لم تكن تصريحات الناطق باسم حكومة النظام الأردني - المومني - صادمة للشارع السوري بقدر ما كانت مريحة وواضحة، لتؤكد على خيانات هذا النظام الذي وضعه سايكس وبيكو خنجراً مسموماً في خاصرة بلاد الشام لإعاقتها عن أية محاولة تقوم بها لاستعادة كرامتها أو تحرير الأقصى. فلم يكفِ أن جد الهاشميين، خائن الأمة الإسلامية المسمى بالشريف حسين، كان معول هدم لعز المسلمين بمساعدته الإنجليز للإطاحة بدولة الخلافة العثمانية، ولم يكف أن سهل الهاشميون هجرة يهود شذاذ الآفاق لفلسطين المباركة ووقفوا يتفرجون على نكبتها وكأن الأمر لا يعنيهم، بل إن الملك عبد الله الأول أجهض حرباً تنادى لها المسلمون عام 1948م فور سماعهم إعلان قيام كيان يهود، فغدر بجيوشهم وأسلمهم ليهود ليمعنوا فيهم قتلاً وذبحاً وتشريداً، وزاد ابنه - الملك حسين - مسيرة العار والخيانة بعلاقاته المخملية مع كيان يهود، حتى كتب بكل وقاحة في صحيفة نمساوية في الثمانينات: "كنت أتناول الطعام بين الحين والآخر على مائدة جولدا مائير في بيتها ومن يدها"! واستمرت مسيرة الخيانات حتى اهتز عرش الهاشميين بثورة الشام ففهم أنها ثورة أمة وأنها لن تبقي ولن تذر، فأظهر أنه معها حين سمح بمسيرات ومهرجانات تأييد لها ولم يستطع الوقوف بوجه النزوح الكبير لأهالي حوران إلى الأردن خوفاً من الأمة لا من الله ولا حرصاً على الناس. لكنه ظل يتآمر على الثورة كلما سنحت له الفرصة كالثعبان لا يرفع رأسه إلا ليلدغ عندما يلحظ أن فريسته متلهية عنه فيغدر بها بقضّة مميتة. وما مخيم الزعتري عن أذهان الأمة والعالم ببعيد، ففي تقارير لهيئات حقوق الإنسان التي يقوم عليها الكفار لا المسلمين أظهرت أن مخيم الزعتري هو من أسوأ المخيمات على الإطلاق ولا يوازيه سوءًا إلا ربما معسكرات النازيين. نعم هكذا هم نشامى النظام الأردني عندما يهبّون لنجدة إخوتهم في الدين والعرق واللغة والتاريخ بل وفي العشيرة. حيث معروف أن عشائر حوران وعشائر الأردن متداخلة في بعضها، وبينها أواصر أخوة ونسب، وظن أهل الثورة في حوران أنهم سيستندون إلى صخرة ثابتة سوف تمنعهم من النظام السوري المجرم، فأتتهم طعنة النشامى نجلاء في الظهر في أحلك أوقات الحاجة لهم. فأغلقوا الحدود في وجوههم ووضعوا القناصة لصدهم، ولم يشبع هذا كله غليل رأس الهاشميين فزاد بافتتاح مراكز للتعاون مع أمريكا وأوروبا لإجهاض ثورة الشام، ولشراء الذمم وتصفية المخلصين، ولتنصيب الخونة الرخيصين بدلاً منهم حتى أوقفوا زخم الثورة في حوران فصارت عبئاً تحمله الثورة الزكية النقية على كاهلها بعد أن كانت بطلاً يشد أزر باقي الأبطال في سوريا.
لم يكن بهجت سليمان فقط عاراً على النظام الأردني، لكنه فضح تواطؤ الملك مع بشار، ولم يتم إبعاد السفير الحقير سليمان إلا بعد أن تطاول على "الأردن ورموزه"! حسب تعبير الحكومة الأردنية. لكن السفارة السورية بقيت وكراً للتجسس والتآمر على أهل سوريا المساكين الذين ضاقت بهم أرض الأردن فلا هم قادرين على البقاء فيها ولا على مغادرتها. ورغم ذلك بقي النظام الأردني بوجهين، تارة ينصح ملكه قائلاً: "لو كنت مكان بشار الأسد لغادرت"! وتارة يترك أذناب نظامه يزورون السفاح في دمشق ويباركون قتله وتدميره لسوريا وشعبها، فيدخل الكثيرون في حيرة "هل النظام موافق على ذلك؟! هل هو مع الثورة أم ضدها؟! ورغم دخوله في تنسيقات واجتماعات مع الروس والإيرانيين ومن قبلهم الأمريكان، بقي النظام الأردني يدس رأسه في رمال الغدر كلما تحدث أحد عن ثورة الشام، لكنه استأسد على المخلصين من أهل الأردن الذين أبوا إعطاء الدنية في دينهم، فضيق عليهم ومنع تأييدهم للثورة وحاصر تحركاتهم ثم هجم كالذئب ينهش في أبنائه بكل جنون فاعتقل منهم من اعتقل وحاصر من حاصر فأصبحت "موضة" - مضحكة - خاصة عند النظام الأردني وهي سحب الجوازات من الناس! فالدول الحرة مع أنها دول كافرة لكنها لا تسمح بسحب جوازات رعاياها لأنه حق لكل إنسان أن يحمل جوازه، بل حتى القانون الغربي يمنع - على سبيل المثال - الفنادق أن تضع جوازات النزلاء عندها كنوع من التأمين مقابل التكاليف، وتعتبر ذلك جريمة يُعاقب عليها القانون! فكيف بدولة ونظام وملك، ينظر للناس أنهم عبيد عنده يفعل بهم ما يشاء!
لم تقف مأساة هذا الكيان المسخ عند هذا الحد بل استفحل جنونه بدفاعه المستميت عن خطة روسيا بما يسمى "مناطق خفض التصعيد" التي هي في حقيقتها مناطق كمائن للمقاتلين لاصطيادهم من قبل النظام السوري بمباركة دولية، أملاً في إنهاء الثورة والقضاء عليها تماماً. وهذا ما يفسر أوهام النظام الأردني حين يعبر ناطق حكومته بقوله: "العلاقات مع سوريا مرشحة لمنحى إيجابي ونتطلع لعلاقات أفضل... الأردن لم يغلق سفارته مع دمشق"، مشيراً إلى أن "سفارتي البلدين تعملان بصورة كاملة ولم تتعطلا يوماً".
لقد حذرنا منذ بدايات الثورة من مد الأيادي للنظام الأردني خاصة، وللأنظمة العربية كلها كونها قاطبة - كما النظام السوري - تأتمر بأوامر الغرب وترقص على أنغامه، فليس لها أن تتحرك أو أن تفعل إلا بإشارة أسيادهم هناك. ولكن مفهوم "المصلحة" الذي ابتليت به ثورة الشام وإقحام العقل كمشرع في القواعد الشرعية من مثل قاعدة "درء المفاسد أولى من جلب المصالح" أفسد على ثوار حوران إخلاصهم وتوّه قراراتهم، وأدخلهم وما زال في دوامات أقضت مضاجع الناس وزادت من آلامهم، مع بقاء قلة قليلة مخلصة يتنزل عليها النصر ولو جزئيا لثباتها ولرفضها أي تعاون مع نشامى ملك الهاشميين - حفيد أبي لهب.
وختاماً، إن ثورة الشام تسير بموكبها الجليل لهدف يرضي ربها، وأثناء هذه المسيرة تزيد من فضحها للخونة ومن كشفها للعملاء، وتزيد في ذلك كلما تقدمت بها الأيام، حتى تصل للنصر الذي يرضي ربها وهي ناصعة بيضاء كالمحجة التي وصفها الحبيب المصطفى e، وهكذا نرى أنها ضربت رقماً قياسياً جديداً هذا العام بفضح أكبر ثلاثة عرّابين كانوا متخفين بعباءة الإسلام يدعون أنهم مع أهل سوريا ومع ثورتها وضد المجرم بشار وآل الأسد، لكنهم فجأة كشفوا أوراقهم ففضحهم الله تعالى بألسنتهم فبانوا على حقيقتهم أصدقاء لبشار ونظامه، عملاء للغرب، أعداء للأمة ولأهدافها، وكان النظام الأردني آخر الثلاثة بعد تركيا والسعودية.
وما زالت ثورة الشام شوكة في عين أمريكا والغرب، وما زالت الثورة - رغم هنّاتها - تجر جيوشاً جرارة تكبدها الخسائر والنفقات والآلام والأوجاع، جيشٌ أتى بأحلامٍ فارسية لم ولن تتحقق أحلامه رغم أدواته في لبنان، وجيشٌ أتى بخبرةٍ ظن أنها ناصرته حملها معه حين دمر الشيشان وقتّل أهلها، وثالثة الأثافي جيشٌ قتل وحرق نساء وشبابا وكهولاً في ساحة رابعة فظن أنه سينتصر في الشام. فأنى لجيوش أبرهة أن تنتصر على أهل الأرض المباركة!
بقلم: حامد الشامي
رأيك في الموضوع