بعد أن نجح الغرب الكافر بتهدئة ثورة الشام عبر عدد من الأعمال السياسية والعسكرية المرافقة لها، استطاع تخفيف وطأة الثورة على نظامهم العميل في دمشق، سعياً من الكافر المستعمر لاستيعاب ثورات المسلمين وتوجيهها بل وحتى امتطائها لتنفيذ إرادته ورؤيته التي يراها للوضع الدولي التي تمثل فيه الشام وحراكها مرتكزاً للنظام الدولي، وتعطي صورة عما سيكون عليه الوضع في المستقبل.
ففي الوقت الذي تقاطرت فيه قيادات الفصائل في الشمال إلى تركيا، وفي الجنوب إلى الأردن كان التحالف الصليبي الدولي يصب جام حقده على أهلنا في الرقة، مخلفاً المئات من الشهداء والجرحى، ما استدعى من منظمة الأمم المتحدة طلب هدنة إنسانية وفتح ممرات آمنة للسماح لنحو 20 ألف مدني محاصرين بالرقة بالخروج منها، وحثت التحالف بقيادة أمريكا على تحجيم ضرباتها الجوية، بينما كانت روسيا ومليشيات النظام الطائفية تحاصر منطقة ريف حماة الشرقي تريد استئصال شأفة الذين خرجوا على نظام الإجرام في دمشق، ورغم أن الصورة الحقيقية تكشف أن الحراك السياسي المتسارع في سوريا، وأكثر منه في الشمال خصوصاً مع الدعاية الكبرى عن مصير إدلب الذي يتم تضخيمه وتخويف الناس به، والذي قامت به تركيا بجمع قادة هذه الفصائل مع ممثلين عن أمريكا وبريطانيا وأوروبا، يأتي في السياق نفسه الذي يخطط ويمكر له الغرب للقضاء على الثورة، ويترافق مع اجتماع قادة فصائل الجنوب بحضور أردني أمريكي هدفه الضغط على قادة الفصائل لتبني النهج الأمريكي القائم على الحل السياسي الذي يقوده عرّاب أمريكا في الملف السوري الشبّيح الأممي ستيفان دي ميستورا الغائب الأبرز عن هذا الحراك.
هذه الأعمال السياسية الكبيرة التي تقدم عليها أمريكا وأحلافها لها غاية واحدة، وهي أن تجبر قادة الفصائل على تحويل مسار الثورة السورية من إسقاط النظام إلى تبني محاربة (الإرهاب) أي الإسلام، بحجة (تنظيمي النصرة والدولة)، وهذا الأمر يأتي في الوقت الذي تحكم أمريكا وحلفها الصليبي الضغط على الرقة بعد الموصل لانتزاعها من التنظيم، لكن اللافت كان هو أن فصائل الثورة لم تبد أي حركة حيال تقدم مليشيات سوريا "الديمقراطية" باتجاه الرقة تحت غطاء جوي من التحالف، وتهديدها بالتوجه إلى دير الزور لاحقاً، بل وحتى لحصار النظام لناحية عقيربات بريف حماة الشمالي، التي تحتوي عشرات الآلاف من المدنيين والنساء والأطفال، كل هذا عائد لسبب وحيد وهو أن الثائرين على نظام أسد الأمريكي، بعد أن فرّقها الداعم وسلب قرارها، جعلها مشلولة حتى عن اتخاذ قرار، وهو نفسه ما حرّك الحاضنة الشعبية ضد الجمود الذي تعانيه الفصائل وانكشاف أمرها بأنها تتحرك وفق إرادة خارجية بعيداً عن الثورة وأهدافها.
إن عدم انتصار الثورة إلى الآن كشف عورة الفصائل بالشام وارتباطها بالقرار الدولي وإرادته، وهذا عائد بالأساس للصراع الأبدي بين الإسلام والكفر، هذه الحقيقة الغائبة عن أذهان الكثير من المهتمين والناشطين وحتى من قيادات الثورة، هذا الفشل يوجب علينا أن نوضح أمراً في غاية الأهمية، وهو أن الثورة هي بالأساس عمل تغييري "غرائزي" إن لم يتم استغلاله فكرياً لتغيير الواقع السياسي، فستكون له نتائج كارثية، وهذا التغيير له أركانه وأسبابه ومسبباته، فالثورة خرجت لتغيير النظام وإسقاطه، وكون الجماهير تجهل طريقة التغيير التي يجب أن يقوم بها السياسيون، وبغياب الإسلام عن الحياة وتغير مفهوم السياسة عند المسلمين حاول الغرب إنشاء جماعات سياسية يربط قرار الثورة بها، ورغم فشله إلا أنه لم يتوقف عن إنشاء المجالس والائتلافات والحركات، لأنه يعلم أن التغيير لا يتم إلّا بعمل جماعي، ولكون الناس خرجوا ضد النظام العلماني والعلمانية، لم تتمكن هذه التجمعات من كسب ود الناس، وهنا يجب أن نتذكر وأن لا ننسى أن عملية التغيير هي عملية فكرية سياسية بحتة، فالرسول e عندما بدأ عملية التغيير بدأ بالأساس الفكري الذي تقوم عليه الأنظمة الجاهلية، فقد أخبرتنا السيرة المطهّرة أن رسول الله e عندما أتاه الوحي خرج إلى جبل وبدأ ينادي بطون قريش أن يأتوا إليه وقال لهم «لو أني أخبرتكم أن خلف هذا الجبل خيلا تريد الإغارة عليكم هل أنتم مصدقيّ؟» قالوا إنك الصادق الأمين. قال رسول الله e: «إني رسول الله إليكم قولوا لا إله إلا الله تفلحوا»، من هنا انطلقت عملية التغيير؛ فالرسول eيتكلم بالوحي الذي أخبره ووجهه إلى الطريقة التي يستطيع من خلالها تغيير الواقع المزري من عبادة الأوثان والشرك بالله، إلى عبادة الله وتوحيده والانقياد له وطاعته.
إذاً عملية التغيير انطلقت من القواعد الفكرية التي يقوم عليها النظام الجاهلي، وهذا ينطبق على أي نظام آخر، فالتغيير يبدأ بتغيير الأفكار التي هي الأساس الذي يبنى عليه النظام، وبهدم الفكرة القائم عليها أي نظام يسقط ويهوي هذا النظام تلقائياً، لذلك أدرك الغرب قبل غيره مسألة أن الثورات قادمة بمشروع تغيير حقيقي، وبسبب الجهل المتفشي واختلاط أفكار الإسلام النقية مع أفكار غير إسلامية استغلها الغرب لمنع الأمة من الوصول للتغيير المنشود، وهذا حقيقة ما لم يتم إلى الآن على الأقل، مع تغير كبير في أفكار الناس باتجاه الإسلام فكانت الدافع الذي جعل أهل الشام يصمدون أمام الغرب بكل أدواته الفكرية والسياسية وحتى العسكرية.
إذاً ما زالت أمريكا الدولة الأولى في العالم وصاحبة النفوذ في سوريا، عن طريق عميلها بشار ونظامه، تسابق الزمن لإنهاء الثورة عبر حلول ترقيعية، بالإبقاء على النظام العلماني والحفاظ عليه، واتهام كل من يخالفه بأنه (إرهابي)، ساعدهم في ذلك بعض الجماعات الإسلامية القائمة بعضها أصلاً على ردود الأفعال وبعضها على الواقعية الباردة التي تأخذ ما يعطيها أعداؤها، ولكون التغيير لا يكون إلا بأعمال سياسية وبدأ الناس يدركون ذلك خصوصاً مع تسارع الأعمال السياسية في الداخل من ناحية الثوار عن طريق ما سمي بالإدارة المدنية في إدلب التي هي مشاريع يحاول الغرب من خلالها ترتيب أوراقه في الداخل، وحتى من جهة النظام الذي أقام معرض دمشق الدولي وأعطاه زخماً إعلامياً كبيراً يعلن من خلاله انتصاره على المؤامرة الكونية.
في النهاية لا بد أن نوضح لأمتنا أن ثورتها منصورة بإذن الله إن هي تمسكت بحبل الله المتين ونبذت حبال أعدائها خصوصاً حلوله السياسية، وذلك بتبني المشروع السياسي الإسلامي الذي يقدمه حزب التحرير - الرائد الذي لا يكذب أهله - الذي وضع مرتكزات ثابتة لعملية التغيير وما يلزمها من مشروع دستور بخطوات ثابتة منطلقة من جمع الحزب مع الحاضنة الشعبية والقوة العسكرية، والانطلاق لإسقاط النظام وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي بإقامتها وتطبيقها الإسلام من أول لحظة، تضع لبنة التغيير الحقيقي في سياقها الصحيح بإعادة الأمة الإسلامية إلى عملها الطبيعي بحمل رسالة الإسلام التي أمرها الله بها بأن تكون كما وصفها ربها ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِۗ﴾.
بقلم: أحمد معاز
رأيك في الموضوع