(مترجم)
في 28 شباط/فبراير 2017، اختتم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زيارته إلى دول آسيا الوسطى. التقى خلالها رؤساء طاجيكستان وكازاخستان وقرغيزستان. وقد عقد خلال زيارته محادثات خاصة مع رئيس كل دولة فيما يتعلق بدولته ومشاكله الخاصة. ومن أجل فهم أهداف ونتائج هذه الجولة، يحتاج الأمر إلى التعمق قليلاً في مشاكل هذه الدول وفهم طبيعة علاقتها مع روسيا.
كازاخستان هي واحدة من أكثر الدول الموالية لروسيا في المنطقة، وهي تتصل مع روسيا اقتصادياً وسياسياً، وتحتضن أكبر عدد من الناطقين بالروسية، لذلك فإن اندماجها في المشاريع الروسية أسهل بكثير من البلدان الأخرى في آسيا الوسطى، وهي عضو في منظمة شانغهاي للتعاون (SCO) ومعاهدة الأمن الجماعي (CSTO) والمجموعة الاقتصادية الأوروآسيوية (EAEC). ومن الجدير ذكره أن هنالك ما لا يقل عن سبعة آلاف شركة روسية لديها فروع في كازاخستان. كل هذا يشير إلى وجود علاقة قوية بين روسيا وكازاخستان.
خلال الاجتماع بين بوتين ونزارباييف، كان من الممكن ملاحظة خطط روسيا لتعزيز مشاركة كازاخستان في المجموعة الاقتصادية الأوروآسيوية. بعد كل شيء، ففي السنوات الأخيرة عندما انخفضت أسعار النفط وضعف الروبل، أثر هذا بطبيعة الحال على العملة المحلية في كازاخستان. فشعر شعب كازاخستان بالعواقب السلبية لعضوية كازاخستان في المجموعة الاقتصادية الأوروآسيوية ، ونتيجة لهذا كان هنالك بعض الاستياء من هذا الاتحاد. لهذا السبب ففي الاجتماع قال بوتين أن بنك المجموعة الاقتصادية الأوروآسيوية قد أكد لكازاخستان أن المشاريع بقيمة مليارات الدولارات، مشيراً إلى أن العلاقات بين كازاخستان وروسيا ستكون أقوى. ونتيجة لذلك، سمعنا كلام نزارباييف أنه ليس لديهم مطالبات أو شكاوى وأن الأسئلة إلى الجانب الروسي وسنكمل المشوار مع روسيا.
طاجيكستان هي الأخرى تابعة لروسيا، وهي أيضاً تعتمد على روسيا اقتصادياً وسياسياً، ونظراً للعدد الصغير من الناطقين بالروسية من سكان طاجيكستان، فإن النفوذ الروسي في هذا الصدد يختلف عن كازاخستان. وبالإضافة لذلك، فإن شعب طاجيكستان أقل اندماجاً من شعب كازاخستان. لذلك، فإن ذراع روسيا الرئيسية في طاجيكستان هي اقتصادية وعسكرية. فإن ما يقرب من نصف الناتج المحلي الإجمالي في طاجيكستان يعتمد على المال من العمال المهاجرين الذين يرسلون الأموال إلى عائلاتهم - حيث لفت بوتين النظر إلى ذلك في لقائه مع رحمون. إن مشكلة المهاجرين من طاجيكستان هي أيضاً مشكلة حادة جداً في روسيا، حيث تستخدم السلطات العمال كأقوى ذراع للنفوذ. تحاول روسيا سحب طاجيكستان إلى المجموعة الاقتصادية الأوروآسيوية، ولكنها لم تحقق بعد أي نجاح في هذا المجال. حيث إن طاجيكستان تبقى فقط عضواً في منظمة شنغهاي للتعاون ومعاهدة الأمن الجماعي.
قرغيزستان، بالرغم من أنها تقع تحت النفوذ الأقوى لروسيا، إلا أنها لا تزال البلد الأكثر هشاشة في آسيا الوسطى من حيث تغيير الوضع السياسي، فإن الأوضاع قد اشتعلت مرة أخرى، ففي الآونة الأخيرة تم إلقاء القبض على أحد أعضاء المعارضة. ومن الواضح أن روسيا "تشدد الخناق" وتتابع الأحداث عن كثب في البلاد لمنع "ثورة بنفسجية" جديدة. فإنه في نهاية عام 2017 سيتم عقد الانتخابات الرئاسية في قرغيزستان، حيث إن أتامباييف لن يترشح مرة أخرى، ومن الواضح أن روسيا تحضر رجلاً مثل أتامباييف ليحتل هذا المنصب، فإن أتامباييف يطيع جميع أوامر روسيا حرفياً، فعلى سبيل المثال، حين حصل تمديد الموعد النهائي لوجود القاعدة العسكرية الروسية في كانت. كما أن أتامباييف يقدم قرغيزستان إلى المجموعة الاقتصادية الأوروآسيوية. فاليوم، قد تم دمج قيرغيزستان في المزيد من المشاريع الاقتصادية والعسكرية والتعليمية الروسية. وللأسف، فإن المشاريع التعليمية تسير وتنفذ في قرغيزستان بنجاح كبير.
لم يزر بوتين أوزبيكستان أو تركمانستان. وقام بمحادثة هاتفية مع رئيس تركمانستان، وأعرب عن أمله بلقائه وجهاً لوجه في المستقبل. أوزبيكستان، والتي وقعت تحت حكم كريموف لفترة طويلة حيث حافظ على التوازن بين روسيا وأمريكا، وهي ليست عضواً في المجموعة الاقتصادية الأوروآسيوية أو في معاهدة الأمن الجماعي، ولكنها في الوقت نفسه تعتبر بلداً مهماً في المنطقة، حيث إنها بلد مهم خاصة بالنسبة للسياسة الخارجية في آسيا الوسطى. إن وفاة كريموف ووصول ميرزياييف الأكثر ولاء لروسيا قد لعب دوراً مهماً لصالح روسيا. وبشكل عام، تشمل منطقة آسيا الوسطى خمس دول هي: أوزبيكستان وطاجيكستان وكازاخستان وقرغيزستان وتركمانستان. هذه المنطقة هي منطقة عازلة مهمة لروسيا. وتدرك روسيا أن فقدانها السيطرة على واحدة فقط من هذه البلاد سيترتب عليه عواقب جيوسياسية وخيمة. فمنذ انهيار الاتحاد السوفييتي وأمريكا تحاول فصل هذه الدول عن روسيا من خلال السخرية من تبعيتها لروسيا.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعجل بفرجه ونصره، وأن يكرمنا بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة لنحبط خطط المستعمرين الظالمين وننشر العدل والسعادة في أرجاء العالم.
بقلم: مبين أبو داوود
رأيك في الموضوع