(مترجم)
ابتداءً من يوم الأربعاء 19 تموز/يوليو شهدنا تصعيداً عسكرياً في شرق أوكرانيا. وبحسب ما قاله المركز المعلوماتي لمكافحة الإرهاب فقد وقعت حوالي 10 وفيات بين الجنود الأوكرانيين منذ 19 تموز/يوليو.
وهذا الوضع يثير التساؤلات حول الأسباب والعواقب المتوقعة للتصعيد الحالي.
ولكي نفهم ما يجري؛ ينبغي أن نذكر بعض التطورات المهمة التي حدثت في الشهر الماضي:
1. في 7 تموز/يوليو وهو اليوم الأول من قمة مجموعة العشرين؛ أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن استحداث منصب جديد للمندوب الخاص بأمريكا في أوكرانيا وتعيين (كورت فولكر) في هذا المنصب.
2. في اليوم نفسه تم تنظيم الاجتماع الأول بين ترامب وبوتين خلال قمة مجموعة العشرين. وبعد ذلك الاجتماع لم يقدم ترامب أو بوتين أي تعليق حول التفاصيل. وقال ترامب: "لقد بحثنا المشاكل الدولية والعلاقات الثنائية"
وأبلغ وزير الخارجية الروسي (سيرغي لافروف) عن اتفاق لإنشاء طريقة لتسوية الأزمة الأوكرانية على أساس اتفاقات مينسك، في حين أعلن وزير الخارجية الأمريكي عن زيارة كورت فولكر لموسكو.
3. في يوم الثلاثاء أعلن (أليكسندر زاهارشينكو) رئيس ما يسمى بـ"جمهورية دونيتسك الشعبية" عن تشكيل دولة جديدة تسمى مالوروسيا، والتي بحسب بياناته سيتم إنشاؤها من بعض مناطق "أوكرانيا السابقة". ومن الواضح أنه خلال السنوات الماضية كان زاهارشينكو فقط يعيد ترجمة مواقف المسؤولين في أوكرانيا التي كان يبلَّغ بها. وفي اليوم التالي لهذا الإعلان بدأت الجماعات المتمردة الموالية لروسيا بإطلاق النار بشكل مكثف على مواقع القوات المسلحة الأوكرانية.
وينبغي أيضاً أن نذكر التفاصيل التالية:
إن تعيين المندوب الخاص لأمريكا في مفاوضات أوكرانيا جاء عندما لم يكن هناك أي تقدم في تسوية الصراع في شرق أوكرانيا. إن استحداث مثل هذا المنصب يدل بوضوح على نوايا أمريكا أن يكون لها دور كبير في تسوية الأزمة الأوكرانية. إن وظيفة أمريكا كانت مراقبة جهود رباعية النورماندي وانتظار اللحظة عندما تتعب الرباعية من الجهود الفاشلة وتستغيث بها لتقوم بدور الوسيط.
في 23 حزيران/يونيو 2016 خلال الاجتماع الدوري لرباعية النورماندي لم يؤيد وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وزعماء روسيا فكرة إضافة أمريكا لشكل النورماندي.
ولكن في 9 آذار/مارس 2017 خلال مؤتمر صحفي مشترك في موسكو قام وزراء خارجية روسيا وألمانيا بدعم مشاركة أمريكا في تسوية الصراع في شرق أوكرانيا.
وأشار لافروف إلى أن جميع الصراعات يتم حلها بمساعدة أمريكا. كما أضاف نظيره الألماني (سيغمار غابرييل) أنه في مسألة تنفيذ اتفاقيات مينسك في دونباس فإنهم مهتمون بتطبيق النفوذ الأمريكي.
لكن أمريكا استمرت في تجنب المشاركة حتى بداية تموز/يوليو 2017، وأدى العجز الذي واجهته ألمانيا وفرنسا وروسيا وأوكرانيا بشأن حل الأزمة إلى قيام مسؤول كبير في وزارة الخارجية بالتصريح التالي أمام الإعلام:
"أود أن أقول إن جميع أعضاء النورماندي - فرنسا وألمانيا وأوكرانيا وروسيا - أعربوا عن رغبتهم في أن يكون لهم نظير أمريكي يمكنهم العمل معه في المفاوضات، ليس كعضو في شكل النورماندي ولكن كدعم مهم لهذا الشكل وللتعاون مع تلك البلدان أثناء التفاوض بشأن تنفيذ اتفاقيات مينسك".
في 7 تموز/يوليو قال وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون: "رداً على طلب الرئيس بوتين قمنا بتعيين كورت فولكر مندوباً خاصاً لأمريكا لأوكرانيا".
وبالتالي فقد كانت أمريكا تنتظر بصبر لحظة عجز رباعية النورماندي مما سيجبرهم على طلب المساعدة منها.
ومن الجدير أن نذكر أنه استناداً للتعليقات التي قدمها المشاركون في اجتماع ترامب وبوتين، لم تتمكن روسيا وأمريكا من التوصل إلى اتفاق بشأن أوكرانيا، في حين إن مشاركة أمريكا في مفاوضات السلام قد بدأت بالفعل في شكل تعيين كورت فولكر. وبالتالي فإن روسيا تشعر بالقلق من أن مشاركة أمريكا ستسبب عواقب سلبية على روسيا.
مع الأخذ بعين الاعتبار كل ما ذكرناه سابقاً، يمكننا أن نستنتج أنه على الأرجح أن سبب إعلان دولة مالوروسيا والتصعيد في شرق أوكرانيا هو رغبة روسيا في تأمين موقفها على عتبة مفاوضات جديدة حول الأزمة الأوكرانية. فعندما يشارك أحد المشاركين الجدد، أي أمريكا كوسيط، وينضم إلى عملية التفاوض فإن روسيا تسعى إلى رفع المخاطر والإشارة إلى أن العواقب ستكون وخيمة بالنسبة لخصومها إذا كان حل الأزمة الأوكرانية لا يناسب روسيا.
وهذه النتيجة تم تأكيدها من خلال التطورات التي حصلت خلال الأسبوعين الأخيرين:
عندما سُئل كورت فولكر خلال زيارته لدنباس حول إدراك أمريكا أن ما يجري في دنباس هو نتيجة للعدوان الروسي أجاب: "نعم، نحن مدركون لهذا. نحن نرى ونفهم الذي يجري، وكيف بدأ الصراع، وكيف تتم إدارته الآن".
وقد قام ترامب في 2 تموز/يوليو بالتوقيع على قانون يفرض عقوبات جديدة على روسيا. وهذا أفضل مؤشر على أن الاجتماع الذي حصل خلال قمة الـ 20 لم يأت بأي اتفاق بين أمريكا وروسيا. كما يجدر بالذكر أنه وبعد ذلك قررت روسيا أن تقلل عدد المسؤولين في سفارة أمريكا وأن تقوم بترحيل عدد منهم.
إن هذا الوضع أجبر رئيس الوزراء الروسي د. ميدفيديف على القول إن: "الأمل بتطوير علاقاتنا مع الولايات المتحدة بوجود الإدارة الأمريكية الجديدة قد انتهى الآن".
إن كل ما ذُكر سابقا يبين أن أمريكا هي أكثر دهاء ومهارة من روسيا التي تفتقر إلى أيديولوجية ومن أوروبا التي ترهب العدوان الروسي وتعاني أيضا من العقوبات.
إن روسيا وبكل غباء سياسي صدقت أن السياسة الأمريكية يرسمها الرئيس الأمريكي وحده وأن ترامب هو صديق لروسيا، ولهذا وافقت على إدخال أمريكا في تشكيل النورماندي. وها هي الآن قد صُدمت من خطئها السياسي حيث إنها دولة لا تمتلك أيديولوجية محددة ولا يمكنها اختلاق مناورات سياسية، وها هي كالعادة تلجأ إلى التصعيد.
* رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في أوكرانيا
رأيك في الموضوع