اختتمت قمة بريكس التاسعة أعمالها يوم 5/9/2017 في مدينة شيامن الصينية منطلقة بأعمالها تحت عنوان "علاقات شراكة أقوى لمستقبل أكثر سطوعا". فأكدت في بيانها الختامي استمرارها في الالتزام بتحقيق اقتصاد عالمي مفتوح وشامل، ومعارضتها للسياسات الحمائية، ودعمها للتعددية والدور المحوري للأمم المتحدة في الشؤون الدولية، ودانت التدخلات العسكرية أحادية الجانب والعقوبات الاقتصادية والاستخدام التعسفي للإجراءات القسرية انتهاكا للقانون الدولي والأحكام المتعارف عليها في العلاقات الدولية، وأنه لا يحق لأي دولة أن تعزز أمنها على حساب أمن الآخرين. فالمقصود هنا أمريكا، أي اتخذت موقفا منتقدا لأمريكا ولسياساتها، ودانت التجربة النووية لكوريا الشمالية مطالبة بإجراء حوار مباشر لتسوية القضية، أي أنها ساوت في الإدانة بين كوريا الشمالية وبين أمريكا وأعلنت أنها ليست مع أمريكا في موضوع كوريا الشمالية.
وفيما يتعلق بـ(الإرهاب) كما هو العادة فقد دعت بريكس إلى تبني مقاربة متكاملة بما في ذلك التصدي لنزعات تنامي (التطرف) وتجنيد (الإرهابيين) وتنقلاتهم وقطع قنوات تمويلهم، والمقصود العمل الإسلامي للتغيير وإقامة حكم الإسلام فقد اتخذوه عدوا، فكل أعداء الإسلام في كل قمة واجتماع يجعلونه محورا للنقاش وبندا في الاتفاقات وعملا مشتركا بينهم.
ومختصر "بريكس" مكون من الحروف الأولى بالإنجليزية للدول الأعضاء لمجموعة بريكس وهي على التوالي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. عقدت أولى اجتماعاتها على مستوى وزراء الخارجية عام 2006 باسم بريك، وعقدت أول قمة لها عام 2009، وفي عام 2010 انضمت إليها جنوب أفريقيا فأطلق عليها بريكس. وتبحث في قممها مواضيع سياسية واقتصادية. فيذكر أن من أهدافها خلق توازن دولي في العملية الاقتصادية، وإنهاء سياسة القطب الواحد، وهيمنة أمريكا على السياسات المالية العالمية، وإيجاد بديل فعّال وحقيقي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إلى جانب تحقيق تكامل اقتصادي وسياسي وجيوسياسي بين الدول الأعضاء. فمن إنجازاتها المهمة إقامة الصين بنك التنمية يوم 21/7/2015 برأسمال مبدئي 100 مليار دولار، وإقامة مركز إقليمي أفريقي له في جنوب أفريقيا يوم 18/8/2017. فمن هنا نرى أنها محاولات للحد من الهيمنة الغربية، وخاصة الأمريكية أو كسرها انطلاقا من الناحية الاقتصادية. والمحرك الرئيس لبريكس هو الصين وروسيا كونهما دولتين كبيرتين تسعيان للعب دور عالمي بجانب أمريكا أو مزاحما لها. وتحاولان استقطاب دول أخرى للعمل مع بريكس في محاولة لإنجاحها واستدامتها أو للتأثير عليها ولتحقيق أهدافها في وجه أمريكا. ولهذا السبب دعت الصين إلى هذه القمة طاجيكستان ومصر وتايلاند وغينيا والمكسيك. فقد صرح وزير خارجية الصين وانج يي قائلا "مصر شريك مهم للصين في تحقيق مبادرة الحزام والطريق" (وكالة شينخوا). وأضافت الوكالة أنه "منذ أن طرحت مبادرة الحزام والطريق عام 2013 ومصر تشارك فيها بنشاط وتسعى بشكل حثيث إلى تحقيق التكامل بين المبادرة الصينية واستراتيجية التنمية المستدامة رؤية مصر 2030"، وذكر الوزير أن "عدد الشركات الصينية العاملة في مصر ارتفع من 40 شركة عام 2014 إلى 100 شركة حاليا". فالصين لها أهدافها الاقتصادية، وكذلك لها طموحات سياسية نامية. وقد هرول الطاغية السيسي فرحا لكسر عزلته وكسب المشروعية ولإظهار أنه قائد معتبر دوليا وأنه يفعل شيئا لمصر، وخطب في القمة مدعيا أنه قام "بإصلاحات اقتصادية جذرية"! ومصر ما زالت متأخرة وشعبها يزداد فقرا. وأنه "وضع خطة رؤية تمثل استراتيجية مصر عام 2030"! ولا يوجد في الخطة ما يبشر بحدوث انقلاب صناعي حتى تكون هناك استراتيجية صحيحة وتغيير جذري في الاقتصاد. وادعى كاذبا أنه جرى "تحسين مجمل الاقتصاد المصري" علما أن المديونية العامة تضخمت وازداد الارتباط بصندوق النقد الدولي الاستعماري. وذكر أنه رفع "الإنتاجية وكفاءة الاقتصاد بشكل عام من خلال الخصخصة" وهذا مخالف للشرع لأنه لا يجوز أن يتحكم أفراد أو شركات في الملكية العامة فيجنون الأرباح الطائلة على حساب الناس، علما أن الملكية العامة يجب أن تكون تحت تصرف الدولة تنظم استثمارها وإنفاقها على الناس حسب أحكام الشرع. وادعى أن هناك "محاولات للسيطرة على معدلات التضخم وتخفيضها، وتخفيض العجز في الموازنة" فهي محاولات! ولن تنجح ما دام يطبق النظم الرأسمالية. واعترف "بوجود أزمة مزمنة في الاقتصاد" متناقضا مع كلامه بتحسن الاقتصاد. وأبدى "حرصه على تطوير العلاقات مع روسيا، وبناء محطة نووية لتوليد الكهرباء بمساعدة روسيا"، لأنه تابع لأمريكا التي تحرص على استخدام روسيا لدعم عملائها في سوريا ومصر وغيرهما. وذكر أنه يعمل على "إنشاء تجمعات سياحية على طول البحرين الأحمر والمتوسط" علما أن السياحة ليست مصدرا رئيسا للاقتصاد. ولا ينقذ اقتصاد مصر إلا إحداث ثورة صناعية، وهذا لا يتأتى بوجود السيسي وزمرته، بل يتأتى بوجود رجال دولة كشباب حزب التحرير يتبنون مبدأ الإسلام ولديهم الوعي السياسي والفكري العالي. وأشار السيسي إلى "حربه على (الإرهاب) بكافة صوره، والعمل على استئصاله ونجاحه في محاصرته". لأن همّه الأكبر تلبية مآرب أمريكا بمحاربة عودة حكم الإسلام.
هناك تناقضات وخلافات سياسية عميقة بين دول البريكس، فليست هي مجموعة موحدة سياسيا، فالهند تابعة لأمريكا وتستخدمها ضد الصين، ومع إدراك الصين لذلك إلا أنها تحاول التخفيف من ذلك الاستخدام وكسب صداقة الهند. والبرازيل تدور في الفلك الأمريكي ومع ذلك فروسيا والصين تحاولان الاستفادة من قدراتهما الاقتصادية الكامنة الهائلة لتقوية مجموعتهما في وجه أمريكا. وجنوب أفريقيا تابعة لمستعمرها القديم بريطانيا والتي من خططها تقوية جنوب أفريقيا وتحصينها تجاه أمريكا واستخدامها ضدها. وروسيا تتحسس من بروز الهيمنة الصينية وزيادة النفوذ الصيني في المناطق المحيطة بها مثل آسيا الوسطى، وزيادة قوتها العسكرية، وخشيتها من فقدان تفوقها النووي والفضائي مقابل الصين التي تتقدم في هذين المجالين. وقد عبر رئيس الورزاء الهندي السابق سينغ عن وضع بريكس قائلا: "على الرغم من طموحاتها الحثيثة لإحداث تغيير فعلي في بنية الخرائط الاقتصادية والسياسة العالمية، فإن دول البريكس لا تزال تطغى فيها المصالح الوطنية والداخلية جدا على المصالح الاستراتيجية المشتركة فيما بينها".
ولهذا فإن مجموعة بريكس محفوفة بالمخاطر ومليئة بالتناقضات والتنافرات السياسية وليست متجانسة، فكل له أطماعه أو ارتباطاته بدول أخرى. فهي ليست مثالا للنجاح ولا يعول عليها في الوقوف في وجه الهيمنة الغربية وخصوصا الأمريكية أو كسرها. خاصة وأنها لا تحمل مبدأ أو رسالة للعالم غير الرأسمالية ولا تعمل على إسقاط هذا الأساس الذي تقوم عليه الهيمنة الغربية والأمريكية خاصة. وليس لها إلا دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي تحمل مبدأ صحيحا قادرا على هزيمة الرأسمالية وإسقاط دوله الكبرى وعلى الأخص أمريكا، وذلك كائن بإذن الله قريبا.
رأيك في الموضوع