المراجعات التي طرحها زكي بني رشيد والمراجعات التي قامت بها الجماعة الإسلامية في مصر، والمراجعات التي تحدث بها الغنوشي وأخيرا المراجعات الحمساوية، هذه المراجعات أو التراجعات أو التنازلات، جاءت بعد إخفاق الحركات جميعها بالوصول إلى غاياتها، على فرض وجود غاية، بمعنى أنها خرجت تحت ضغط الواقع، وليس نتيجة دراسة فقهية غلّبت رأيا جديدا أو اجتهادا على اجتهاد، وإلا فإنه لا بأس أن يراجع مجتهد أو تراجع حركة اجتهاداتها، فإن تبين لها الخطأ فلا بأس من الرجوع، فإن الرجوع إلى الحق فضيلة وشرف، أما إن كانت التراجعات أو المراجعات، تحت ضغط الواقع فإن هذه حقها أن تسمى تراجعات وليس مراجعات...
فما معنى أن تترك الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد السلاح في تغيير منكرات المجتمع، مع أنهم كانوا لا يقبلون حتى مناقشتهم في أدلتهم وبالذات حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه «إلا أن تروا كفرا بواحا» يستدلون به على أن تغيير المنكر لا يكون إلا بحمل السلاح، ثم ينتهي بهم الأمر ليس بترك السلاح فحسب، بل بكونهم أعوانا للنظام المصري، الذي يقتل المسلمين؟!...
وما معنى أن يترك الإخوان المسلمون قولهم بأن القرآن دستورنا ويطالبون بدولة مدنية، يكون الله عز وجل فيها مثله مثل أي مشرع أو واضع دستور؟!...
وما معنى أن تترك حماس ميثاقها الداعي إلى إبادة كيان يهود، وبأن ما كان من النهر إلى البحر (فلسطين التاريخية)، أصبح من النهر إلى النهر، وما كان خيانة بالأمس بنص الميثاق الذي كتبوه بأيديهم، أصبح فضيلة وشرفا، وإلا فما وساطة السيسي للمصالحة بين فتح وحماس، وما قول مساعد وزير الخارجية الأمريكي بأن المصالحة الحمساوية الفتحاوية خطوة بالاتجاه الصحيح، وبأن على حماس التراجع عن ميثاقها بتدمير كيان يهود، وقول مبعوث الرئيس الأمريكي لعملية السلام في الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات إن التطورات التي تشهدها المصالحة الفلسطينية، تتناسب تمامًا مع رؤيتنا وجدول الأعمال الأمريكي؟!...
إن المراجعات أو إعادة النظر بطريقة سير أي جماعة أو حركة لا ينبغي أن يحكمه الواقع ومتغيراته، فالمتغير لا يضبط الثابت، وأقصد هنا الإسلام عقيدة ونظام حكم وإلا فنحن أمام عقائد أرضية وليس عقيدة الإسلام.
إن الحركة إذا كانت تصدر برأيها عن أصل لا يعتريه النقص أو الخلل، فإنه ليس لها أن تغير أو تبدل في مواقفها، فإن الأمر ليس لها، وما أعمالها وتصرفاتها إلا تبعٌ لقاعدة الحلال والحرام، فهو وجهة النظر وهو الركيزة التي يجري التفكير على أساسها، وهذا هو الفرق بين كون الحركة حركة إسلامية أو علمانية، وليس كونها إسلامية بمعنى أن أفرادها يدينون بالإسلام، وإلا فإن كثيراً من أبناء الحركات العلمانية يصلّون ويصومون ويذكرون الله في ليلهم ونهارهم، إذن فإن الحركة التي تسمي نفسها حركة إسلامية لا يجوز لها أن تقبل الخالق تبارك وتعالى في المساجد وترفضه تحت قبة البرلمان وفي المحافل الدولية...!!
إننا نفهم أن تكون حركة علمانية لا يعني لها الخالق سبحانه وتعالى شيئا، أو حركة شيوعية لا تعترف بالخالق أصلا، بأن تراجعاتها أو مراجعاتها تمليها الحالة السياسية أو الموقف الدولي، أما إذا فرض أن الحركة هي إسلامية، بمعنى أنها تأسست على الأحكام الشرعية، فقبلت بالأدلة من قرآن وسنة، ثم تكون مراجعاتها كأي حركة علمانية أو شيوعية، فهذا ما لا قِبل لنا بفهمه أو استيعابه، فهل ما كان واجبا عندهم، أصبح حراما وهل ما كان مطلوبا شرعا أصبح ممنوعا شرعا؟!...
فالفصل بين الدعوي والسياسي ليس من الدين في شيء، والمطالبة بدولة مدنية ذات مرجعية إسلامية ليس من الإسلام في شيء، والقبول بدولة فلسطينية على حدود ما احتل عام 67 ليس من الإسلام في شيء.
إن تغيير المسميات لا يغير من الواقع شيئا، فإما أن يكون الخالق عز وجل هو المهيمن على كل شيء وإلاسلام قيماً على كل العقائد والأديان، وإلا فإننا أمام حالة من ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾، ولا أدري كيف يمكن إقناع بعض أبناء (الحركات الأسلامية) بقبول النقيضين، فإذا طلب منه أن يرفع صور مرسي في غزة طاف بها المدينة بأكملها، وإذا طلب منه رفع صورة السيسي (ساجن مرسي) بعد مصالحة حماس وفتح في مصر، فإنه يخلع أي قناعة له سابقة، فاللاحق ينسخ السابق إذا لم نستطع الجمع بينهما، وكأني بهؤلاء مع حوزاتهم "وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد"!!...
نسأل الله الثبات، ونسأله لهم الهداية والرشاد.
بقلم: خالد الأشقر (أبو المعتز)
رأيك في الموضوع