إدلب، هي واحدة من أربع عشرة محافظة سورية، معظم سكانها هم من العرب السنة، بينهم جزء بسيط جدا من النصارى، وتعتمد إدلب في اقتصادها بشكل أساسي على الزراعة، وقد وصل عدد سكانها بعد الهجرات الأخيرة إلى ما يقارب مليوني نسمة، وهذه الهجرات ناجمة عن الترحيل القسري لسكان المدن السورية الأخرى من خلال اتفاقيات أجراها النظام السوري مع المعارضة أجبرهم فيها على ترك مدنهم هم وعائلاتهم وغيرهم والتوجه إلى إدلب. يعني تم تجميع المعارضة السورية بشكل ما في مدينة إدلب. لهذا السبب كانت إدلب وما سيجري فيها وما يخطط لها في الوقت الحالي هو مهم جدا.
تأتي أهمية إدلب كونها تقع على الحدود مباشرة مع تركيا، حبث يحدها من الشمال هاتاي وعفرين، ومن الشرق حلب، ومن الغرب مدن البحر الأبيض المتوسط اللاذقية وغيرها، وبهذا تشكل نقطة استراتيجية مهمة ومحط نظر أمريكا، ومن ضمن مخططاتها للاستيلاء عليها.
تم التركيز في السنة الأخيرة من قبل الإعلام الغربي والإعلام التركي المضلل على موضوع وجود تنظيم إسلامي (إرهابي) ألا وهو جبهة النصرة في إدلب، وذلك من أجل تضليل الرأي العام العالمي ومحو فكرة أن إدلب أصبحت هي قلعة المعارضة الأخيرة والوحيدة بل تم التركيز على أنها مركز لجبهة النصرة.
لو نظرنا إلى الترتيب الزمني لوجود جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا) في إدلب بشكل مختصر: فقد بدأت المواجهات بين قوات النظام السوري وقوات المعارضة السورية في إدلب منذ اندلاع الثورة السورية في 2011 حتى الآن بشكل متقطع، ففي شباط من العام 2012 بسبب المواجهات العنيفة والتركيز المتزايد من قبل قوات النظام السوري، استعاد النظام مدينة إدلب في العام نفسه في شهر آذار، لكن بعد خمس سنوات في 24 آذار 2015 شنت قوات المعارضة هجوما على قوات الأسد في المدينة، تمكنت من خلاله تحقيق تقدم على الأرض، وفي 28 آذار 2015 استعادت قوات المعارضة مدينة إدلب من النظام السوري، ومنذ ذلك اليوم وحتى الآن تخضع إدلب لسيطرة قوى متعددة من المعارضة؛ وفي تموز الماضي تمكنت جبهة فتح الشام من خلال المواجهات مع منظمات من المعارضة المؤيدة لتركيا من إحكام السيطرة على إدلب. هذا باختصار هو حال المدينة.
اتفاق أمريكا مع قوات سوريا الديمقراطية بتثبيتها في سوريا يشكل تهديدا حقيقيا لتركيا، ولكي تنقذ نفسها من هذا الخطر المحدق بها نفذت جميع الخطط، وبسبب اضطراب تركيا وقلقها من هذا الوضع، استعرضت أمام أمريكا جميع المناورات العسكرية والمخابراتية من أجل إقناعها بقدرتها على التدخل في إدلب أو عفرين، العملية التي قامت بها تركيا وروسيا بإخراج المعارضة المسلحة من حلب وإرسالها إلى إدلب، وحصول جبهة فتح الشام المهيمنة على إدلب على الدعم والتأييد من قبل المعارضة المسلحة الخارجة من حلب، كل هذا قدم لها حملة دعائية كبيرة، إلا أن أمريكا لا تزال صامتة ومتحفظة على كل ما يتعلق بإدلب.
لذلك فإن أمريكا بحجة أنها لن تترك إدلب في يد جبهة فتح الشام - وتركيا لن تستطيع الوقوف في طريقها - سوف ترسل قواتها إلى إدلب، وبهذا الشكل سوف تؤسس جسراً للأكراد يمتد إلى البحر الأبيض المتوسط.
عملية درع الفرات لم تحقق سوى الحصول على جرابلس والباب، ولم تؤمّن الحدود مع سوريا، بهذا الشكل تبقى المنظمة الإرهابية قوات سوريا الديمقراطية على طول الحدود، لتبقى إدلب تشكل بالنسبة لتركيا المدينة الأكثر استراتيجية.
من خلال تدقيقنا في ما الذي يمكن أن تفعله تركيا بالنسبة لمسألة إدلب، نجد أن موقفها ضعيف جدا، وأن هناك بعض الخيارات أمامها، ألا وهي:
الخيار الأول: بإمكان تركيا الآن استخدام حق الدفاع المشروع، ضد المنظمة (الإرهابية) جبهة فتح الشام، كما استخدمته من قبل ضد قوات سوريا الديمقراطية، وضد تنظيم الدولة، ضمن عملية درع الفرات، بإمكانها الآن التنسيق مع روسيا، والقيام بحملة في إدلب بحجة أن (الإرهاب) على الحدود يهدد أمنها الداخلي، هكذا تكون قد أزعجت قوات سوريا الديمقراطية وحليفتها في سوريا أمريكا، وبهذه الحالة سوف تشن أمريكا حملة كبيرة ضد تركيا، متهمة إياها بالوقوف عائقا في وجه محاربة (الإرهاب).
جبهة فتح الشام، تمتلك في إدلب قوة عسكرية كبيرة، ولكي تتمكن تركيا من القيام بحملة ضدها يتطلب ذلك جهدا عسكريا وسياسيا كبيرا، كما أنها سوف تستمر مدة طويلة، لذلك فإن التوقعات تشير إلى أن تركيا لن تقوم بهذه الحملة في الوقت الحالي.
الخيار الثاني: هو سيطرة روسيا وإيران والنظام السوري على إدلب، هذا ما قد تريده، فقط حتى لا تبقى قوات سوريا الديمقراطية على الحدود هي وأمريكا، لذلك سوف تسعى جاهدة من أجل إبرام اتفاقية مع روسيا.
والخلاصة: حسب تصريحات أردوغان وبن علي يلدريم، و(حسب الأجواء السياسية)، ستقرر أمريكا إعطاء الإذن لتركيا بالتدخل في إدلب على نمط حصار حلب، وعلى نمط عملية درع الفرات، إذا قامت بذلك تكون قد لعبت بورقة العديد من قادة المعارضة الذين وثقوا بها، وبورقة قوات سوريا الديمقراطية، لكن في الوقت الحالي لا شيء يدل على أن أمريكا سوف تسمح بذلك.
ختاما إن دول الغرب الكافر المستعمر، بالتعاون مع أتباعها من الخونة، تمكر للقضاء على الإسلام والمسلمين، ولكن ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾.
بقلم: رمضان طوسون
رأيك في الموضوع