تتحدث كتب السيرة عن محاولة إطفاء مشركي مكة نور الله بأفواههم واجتماعهم في مجلس أمنهم وأممهم المتحدة المُسمّى آنذاك دار الندوة؛ إذ ائتمروا وحضر معهم إبليس بهيئة شيخ نجدي، يبحثون كيفية القضاء على نور النبوة بقتل أشرف المرسلين وما تمخض عن المؤتمر من خطة فاجأت الشيطان نفسه ونالت إعجابه وتأييده، قال تعالى ﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ ولا يعلم أولئك أنهم وإن أجلبوا بخيلهم ورجلهم فمكر الله أكبر من مكرهم، كيف لا وهو خير الماكرين.
فأتم الله نوره ونجّى نبيّه وخرج من بينهم سالماً، بل حتى إنّه نثر على وجوههم التراب وتابع طريقه حتى أقام حكم الإسلام بدولة سادت العالم لقرون.
وما بين الأمس واليوم، مع اختلاف الأدوات والوسائل والأساليب، تطلع علينا دار ندوة الكفر (الأمم المتحدة ومجلس الأمن) بمؤتمراتها ومؤامراتها كأستانة وجنيف وغيرهما، هدفها الأساس هو القضاء على ثورة الشام لاستشعارهم بخطرها، لما اشتمّوا منها من رائحة المشروع الإسلامي وعودة المسلمين لسابق عزهم ومجدهم بإقامة حكم الإسلام بدولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فأجمعوا كيدهم ثم أتوا صفاً وجاؤوا بسحر عظيم؛ مال سياسي قذر أحرزوا لباطلهم جولة به فساقوا خلفهم قادة فصائل خرجوا من رحم الثورة ثم خرجوا عنها فباعوا دينهم بدنيا غيرهم وبعرض من الدنيا قليل!
ولتمام مكر المؤتمرين بل المتآمرين استعانوا بما يمكنهم من هزيمة ثورة الشام (بزعمهم) من شدّة قصفٍ على الحاضنة الشعبية لتخضع لحلهم السياسي الذي يضمن بقاء النظام المجرم، ومن هدن ومفاوضات جعلت الذئب يأكل الفريسة تلو الأخرى والبقيّة يتفرجون بانتظار دورهم، فنال المجرمون بهذه الهدن ما لم ينالوه بآلتهم الحربية، ومن فتن واصطفافات فصائلية تموج بهم وتجعلهم حصيداً خامدين أو يكادون، وصولاً لتدخل تركيا أردوغان بجيشها، وما رافقها من تسويق وتمهيد بل وحتى المساهمة بإدخالها من ألدّ أعدائها بالأمس (على الأقل ظاهراً) بدعوى المصلحة والمفسدة التي باتت عند البعض إلهاً يُعبد من دون الله، وفكرة تقاطع المصالح التي جاء بها مُفتون حسب الطلب والتي تستثمر الدول من خلالها الجماعات ثم تسوقها لحتفها بعد نفاد الحاجة إليها.
نقول: جاء التدخل التركي كآخر حلقة من حلقات المكر الأمريكي لترويض من يتم ترويضه وسحب السلاح والقضاء على من يُعاند لتسليم ما تبقى من الثورة في معقلها الأخير إدلب لأعدائنا روسيا وإيران والنظام، كصفقة تبادُل مع عفرين كما سلّمت حلب من قبل مُقابل الباب، فيعود المُجرمون للقتل والتشريد ويلهبون ظهور الأحرار بسياطهم ويسوقون حرائرنا للمعتقلات وتُطوى بذلك صفحة أعظم ثورة مرت في التاريخ...
من هذا المنطلق ومن إدراكنا لخطر المرحلة التي وصلت إليها الثورة كان لا بد من نذير عريان يصدق قومه ويبين لهم سبل السلام وطريق الخلاص وحبل النجاة فيتدارك أهل الشام ما فاتهم ويسيروا نحو عز الدنيا والآخرة، وهذا ما كان من حزب التحرير الذي شرفه الله بهذه المهمة لينير للأمة دربها وتتلمس خلاصها بما يحمله من وعي سياسي أنار بصيرته تجاه كشف خطط أعداء الأمة وما أكرمه الله به من مشروع سياسي مستنبط من كتاب الله وسنة رسوله e قادر على احتضان أهل الشام حوله؛ إذ كان لثورة الشام منذ بدايتها وحتى اللحظة الرائد الذي لا يكذب أهله فصدقهم في كل ما حذرهم منه؛ من مال سياسي قذر وما جره من هدن ومفاوضات ومن دور دول الخداع تركيا وقطر والسعودية والأردن وغيرها.
فإن أراد أهل الشام أن يُحققوا ما خرجوا لأجله ودفعوا الغالي والنفيس ثمناً له، فما عليهم إلا أن يضعوا أيديهم بهذه الأيدي المتوضئة ويسيروا مع حزب التحرير وخلف قيادته السياسية مرشداً ودليلاً ورُبّان سفينة فيستحقون بذلك بإذن الله وفضله الكفالة التي تكفلها الله لرسوله e، وتُقام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي ينتصر بها للمسلمين في الشام والعراق وفلسطين وبورما وفي كل بقاع الأرض وتخسأ أمريكا وروسيا وكل من تجرأ على المسلمين في يوم من الأيام.
فإلى هذا ندعوكم يا أهلنا في الشام فهل من مجيب؟!
﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾
بقلم: عامر سالم أبو عبيدة
رأيك في الموضوع