تسارعت الأحداث المتعلقة بالشأن السوري، كأن الجميع على عجل، خائفين من ضياع فرصة سنحت لهم لفرض حلولهم على أهل سوريا، فيجتمع رئيسا أمريكا وروسيا في فيتنام يوم 11/11/2017 ويصرحان بأنه "لا حل عسكرياً للصراع في سوريا" مخاطبين بذلك الثوار ليضعوا أسلحتهم ويستسلموا، ولكنهما يستخدمان كل قواهما العسكرية المباشرة وغير المباشرة لفرض الحل على أهل سوريا! ويطالبان "كل أطراف الصراع السوري بلعب دور في عملية السلام بجنيف"، أي يطالبان الشعب السوري بالاستسلام والقبول بما تفرضه أمريكا ومن معها. فالتحرك الروسي يسير بموافقة أمريكية.
فتقوم روسيا وتدعو لمؤتمر "شعوب سوريا" في سوتشي يوم 18/11/2017 ولكنها فشلت في عقده، ما سبب لديها غصة، فحولت اسمه إلى "الحوار الوطني"، ولتحقيقه دعت تركيا وإيران لمساعدتها، فاجتمع رؤساء هذه الدول في سوتشي يوم 22/11/2017 ليعلن بوتين أن نظيريه "أردوغان وروحاني أيدا المبادرة الروسية الخاصة بعقد المؤتمر السوري العام للحوار الوطني...". وأردوغان وروحاني أعلنا دعمهما لبوتين. وبذلك عززت أمريكا التحرك الروسي بأوليائها في تركيا وإيران بقصد إنجاح هذا التحرك الذي يصب في الحل السياسي والذي سعت لتحقيقه منذ اليوم الأول بقصد إجهاض الثورة والحفاظ على النظام السوري العلماني التابع لها.
وقال بوتين: "روسيا وإيران وتركيا تواصل العمل الوثيق على تعزيز نظام وقف الأعمال القتالية، والتطبيق المستدام لخفض التصعيد، ورفع الثقة بين أطراف الأزمة... قمنا برسم الخطوات ذات الأولوية الخاصة بتفعيل الحوار السوري الشامل بناء على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254... وجمع جميع الممثلين عن مختلف الأحزاب السياسية والمعارضة الداخلية والخارجية والطوائف العرقية والدينية حول طاولة المفاوضات... المؤتمر سينظر في القضايا المحورية للأجندة العامة في سوريا من بينها في الدرجة الأولى تلك التي تتعلق بوضع معايير لهيكل الدولة السورية المستقبلية وتبني دستور جديد وعلى أساسه إجراء انتخابات بمراقبة الأمم المتحدة... أشرنا إلى تمسك القيادة السورية الذي تم تأكيده لنا بمبادئ الحل السلمي للأزمة السياسية واستعدادها لإجراء الإصلاح الدستوري وانتخابات حرة بإشراف من قبل الأمم المتحدة... وإن المفاوضات يجب أن تكون مباشرة ودون شروط مسبقة ومبنية على قرارات مجلس الأمن الدولي السابقة". فيعلن أن المجرم أسد باقٍ الآن فسيجري إصلاحا دستوريا وانتخابات حرة! وقرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي اتُّخذ مرجعية يخلو من أية عبارة تتعلق بمصير القتلة أسد وزمرته، وهو قرار أمريكي بحت، حيث قدمته أمريكا لمجلس الأمن يوم 18/12/2015 فتبناه المجلس بالإجماع. وما اتفق عليه في سوتشي هو تماما ما ورد في القرار الأمريكي رقم 2254. فحكام روسيا وتركيا وإيران ينفذون قرارات أمريكا. ومع ذلك يبقى شك في نجاح روسيا بعقد مثل هذا الحوار.
وقبل انعقاد مؤتمر سوتشي بيومين، دعا بوتين الطاغية بشار أسد ليعلمه بأنه الآن باق حتى إشعار آخر، لأنه قال إن "أسد مستعد للعمل مع كل من يريد السلام والاستقرار في سوريا"، وقال إنه "سيتشاور مع الرئيس الأمريكي ترامب غدا"، وجاء الغد ليقول ترامب مبديا فرحه: "أجرينا مع الرئيس بوتين مكالمة رائعة وتحدثنا عن سوريا، وهذا مهم جدا،... استمرت ساعة ونصف... بحثنا بشكل جاد جدا إحلال السلام في سوريا". فترامب يبارك لبوتين لقاءه عميل أمريكا أسد وطمأنته أنه باق الآن! فنرى التحرك الروسي لا يجري إلا بعد التشاور مع أمريكا، علما أن "أمريكا اعتمدت استراتيجية جديدة بخصوص سوريا لا تشمل استبعاد بشار أسد عن السلطة وتقترح تعاونا وثيقا أكثر مع روسيا بما في ذلك المجال العسكري" حسبما أفادت صحيفة "ديلي بيست" الأمريكية يوم 7/7/2017. وأكد ترامب ذلك في لقائه بوتين في فيتنام "باتفاقهما على مواصلة التنسيق العسكري بينهما في سوريا..."
ومن جانب آخر قامت أمريكا بواسطة عميلتها السعودية فجمعت المعارضة السورية في الرياض من منصات الرياض والقاهرة وموسكو والمستقلين لتشكل منهم وفدا جديدا ليفاوض النظام الإجرامي مباشرة في جنيف. وقد استقال حجاب رئيس الهيئة العليا للمفاوضات محتجا على عدم دعوته إلى الرياض واستقال معه ثمانية آخرون، فاستغنت عنهم أمريكا لأن عندها الكثير من أمثالهم، فكلهم يلهثون وراء أمريكا لتمنحهم منصبا أو حفنة دولارات أو تكسبهم شهرة زائفة على حساب دماء الشهداء.
فأمريكا إذن على عجلة من أمرها لفرض حلها السياسي، وقد رأت مدى نجاعة استخدام روسيا وتركيا وإيران في تطبيق خطتها، وأن بعض الفصائل المحسوبة على الثورة قد سارت في ركب عملائها والأخرى محيدة أو مجمدة غير متحركة تنتظر مصيرها، وأوجدت رأيا عاما مضللا كأن الثورة انتهت والكل استسلم وما بقي إلا جيوب ستنظف! حيث صورت هزيمة تنظيم الدولة بأنها انتهاء الثورة والانتصار على الثائرين، وكأن هذا التنظيم هو الذي بدأ الثورة! علما أنه كان دخيلا ووبالا عليها، وتتعمد أمريكا ومن معها على جعل الناس ينسون أن صاحب الثورة هو الشعب السوري، فهو الذي فجّرها وسيّرها سلميا، ولكن النظام الغادر ألجأها إلى حمل السلاح ليبرر قتاله لشعبه ويستخدم سلاحه الفتاك الذي لم يستخدمه لتحرير الجولان أو فلسطين، وإنما يستخدمه لإرهاب شعبه وإذلاله حتى يبقى جاثما على صدره، مدركا أن أمريكا راضية عنه لشدة تبعيته لها، وستهيئ له من يعينه على شعبه المنتفض من أعداء المسلمين، روسيا ومن أصحاب التشيع الأعمى ومن أتباعها في تركيا والسعودية لخداع الثوار واحتوائهم.
وما دامت هذه الثورة ثورة شعب أبيّ، فمهما تساقط منها ووقع في أحابيل أمريكا وأوليائها فإنها ستبقى متوقدة، وهي جزء من ثورة الأمة المشتعلة التي لن تنطفئ حتى تسقط كافة الأنظمة العلمانية التي أقامها المستعمر، وحتى تحقق مشروعها فتقيم خلافتها الراشدة على منهاج النبوة. فالشعب السوري لم تنكسر إرادته ولم يدخل قلبه الخوف وقد كسر حاجز الخوف، فلم يعد يخاف النظام المتوحش، وازداد وعيه، وأدرك أنه قد جرى التآمر على ثورته وحدثت أخطاء يجب تلافيها ونواقص يجب إتمامها، وأهمها عدم وجود قيادة سياسية واعية مخلصة تضبط كل الثائرين وتوجههم وتكون مسموعة الكلمة، وإن كانت هي موجودة وحاضرة ألا وهي حزب التحرير وقد قبل البعض بقيادته، وهو يعمل لجعل الجميع يقبل بها ويصغي له ولتوجيهاته وتحذيراته. ومهما يكن فإن الأمة في النهاية سوف تتخذه قائدا لها وتنتصر بإذن الله، وقد تعرت كافة الحركات والأحزاب الأخرى، وثبت أنه هو الصادق المخلص الثابت الواعي سياسيا وفكريا. والأيام دول، وستكون له الدولة بإذن الله مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾.
رأيك في الموضوع