كما هو متوقع من برلمان السودان، فقد أجاز نواب البرلمان، بالتهليل، والتكبير، والتصفيق، مسودة مشروع التعديلات الدستورية، في جلسة يوم الثلاثاء الماضي، وهو ما سمي "ملحق الحريات"، وهذه التعديلات تتعلق بثلاث مواد، هي:
أولاً: المادة (15)- (1): الأسرة هي الوحدة الطبيعية والأساسية للمجتمع، ولها الحق في حماية القانون، وعند بلوغ السن المقررة قانونا، يجوز التزاوج بين ذكر وأنثى بالتراضي، وتسير الأسرة وفق دين الأطراف، أو عرفها إن لم يكن لها دين، ويراعى المتاع والوصايا والمواريث وغيرها، بعد الموت وفق القانون الذي يلي المعنيين. (2) تضطلع الدولة بحماية الأمومة، ووقاية المرأة من الظلم، وتعزيز المساواة العادلة بين الجنسين، وتأكيد دور المرأة في الأسرة، وتمكينها في الحياة العامة.
والناظر لهذا النص الدستوري، في بلد أهله مسلمون، إلا من قلة لا تتعدى 1%، يرى أن المطلوب هو أن لا تكون العلاقة الاجتماعية، وبخاصة ما يتعلق بالزواج والمرأة، نابعا من العقيدة الإسلامية، وإنما هذا النص المائع هو شبيه بالنصوص في مثل هذه الأمور بالنصوص الغربية، والحديث عن المساواة بين الجنسين هو مطلب اتفاقية سيداو، التي تريد للمرأة المسلمة أن تكون مثل المرأة في الغرب، سافرة لا شرع يقيدها، ولا دين، في حين إن الأصل في المرأة أنها أم وربة بيت وعرض يجب أن يصان.
ثانياً: المادة (38): (لكل إنسان الحق في حرية الاعتقاد، وممارسة شعائره الدينية، ولا يكره أحد على اعتناق دين لا يؤمن به، وله الحق في التعبير عن دينه وعقيدته، وفقاً لما ينظمه القانون).
وذكر مثل هذه المادة في دستور السودان، وهو بلد من بلاد المسلمين، وبهذه الصورة، يعني أنه يحق للمسلم أن يخرج عن الإسلام، رغم أنه لم يصرح به صراحة، إلا أن المفهوم من النص يقول بذلك، بل ما يؤكد ما ذهبنا إليه، ما قالته رئيسة اللجنة الطارئة لتعديل الدستور، ونائبة رئيس المجلس الوطني (البرلمان)، د. بدرية سليمان، حيث ذكرت في المؤتمر الصحفي الذي عقدته عقب إجازة التعديلات الدستورية قائلة: "إن التعديلات ألغت جرائم حدية كالردة والحرابة والاغتصاب والزنا للمحصن، وهي ذات الجرائم الموجودة في القانون الجنائي لسنة 1991م". حسبنا الله ونعم الوكيل، ما هذه الجرأة على دين الله؟! فهي تقول التعديلات ألغت جرائم حدية. سبحان الله، ومن الذي جعلها حدية، أليس الله خالق البشر سبحانه الذي يعلم ما يصلح الإنسان وما يضره هو الذي شرعها؟ أأنتم أعلم أم الله؟ أم هي جزء من مطالب أمريكا في حوار الوثبة؟!
ثالثاً: المادة (151) (1) ينشأ جهاز للأمن والمخابرات الوطني، ويكون قوة نظامية قومية، مهمتها رعاية الأمن الداخلي والخارجي، ويحدد القانون رسالته وواجباته ومهامه وشروط خدمته...
وكان مما أعطي لهذا الجهاز، صلاحية انتهاك خصوصية الأفراد عبر التصنت، وفقا لقرار قضائي، أو من النيابة العامة، أو من سلطة أمنية، فيما يمس الأمن القومي، وهي صلاحيات واسعة وغير منضبطة، لأن كلمة الأمن القومي، هي كلمة فضفاضة، وليس لها معنى جامع مانع، مما يعطي جهاز الأمن سلطات واسعة، أكثر مما عنده اليوم... وهنا لا بد أن نبين الحكم الشرعي المتعلق بوجود جهاز مهمته التجسس على الرعية، وأخذهم بالريبة والشبهات، فإن الإسلام يحرم التجسس على الرعية، فلا يجوز للدولة أن تتجسس على رعاياها مسلمين وغير مسلمين، وإنما شرع التجسس على الكفار الحربيين فعلاً أو حكما، وأعوانهم من أصحاب الريب المترددين على سفاراتهم وأوكارهم التجسسية، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾.
إلا أن حكام المسلمين الذين لا يرعون في الأمة إلاًّ ولا ذمة، ويقفون في خندق واحد مع العدو الكافر، في حربه على الإسلام والمسلمين، هؤلاء الحكام لا يستطيعون التسلط على الأمة وقهرها وقمعها، إلا عبر أجهزة أمنية مهمتها قمع الناس، وإرهابهم والتجسس عليهم.
إن الواضح من هذه التعديلات، وما سبقها من تعديلات، هي مقدمات لإقصاء الإسلام، حتى في حده الأدنى (عقوبات وأحكام الأسرة)، وجعلها علمانية صريحة، فهي كانت في الماضي علمانية ملتحية، تتدثر بشعارات الإسلام، وعلى أهل السودان، والمخلصين من أبناء الأمة، العمل من أجل إقامة دولة الإسلام، دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، التي تعيد الأمة إلى العيش بالإسلام، في ظل أحكام رب العالمين، يكون دستورها مستنبطا من كتاب الله وسنة رسوله e، وما أرشدا إليه من إجماع الصحابة، والقياس الشرعي، هذا هو المخرج الوحيد لأهل السودان المسلمين وكل المسلمين في العالم، بل إن في دولة الخلافة الرحمة للبشرية كلها، لأن ما جاء به الحبيب محمد e هو رحمة للعالمين، كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾.
* الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع