تملك أمريكا تاريخًا استعماريًا طويلًا وقبيحًا، ولكن في الوقت الذي يحاول فيه معظم السياسيين الأمريكيين تغطية جرائمها الاستعمارية، فإن الرئيس الأمريكي الحالي يتباهى بكل فخر. ففي أعقاب الهجوم الإرهابي الأخير الذي أسفر عن مقتل 13 شخصًا في برشلونة، في إسبانيا، كتب ترامب على موقع تويتر: "أدرس ما قام به الجنرال الأمريكي بيرشينغ لـ(الإرهابيين) عندما تم القبض عليهم. لم يكن هناك أي (إرهاب) إسلامي راديكالي 35 عاما بعدها!". وكانت نصيحته في 17 آب/أغسطس 2017 لدراسة ما "فعلته أمريكا للإرهابيين" إشارة إلى ما اقترفته أمريكا بحق المسلمين في الفلبين عندما ثاروا ضد الاحتلال الاستعماري الأمريكي بينما كان الجنرال بيرشينغ حاكمًا لمعظم مقاطعة مورو ذات الأغلبية الإسلامية من 1909 إلى 1913م. وقد استخدمت أمريكا وقتئذ أساليب وحشية. ففي مذكرات بيرشينغ "حياتي قبل الحرب العالمية، 1860 – 1917"، قال إن المقاتلين المسلمين "دُفنوا علنًا في نفس القبر مع خنزير ميت... لم يكن من الجميل القيام بمثل هذه الأساليب، ولكن احتمال الذهاب إلى الجحيم بدلًا من الجنة في بعض الأحيان يردع القتلة". وقد كان ترامب أكثر وضوحًا في ولاية كارولينا الجنوبية في شباط/فبراير 2016 عندما صرح بقوله: "كانوا يعانون من مشاكل (الإرهاب)، تمامًا كما نفعل"، أمام حشد من أنصاره المبتهجين قبل أن يصف كيف أن الجنرال بيرشينغ "ألقى القبض على (الإرهابيين) الذين ألحقوا ضررًا هائلًا وقتلوا الكثير من الناس. وبعد ذلك أخذ الـ 50 إرهابيًا، أخذ 50 رجلًا وغمس 50 رصاصة في دم الخنازير - هل تسمعون ذلك، أليس كذلك؟ أخذ 50 رصاصة، وغمسها بدم الخنازير. وجعل رجاله يذخرون بنادقهم بها، وصفّ الـ 50 شخصًا، وأطلقوا النار على 49 منهم. وقال للشخص الـ 50 أنت عد إلى شعبك، وأخبرهم بما حدث. ولمدة 35 عامًا لم تكن هناك مشكلة". وتُعامل أمريكا المعارضين لاستعمارها كـ(الإرهابيين)، ولكن تمرد مورو كان صراعًا من أجل الاستقلال عن الحكم الاستعماري، وليس إرهابًا.
لقد تأسست أمريكا على (الإرهاب)، وعملت باستمرار كما لو أنها أعلى مرتبة من الشعوب الأخرى وتعطي نفسها كل الحق في إملاء كيفية استخدام موارد بلادهم. وقد قضت على الهنود الحمر الأصليين، وأخذت أراضيهم، وأجبرتهم على العيش في مستوطنات مهينة، وتعرضوا لخيانتها مرارًا وتكرارًا. أما فيما يتعلق بالعلاقات بين العرقين الأسود والأبيض في أمريكا، فقد أدت مظاهرة قامت بها مؤخرًا جماعات الكراهية البيضاء في شارلوتسفيل إلى العنف الذي لا يزال يهز أمريكا. فقد قاد جيمس أليكس فييلدز الأصغر سيارة نحو متظاهرين مناهضين للنازية مما أسفر عن مقتل واحد وإصابة تسعة عشر آخرين، وتحدث ترامب ثلاث مرات عن الموضوع، حيث كشف بيانه الصحفي الأول والثالث عن الوجه القبيح لوجهة النظر العنصرية حول هذا الموضوع. وبعد أن دعم الرئيس العنصريين البيض في مقابلة في فندقه (برج ترامب)، تحدث البعض في وسائل الإعلام بجدية عن احتمال وقوع حرب أهلية ثانية في أمريكا، حيث إن الرأي العام منقسم بعمق حول قضية العرق. وعلى الرغم من قيام العديد من كبار السياسيين الأمريكيين بمهاجمة ترامب وقدم آخرون استقالاتهم بسبب هذه القضية التي تواجه إدارته، إلا أن عددًا كبيرًا من الناس قد دعم وجهات النظر التي عبر عنها ترامب والتي ساعدته في كسب الانتخابات، وما زال يواصل تصريحاته عن استخدام الرصاص المغموس في دم الخنازير أو عن تفوق العرق الأبيض من أجل الحفاظ على دعم جزء كبير من الناخبين الأمريكيين.
ربما يكون ترامب الرئيس الأكثر صراحة الذي شهدته أمريكا، غير أن الغطرسة الأمريكية ليست شيئًا جديدًا. ففي الوقت الذي يهدد فيه ترامب كوريا الشمالية، كذلك فعل رؤساء أمريكا السابقون، وبينما يهدد ترامب فنزويلا بعمل عسكري، فقد هدد رؤساء أمريكا السابقون فنزويلا بنفس القدر، وقادوا بالفعل حروبًا لا هوادة فيها في أماكن أخرى في أمريكا الجنوبية والوسطى. وقد أدى الغزو وتمويل الجماعات المتمردة الشرسة أو الحكومات اليمينية إلى سفك الكثير من الدماء في غرينادا وبنما ونيكاراغوا وهندوراس. وفي الشرق الأوسط، قادت الحكومات الأمريكية المتعاقبة الحروب وقسمت البلدان على أسس طائفية، وهي تدعم أبشع الأنظمة الديكتاتورية في العالم. فتصريحات ترامب الفجة مجرد كشف عن الوجه الحقيقي للاستعمار الأمريكي الذي هو انعكاس لوجهات النظر التي يحملها الشعب الأمريكي والتي عرفها العالم عنهم لفترة طويلة. وهذا يساعد على تفسير لماذا يكره البعض ترامب كثيرًا، بينما يحبه آخرون في بلده.
رأيك في الموضوع