لم تكد الحرب المستعرة في جنوب السودان تضع أوزارها، حتى أطل على أهله شبح المجاعة، ففي العشرين من شباط/فبراير 2017م أعلنت كل من حكومة جنوب السودان، والأمم المتحدة، عن مجاعة في أجزاء من ولاية الوحدة الواقعة في أعالي نهر النيل بجنوب السودان، وحذرت المنظمة الأممية من إمكانية انتشار المجاعة بسرعة كبيرة إلى بقية الولايات. وقال برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة: (إن 40% من سكان جنوب السودان، أي حوالي 4.9 مليون شخص في حاجة ماسة للطعام على وجه السرعة)، وقال رئيس المكتب الوطني للإحصاء في جنوب السودان: (... يعاني 4.9 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي بين شهري شباط/فبراير ونيسان/أبريل، بسبب القتال الدامي في جنوب السودان، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتعثر الاقتصاد، وانخفاض الإنتاج الزراعي)، مشيراً إلى أن هذا الرقم سيرتفع إلى 5.5 مليون شخص بحلول تموز/يوليو. وقال منسق الأمم المتحدة للشئون الإنسانية في جنوب السودان: (يواجه طفل من كل ثلاثة نقصاً حاداً في التغذية، ويواجه 250 ألف طفل خطر الموت جوعاً)، كما أشار إلى أن ثمانية ملايين من أصل 12 مليون نسمة في البلاد يحتاجون إلى مساعدة، وأن 4.6 مليون منهم يواجهون نقصاً حاداً على صعيد المواد الغذائية... هذه صور من المأساة التي طالت الجنوب، والتي تم رصدها فعلاً، وتنبئ بفقر في البلاد من حيث المواد الغذائية.
إن أرض جنوب السودان تعتبر أرضاً بكراً، فهي حبلى بالثروات كالنفط، حيث إن 85% من النفط الذي كان السودان يعتمد عليه، قد آل إلى الجنوب عقب الانفصال، هذا علاوة على اليورانيوم، والفضة والذهب، والأراضي الزراعية الخصبة، مع وفرة المياه، بالإضافة إلى الغابات التي تحتوي على أجود أنواع الأعشاب. فهذه المعاناة ليس سببها فقر البلاد، حيث نرى الكثير من المراقبين ينسبونها للحرب الأهلية الدائرة، وتارة لسوء الإدارة، والبعض ينسبها للفساد المستشري بين المسؤولين في الدولة، وآخرون يتحدثون عن قلة تجربة الحكام، مما دفع البلاد إلى حافة الهاوية.
وبناء على هكذا تشخيص لأسباب المشكلة، جاءت مقترحات الحلول، فكان على رأس هذه الحلول، فرض حظر على استيراد السلاح إلى جنوب السودان؛ وهو أمر إن لم يكن من المستحيل تنفيذه، وتكتنفه صعوبات بالغة، وقد أشارت بعض التقارير إلى أن حكومة الجنوب تنفق أكثر من 50% من عائدات البترول على التسلح. وأيضاً اعتمد البعض الأعمال الإغاثية كجرعة إسعافية عاجلة إلى أن تتوقف الحرب، ولكن هذه الحلول ليس لها أثر على أرض الواقع، بل إن المجاعة قد وقعت بالفعل، وبدأت تتسع دائرتها أفقياً لتغطي مساحة جغرافية أوسع، ورأسياً من حيث عمق المشكلة، وزيادة آثارها المدمرة حتى على دول الجوار وبخاصة شمال السودان، حيث أجبرت هذه الكارثة الإنسانية كثيراً من الأسر الجنوبية على الهرب واللجوء إلى الخرطوم.
لقد ذكرت أسباب كثيرة أدت إلى هذه المجاعة الكارثية، لكنه تم تغافل، أو تجاهل السبب الرئيس؛ وهو الانفصال عن شمال السودان، وما تلك الأسباب إلا تفريعات عن هذا السبب الرئيس، سواء أكانت الحرب، أم سوء الإدارة، أم الفساد المالي، أم قلة الخبرة السياسية لدى حكام جنوب السودان، أم غيرها، فكلها تفرعت، أو نتجت عن الانفصال الكارثة، بين شطري البلاد، فالحرب في الجنوب بدأت قبيل خروج المستعمر الإنجليزي، وهم الذين مهدوا لهذه الحرب، وزرعوا بذور الفتنة، واستمرت هذه الحرب أكثر من ستة عقود، ومع ذلك لم يبلغ الأمر إلى درجة المجاعة.
إن حجم الثروة الموجودة في أرض السودان، تكفي لأن يعيش أهله، بل وجيرانه في رفاه تام، ولكن لا يمكن أن يتم ذلك إلا عبر فكرة سياسية، منبثقة عن عقيدة صحيحة، ترعى شئون الإنسان بوصفه إنساناً، بغض النظر عن دينه، بل هي مسئولة عن الحيوان، والطير في السماء. لذلك نقول: إن الحل هو في إعادة لحمة السودان مرة أخرى، وعلى عجل، ولكن ليس تحت حكم الذين تقاسموا جريمة الانفصال، من الحكام ومن شايعهم من الأحزاب والسياسيين، الذين تقاسموا مع السياسيين الجنوبيين إثم الانفصال، تنفيذا لسياسة أمريكا الرامية لتفتيت كل السودان إلى دويلات متناحرة، إن الحل يكون تحت راية الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، التي يقوم الحكم فيها على رعاية الشئون، وعلى مسئولية كاملة عن الآخرين. وإنا لنراه قريباً بإذن الله سبحانه وتعالى.
رأيك في الموضوع