنهم يدعون للتهدئة وإخماد الفتنة والوساطة في ذلك كما دعت لذلك إيران، لكن علي صالح يصر على خلق واقع جديد يحرج فيه السعودية وأمريكا ويظهر أنه البطل وأنه المنقذ وإلا فالويل للحوثيين من تحالف أطراف الإنجليز والقضاء عليهم تماما.
إن هذه الحرب ستجر كارثة كبيرة على أهل صنعاء فوق كارثتهم إذا ما استمرت، وسيمتد لظاها لتحرق بقية المحافظات، حرب تتبعها حرب وشقاء يتلوه شقاء، وكلما نزح الناس إلى منطقة يعتبرونها آمنة إذا بها تشتعل تحتهم وبهم، إن أي نصر يحققه طرف على طرف لا يعتبر نصرا لأهل اليمن ودينهم وعقيدتهم بل هو نصر لإحدى دول الصراع بريطانيا أو أمريكا في بلادهم، وأي نصر هذا الذي يكون على جثث أهل اليمن الأبرياء وعلى حساب قوتهم وحياتهم؟!!
يا أهل اليمن، يا أهل الإيمان والحكمة! إن وقود الحرب إنما هي دماؤكم ودماء أبنائكم وحياتكم، فهلا عملتم لإيقاف هذه الحروب وتجارها وأخذتم على أيدي العابثين المتصارعين على حكمكم واستعبادكم ونهب ثرواتكم، فإن هدأت الحرب يوما فهي غدا إليكم عائدة إن لم تطفئوها من جذورها بالحل الصحيح الذي يرضي ربكم ويحقق سعادتكم، ولتكن قضيتكم بماذا تحكمون لا في من يحكمكم، فإن تغيير الأشخاص دون تغيير الأنظمة والدساتير التي تحكمون بها لا يجدي، بل إن ذلك التغيير الشكلي هو مصيبة فوق مصيبة وكارثة على الأجيال، جيلاً من بعد جيل.
يا أهل اليمن! انظروا كيف أن المتصارعين تارة يتصارعون وتارة يصطلحون وتتبدل الأحلاف وتنقلب الموازين بتقلب مصالح المتصارعين تجار الحروب العملاء، فكيف تثقون في هذه الأطراف وتعطونها الولاء وتعولون على طرف منها وهي منحازة جميعها لمصالحها ومصالح أسيادها المستعمرين؟!
إن حزب التحرير قد بين لكم من أول يوم حقيقة الصراع والمتصارعين وولاءهم لأمريكا أو بريطانيا المستعمرتين لبلاد المسلمين، وكان صادقا مع الله ثم معكم ولن تبدله عن مواقفه الإغراءات ولا التهديدات، ولن ينخدع بأي طرف من أطراف الصراع، ولن يمد يده إلا لمن يطبق شرع الله ويعمل لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وتالله ما أردنا بهذا الأمر السيادة عليكم ولا جبي أموالكم، وإنما إرضاء الله سبحانه وتعالى والنصح لكم والعمل لإيصال الإسلام إلى الحكم كمنهاجٍ لحياتكم ففيه وبه وحده تسعدون.
بقلم: عبد المؤمن الزيلعي
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية اليمن
رأيك في الموضوع