أعلن يوسف الشاهد يوم 06/9/2017 عن تحوير وزاري شمل 13 وزارة و7 كتاب دولة، وذلك بعد مشاورات مع رؤساء الأحزاب السياسية التي وقعت على وثيقة قرطاج. وسيعرض التركيبة الحكومية الجديدة علىمجلس النّواب لمنحها الثقة. فهل الفريق الحكوميّ الجديد أهل للثقة؟
في مقالنا هذا سنعرض ما هو معروف عند الجميع عن يوسف الشّاهد وأبرز أعضاء فريقه الحكومي ليكون مقدّمات استدلاليّة تكشف ما ستجنيه هاته الحكومة على تونس وأهلها، كي لا يُقال "انتظروا هذه الحكومة فهي لم تبدأ العمل بعد" أو "اصبروا عليها وأعطوها هدنة حتى تطبّق برامجها ومن ثمّ يكون الحكم لها أو عليها"! لا يُقال هذا فنحن أمام مصير شعب بأكمله، والسياسيّ الحصيف يستشرف المستقبل ويتوقّع المحذور قبل وقوعه ويتجنّب الأزمات والكوارث قبل حلولها أو اقترابها.
1- رئيس الحكومة: إذا كان الغراب دليل قوم .. فلا فلحوا ولا فلح الغراب
قائد الفريق الحكومي هو موظّف سابق في سفارة أمريكا في تونس، مع العلم أنّه لم يكن مجرّد موظّف بسيط فقد كان مكلّفا بمهام في قسم الخدمة الزراعية الخارجيّة في السفارة الأمريكية في تونس، ومثّل الحكومة الأمريكيّة خلال أعمال الدورة الثامنة والعشرين للمؤتمر الإقليمي لإفريقيا، الذي عقدته منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "فاو" في تونس العاصمة في آذار/مارس 2014. أي إنّ رئيس الحكومة كان إلى غاية سنة 2014 يخدم مصالح أمريكا في قطاع استراتيجي حسّاس هو قطاع الفلاحة، وقد قدّم خدمات جليلة لأمريكا حيث كان عمله في أحد أذرع السياسة الاقتصادية الأمريكية الاستعماريّة التي بها تهيمن على العالم ومجال عملها "قطاع الأغذية والزراعة في الخارج". فكان الشاهد يجمع المعلومات عن حركة العرض والطلب في تونس والمغرب لأجل أن يساعد في تحسين قدرة المنتجات الأمريكية على الدخول إلى الأسواق في المنطقة وتطبيق برامج صممت لبناء أسواق جديدة وللإبقاء على الموقع التنافسي للمنتجات الأمريكية في الأسواق العالمية.
وهو من أكبر المدافعين عن الإصلاحات العقارية لتحرير الاستثمار في القطاع الفلاحي وللسماح للمستثمرين الأجانب بتملك الأراضي الفلاحية في تونس.
هذا هو يوسف الشاهد رئيس الحكومة: حياته العمليّة كانت خدمة للدولة الاستعماريّة الأولى في العالم، أمّا عن رؤيته فهي غربيّة رأسماليّة فهو يرى (في أطروحته)أن الحديث عن "حماية حقوق المزارعين" و"السيادة الغذائية" شعارات بالية تجاوزها الزمن. أي إنّه لا يرى حماية حقوق الفلاح التونسي ولا يرى من ضرورة أن تكون لتونس سيادة غذائيّة. فكيف سيخدم الشاهد مصلحة تونس وأهلها؟!
2- وزارات السيادة: فأين السيادة؟
الدّاخليّة والدّفاع هما وزارتان مهمّتان طرأ عليهما تغيير، فعاد إلى وزارة الدّفاع عبد الكريم الزبيدي، أمّا وزارة الدّاخليّة فأسندت إلى العميد لطفي براهم، ومن المعلوم عند المتابع لما يحصل في وزارتي الدّفاع والدّاخليّة أنّ الكلمة العليا فيهما هي لبريطانيا ثمّ للحلف الأطلسي، فوزارة الدّاخليّة سُلّمت لبريطانيا لتضع استراتيجيّتها الأمنيّة ولتدرّب ضبّاطها ولتصوغ عقيدتهم الأمنيّة، أمّا وزارة الدّفاع فسلّمت لحلف النّاتو تسليما وخضعت لأوامره فأنشأت مركزا استخباراتيّا يشرف عليه الحلف الأطلسي ومكّنت لأمريكا وبريطانيا وألمانيا حتّى تشرف إشرافا على "حماية" الحدود التونسيّة.
فهل كان التحوير الوزاري من أجل تحقيق السيادة وجعل الأمن في تونس بأيدي أهلها؟! وزير الدّفاع الجديد عبد الكريم الزبيدي هو عائد إلى وزارة الدّفاع بعد أن شغلها من 27 كانون الثاني/يناير 2011 إلى 13 آذار/مارس 2013. (حكومة الباجي قايد السبسي ثمّ حكومة حمادي الجبالي) وهو معروف بولائه للسبسي، ومعلوم أنّ السبسي يسعى إلى عسكرة مناطق الثروة، وأنّ الوزير السابق فرحات الحرشاني فشل في المهمّة؛ ممّا يعني أنّ الوزير الجديد القديم جيء به ليوقّع حيث يُطلب منه التوقيع ويتممّ الأمر الرئاسي بعسكرة مناطق الثروة لحماية الشركات الاستعماريّة من غضب المحتجّين. أمّا وزير الدّاخليّة الجديد العميد لطفي براهم فهو ابن وزارة الدّاخليّة وتقلّب في مناصب عديدة آخرها آمر الحرس الوطني، وسار في تطبيق السياسات التي وضعتها السفارة البريطانيّة لوزارة الدّاخليّة، مع العلم أنّ الوزير الجديد في ذمّته قضيّة منشورة أمام المحاكم التونسيّة تتعلّق بفبركة قضيّة إرهاب. وعليه فالوزير الجديد سيكون من أدوات الغرب في تطبيق سياساته، ويبدو من خلال تعيينه أنّ السلطة في تونس تريد أن تجرّب سياسة القمع ضدّ الاحتجاجات المتوقّعة في تونس.
أمّا وزارة الخارجيّة فبقي على رأسها خميس الجهيناوي صديق كيان يهود وسفير سابق لتونس في لندن، مهمّته الرئيسية هي تبييض وجه النّظام في تونس عند الدّول الاستعماريّة وإظهار مدى تبعيّتها لأوروبا. أمّا الدّفاع عن أهل تونس فآخر ما يفكّر فيه الوزير.
3- الوزارات المعوّل عليها في إنقاذ البلاد من أزمتها الاقتصاديّة: سفينة نجاة أم طلائع القراصنة وسماسرة الشركات؟
- زياد العذاري، كان في هذه الحكومة وزير الصناعة والتجارة خَلَف فاضل عبد الكافي على رأس وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي، ينتمي إلى حركة النّهضة وهو من المتحمّسين لفتح تونس على الاستثمار الخارجي. جيء بهذا الوزير ليركّز الاستثمار الأجنبي المباشر تنفيذا لوصايا صندوق النّقد الدّولي. ومن الدلائل التي قدّمها زياد العذاري أنّه حين كان وزيرا للصناعة سعى سعيا إلى بيع أكبر مصنع للفولاذ في تونس بأبخس الأثمان لولا أن اعترض عمّال المصنع وطردوه.
- رضا شلغوم وزير الماليّة: كان وزيرا للماليّة في آخر عهد بن علي عمل معه في تنفيذ سياسة صندوق النّقد الدّولي، يعود اليوم إلى وزارة الماليّة ليواصل ما بدأه مع بن علي في تنفيذ سياسات "حكماء" صندوق النّقد الدّولي، الذي لم يحلّ في بلد إلّا حلّ الخراب معه. فكيف ستكون هذه الوزارة في خدمة تونس وأهلها؟!
- عماد الحمامي وزير الصناعة والمؤسسات الصغرى أبدى مهارة كبيرة في السمسرة للشركات الأجنبيّة حين أرسلته الحكومة في الأشهر السابقة لمفاوضة المحتجّين في ولاية تطاوين على الشركات البتروليّة الأجنبيّة، وبرهن لأسياده أنّه قادر على ضمان مصالح الشركات الاستعماريّة.
فما ظنّكم بحكومة رئيسها موظّف سابق لدى الحكومة الأمريكيّة وكان يمثّلها في منظّمة الأغذية والزراعة، ووزراء السيادة فيها بلا سيادة بل سلّموا السيادة والقيادة لبريطانيا والحلف الأطلسي. أمّا الوزراء المعنيّون بالاقتصاد فلا يرون إلا ما يراه صندوق النّقد الدّولي، ولا يرون نهضة للاقتصاد إلا إذا مكّنوا الشركات الاستعمارية من ثروات البلاد وجعلوا القطاعات الحيويّة ملكيّة خاصّة لتلك الشركات...
إنّ المقدّمات دليلة على النّتائج. هذه حكومة ائتلاف استعماريّ يستعدّ للإجهاز على تونس وجعلها بوّابة الاستعمار إلى شمال أفريقيا ومن ثمّ كلّ أفريقيا.
أليس عجيبا غريبا أن نتوقّع من هذه الحكومة خيرا؟؟؟
نوّاب الشّعب الذين يزعمون أنّهم يُمثّلون الشّعب يستعدّون لمنح الثقة لحكومة الائتلاف الاستعماريّ هذه، وقد صرّح حافظ قايد السبسي المدير التنفيذي لنداء تونس وراشد الغنوشي رئيس حركة النهضة ومحسن مرزوق رئيس حزب مشروع تونس أنّ كتلهم في البرلمان ستمنح الثقة للحكومة (وعددهم كاف وزيادة).
لقد آن الأوان لأهل تونس أن يستفيقوا ويعلموا أنّ الدّيمقراطيّة لم تجلب لهم إلا الوبال ولم تأتهم إلا بحكومات كذب وخيانة. ولقد آن الأوان أن يسحب أهل تونس الثقة من نوّاب البرلمان وأحزاب العمالة والخيانة لأنّه ثبت وعدهم الزّائف وثبت تقلّبهم حسب مصالحهم الشخصيّة والحزبيّة وثبت بالقطع أنّهم لا يرون شعب تونس إلا أرقاما وأصواتا في صندوق يتسلّقون به إلى المناصب.
بقلم: محمد الناصر شويخة
* رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية تونس
رأيك في الموضوع