بسم الله الرحمن الرحيم
جواب سؤال
بعض الخطوط العريضة لسياسة ترامب الدولية
السؤال: تزامن الإنجاز المهم للإدارة الأمريكية السابقة في سوريا والمتمثل بتسليم حلب للنظام السوري مع قرب رحيلها. إذ إن تلك الإدارة كانت تسير وفق خطة صارت تعطي "ثماراً" في الوقت الضائع لتلك الإدارة... والآن بعد قدوم إدارة الرئيس الجديد ترامب 20/1/2017 فما المتوقع من سياسة ترامب في البناء على تلك "الثمار" في سوريا؟ وهل يمكن توقع بعض الخطوط العريضة لسياسة ترامب الدولية مع روسيا والصين والاتحاد الأوروبي وبخاصة بريطانيا؟ ثم كيف نفسر تصاعد اللهجة العنيفة الوقحة من ترامب تجاه الإسلام والمسلمين؟ وجزاك الله خيراً.
الجواب:على الرغم من أنه لم يمض وقت على تنصيب ترامب رئيساً للولايات المتحدة لتُعرف سياسته بدقة، وعلى الرغم من أن تصريحاته الانتخابية ليست بالضرورة أن تعطي صورة كاملة عن سياسته التنفيذية، إلا أن بعض ما صدر عنه من تصريحات قولية وفعلية خلال الأيام التي مضت على حكمه، هذه التصريحات تعطي فكرة عن سياسته إلى حد ما، وبأخذ هذه التصريحات القولية والفعلية في الحسبان مع إدراك أن السياسة الأمريكية تديرها مؤسسات لا تتأثر كثيراً بالرئيس وإنما الأساليب تختلف... عليه فإننا نجيب على الاستفسارات الواردة في السؤال على النحو التالي:
أولاً: سياسة ترامب في البناء على "ثمار" إدارة أوباما في الأزمة السورية:
1- نعم لقد آتت خطة الإدارة الأمريكية السابقة "ثماراً" لتلك الإدارة قرب نهايتها، وهذا واضح من نجاح تركيا في الضغط على الفصائل المسلحة. وذلك أن تركيا قد امتلكت الكثير من مفاتيح المعارضة السورية عبر سنوات الثورة، ولكن أسباباً كثيرة منعت من استثمار واشنطن لتلك المفاتيح، وبعد لقاء الرئيس الأمريكي أوباما مع الرئيس التركي أردوغان 1/4/2016 واستجابة الرئيس التركي للمطالب الأمريكية، فقد أخذت تركيا تستدير في موقعها من الأزمة السورية، وأدارت ظهرها لأوروبا، وقامت بمصالحة روسيا، وكان على إثر ذلك ما صار يعرف بـ"درع الفرات" في سوريا 24/8/2016، تلك العملية التي مثَّلت تحت الضغط نقطة الجذب الأولى للمعارضة المسلحة الموالية لتركيا، وذلك لإبعادها عن قتال جيش بشار في حلب وغيرها، ومن ثم استمرار الضغط التركي بصورة أشد على تلك الفصائل حيث وجدت نفسها أمام اللحظة الحرجة التي يجب عليها دفع فاتورة الدعم التركي لها، فاستجابت تلك الفصائل المسلحة لتركيا وسلّمت حلب وانسحبت منها 14/12/2016، ولم يتوقف الضغط التركي على تلك الفصائل التي وجدت نفسها أمام دفع تركي شديد باتجاه مفاوضة المجرم الروسي في أنقرة، لينتهي المطاف بتلك الفصائل في أنقرة إلى توقيع وقف إطلاق النار الذي أعلنه الرئيس الروسي بوتين من موسكو 29/12/2016، والبدء بالتحضير لمفاوضات أستانة عاصمة كازاخستان 23/1/2017.
2- كان ظاهر تلك الأعمال يشير بوضوح إلى أن خطة أمريكا قد صارت تؤتي أكلها، فقد وجدت أمريكا طريقها لحل معضلة الفصائل المسلحة التي كانت تمثل لسنوات عقبة كأداء أمام المسار التفاوضي، بعد أن وجدت أمريكا أن مفاتيح تلك الفصائل قد تجمعت فعلاً في قبضة أردوغان. فقد أخلصت تركيا إخلاصاً منقطع النظير لتحقيق أهداف أمريكا على صعيد الفصائل المسلحة، فأكملت استدارتها مع الفصائل المسلحة من داعم إلى وسيط، ثم ضاغط ومخذل، حتى تدحرجت بها إلى أستانة في كازاخستان. وظلت تركيا تقوم بهذا الدور خدمةً لأمريكا كتابع مخلص حتى بعد إعلان فوز الرئيس المنتخب ترامب 9/11/2016، ولم تكن حتى لتفكر في أي تغييرات محتملة بعد استلامه مهام منصبه 20/1/2017.
3- إن إدارة ترامب قد صارت تقطف "ثمار" ما زرعته إدارة أوباما على جانب المعارضة المسلحة في سوريا، أي أنها مطمئنة بأن تركيا تمسك جيداً بأوضاع الفصائل المسلحة وتملك مفاتيح الحرب والسلم عندها. كما أن اندلاع الاقتتال بين الجماعات المشاركة في أستانة والفصائل الرافضة التي تصنفها أمريكا "إرهابية" هو أمر تريده أمريكا لأنه يضعف الجبهة المضادة للنظام ويجعل الطريق أمام النظام أكثر يسراً وسهولة... وبخاصة وأن تركيا أصبحت تصنف الفصائل إرهابية وغير إرهابية حتى إن بعض الفصائل التي لم تكن تصنفها سابقاً بالإرهابية عادت تصنفها إرهابية بعد اجتماع أستانة في 23/1/2017 ومن ثم الاقتتال بين الإرهابية وغير الإرهابية حسب التصنيف!! كما نقلت رويترز عن مصدر في وزارة الخارجية التركية، في 26/1/2017 أن تركيا أصبحت تصنف جبهة فتح الشام "النصرة" إرهابية وكانت قبل اجتماع الأستانة لا تصنفها إرهابية، ومن ثم وجد الاقتتال داخل الفصائل بين ما سموها إرهابية وغير إرهابية، وهذا يدل على "الثمار" التي صارت تجنيها أمريكا في سوريا بسبب إخلاص تركيا لها!
ثانياً: أما عن نهج ترامب مع روسيا: فهو الإغراء بالكلام اللين ولكن مع التهديد الفعلي الواضح بأن تنفذ روسيا مصالح أمريكا وهي تسير خلف أمريكا دون أن تُعطى زمام المبادرة الفعالة بدفع أمريكا لها من وراء ستار كما فعل أوباما، وهكذا فإن ترامب يتفق مع أوباما في الهدف أي خدمة مصالح أمريكا ولكن يختلف معه في الأسلوب، وذلك بجعل روسيا تشعر بالكلام اللين من ترامب فتقترب منه، وفي الوقت نفسه تدرك ثقل الضغط من ترامب فتنفذ سياسته وبخاصة تجاه الصين، أي لا يكتفي ترامب بإنزال مرتبة روسيا بأن تكون تركيا هي المقابل لروسيا بدل أمريكا في المفاوضات السورية مع روسيا، بل أن يتخذ ترامب مواقف مؤثرة تهز القيادة الروسية... وقد أصبحت مؤشرات تلك المواقف تُرى وتسمع! نذكر منها:
1- نظراً لأن ترامب أظهر مرونة تجاه روسيا في حملته الانتخابية فقد ظنت روسيا أن جعل موعد الأستانة بعد تنصيب ترامب سيجعل أمريكا ترفع من شأن المؤتمر بأن تحضره بمستوى رفيع، فروسيا كانت تنتظر على أحر من الجمر تسلُّم الرئيس ترامب لمنصبه أملاً منها في أن وزير خارجية ترامب سيحضر، ولذلك كانت روسيا تتطلع إلى أن يكون مؤتمر أستانة انطلاقة لمفاوضات سلام شاملة بين المعارضة السورية وحكومة بشار بدعم من ترامب، والذي يؤكد ذلك ما نقلته بي بي سي 30/12/2016 عن لافروف "من جهته، قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن وزارته بدأت الاستعدادات لاجتماع لحل الأزمة السورية في أستانة، عاصمة كازاخستان". وذلك نتيجة غبائها السياسي في أن ترامب يدعم روسيا! وهكذا وجهت الدعوة لواشنطن لحضور المؤتمر، وهي تتوقع حضور وفد عالي المستوى، فكانت الصفعة التي تلقتها هي أن تشارك واشنطن-ترامب في مفاوضات أستانة بإيفاد السفير الأمريكي في أستانة كمراقب! وهكذا انعقدت مفاوضات أستانة 23/1/2017 وانتهت في 24/1/2017 دونما أي نتيجة ذات شأن بالنسبة لوقف إطلاق النار، بل تكثف إطلاق النار على وادي بردى! وبطبيعة الحال دونما أي حل سياسي... وهكذا نزلت مفاوضات أستانة كثيراً عن المستوى الذي أرادته روسيا له، وانتهت المفاوضات بالمراوحة حول مربع وقف إطلاق النار!
2- ثم كانت صفعة أخرى أكبر من أختها وهي إعلان الرئيس الأمريكي ترامب أنه ("سيقيم بالتأكيد مناطق آمنة في سوريا" لحماية الأشخاص الفارين من العنف هناك) (رويترز، 26/1/2017)، وكان ذلك دون أن يتشاور مع روسيا (رد الكرملين على تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، التي أكد فيها ضرورة إنشاء مناطق آمنة في سوريا عبر نفي وجود تنسيق مسبق بين البيت الأبيض وموسكو حول الخطوة، ودعاه إلى دراسة ما وصفها بـ"العواقب المحتملة" لهذا القرار. وقال دميتري بيسكوف، الناطق الصحفي باسم الرئيس الروسي الخميس، ردا على سؤال حول وجود تنسيق مسبق بين الجانبين: "لا، لم يتشاور شركاؤنا الأمريكيون معنا. إنه قرار سيادي لهم. الأمر المهم هو ألا يؤدي ذلك إلى تردي وضع اللاجئين. ويبدو أنه كان من المجدي دراسة كافة العواقب المحتملة".) (CNN عربي، 26/1/2017). وأمريكا تتصرف هذا التصرف وهي مطمئنة بعدم قدرة روسيا على اتخاذ أي رد فعل مؤثر، فقد أكملت أمريكا عملية توريط روسيا في سوريا، وصار خروجها من سوريا أمراً صعباً، وربما حلماً في الكرملين... وهي بحاجة لأمريكا لإيجاد مخرج لها!.
3- تقزيم الدور الروسي في سوريا... فإن سياسات أمريكا في سوريا مثل التي أعلن عنها ترامب بشأن المناطق الآمنة من شأنها أن تنسف الدور الروسي في سوريا، وتهدد منجزات "العظمة" لروسيا التي جنتها عبر الأزمة السورية! ومن أول معالم سياسات ترامب لروسيا في سوريا، أنه يطلب منها محاربة تنظيم داعش بشكل يهدد بحصر دورها بذلك، وحتى لو أُعطي لها دور فسيكون هامشياً يتبع مخططات أمريكا... في الوقت الذي تستعيد فيه أمريكا زمام المبادرة إليها بشكل مباشر، دونما حاجة للاختباء وراء مواقف روسيا، وقد أشارت بعض الأخبار لذلك، فقد نقلت روسيا اليوم 27/1/2017 (ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيطالب البنتاغون بإعداد خطة هجومية بقدر أكبر لمحاربة تنظيم "داعش" في سوريا، وخطة أخرى حول "مناطق آمنة"، في غضون 3 أشهر. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين في إدارة الرئيس أن ترامب سيكلف وزير الدفاع بإعداد خطة للعمل في سوريا، قد تضم نشر مدفعية أمريكية في الأرض السورية أو شن هجمات باستخدام مروحيات قتالية أمريكية لدعم الهجوم البري على معقل "داعش" في مدينة الرقة. وقال المسؤولون إن ترامب سيطالب البنتاغون بتقديم الخطة الجديدة في غضون 30 يوما...، ومن الخيارات المحتملة التي أشارت إليها الصحيفة، توسيع استخدام قوات العمليات الأمريكية الخاصة، وزيادة عدد العسكريين الأمريكيين المنتشرين في العراق وسوريا، وكذلك منح البنتاغون والقادة الميدانيين صلاحيات إضافية لتسريع عملية اتخاذ القرار.). وهذه السياسة تقتضي تقليص دور روسيا في سوريا، وأن يكون الاتفاق الأمريكي الروسي الجديد بخصوص سوريا بنداً من بنود دولية عدة يتم الاتفاق والمساومة فيها، وأهمها أوكرانيا وخدمة أمريكا على الجانب الصيني. والذي يؤكد هذه التوجهات الأمريكية بخصوص روسيا عدم استعجال الرئيس ترامب في رفع العقوبات عن روسيا (قال الرئيس الأمريكي إنه من المبكر جدا الحديث عن رفع العقوبات المفروضة على روسيا) (الجزيرة نت، 28/1/2017)، وعدم تأكيده تحسن العلاقات معها، (وأكد ترامب أن تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة، من جهة، وروسيا والصين، من جهة أخرى، ستكون خطوة إيجابية، لكن الرئيس الأمريكي الجديد اعترف بوجود احتمال لأن لا يحدث ذلك، مشيرا إلى أنه لا يعلم حاليا ما إذا ستكون العلاقات بين بلاده وروسيا "جيدة، أم سيئة، أم أن لا تكون على الإطلاق".) (روسيا اليوم، 27/1/2017).
ثالثاً: أما نهج ترامب المتوقع تجاه الاتحاد الأوروبي وبخاصة بريطانيا:
1- إن ترامب يحمل في ثناياه أحلام أمريكا بتفكيك الاتحاد الأوروبي، ويفتقر إلى الدبلوماسية، فلا يُخفي ذلك، وقد أشاد حتى قبل فوزه بالانتخابات بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، داعياً غيرها علناً للحذو حذوها واتباع نهجها في هجر بروكسل. وإذا كانت التوجهات الأمريكية بتفكيك الاتحاد الأوروبي قديمة، إلا أن الجديد في سياسة ترامب هو المناداة بها دون أي غطاء دبلوماسي، ما جعل الرئيس الفرنسي هولاند 27/1/2017 يعتبر الرئيس الأمريكي ترامب أكبر تحدٍ أمام الاتحاد الأوروبي، ويقول (وفي كلمة ألقاها على هامش قمة دول الاتحاد الأوروبي وبلدان حوض البحر الأبيض المتوسط قال هولاند: "عندما نسمع تصريحات حول أوروبا من رئيس الولايات المتحدة، وعندما يتحدث عن بريكست (مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي) باعتباره نموذجا لسائر الدول الأوروبية، فإني أعتقد أن من واجبنا الرد عليه".) (روسيا اليوم، 28/1/2017).
2- إن ترامب لا يخفي إعجابه ببريطانيا، فقد (أشاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "بالعلاقة الخاصة جدا" بين بلاده وبريطانيا، مؤكدا أثناء استقباله رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أن "بريطانيا حرة ومستقلة تشكل نعمة للعالم".) (الجزيرة نت، 28/1/2017). وقبل ذلك كان قد وعد زعيم حزب الاستقلال البريطاني نايجل فاراج بإعادة تمثال تشرشل للبيت الأبيض الذي أزاله أوباما، وفعلاً قام بإعادته، وقد كان زعيم الحزب البريطاني المذكور أول مسؤول أجنبي يقابل الرئيس المنتخب في برج ترامب بعد إعلان فوزه.
وتأكيداً لهذه التوجهات الأمريكية باتجاه بريطانيا ذكر ترامب أثناء المؤتمر الصحفي المشترك مع رئيسة الوزراء ماي (وقال ترامب إن "العلاقة الخاصة بين البلدين أحد أعظم القوى في التاريخ من أجل تحقيق العدالة والسلام. واليوم الولايات المتحدة تجدد علاقاتها الوطيدة والعميقة مع بريطانيا سواء على المستوى العسكري أو المالي أو الثقافي أو السياسي. نتعهد بتقديم الدعم وبشكل دائم لهذه العلاقة الخاصة جدا".) (بي بي سي، 28/1/2017).
3- إن السياسة البريطانية الجديدة بعد البريكست وفوز ترامب يمكن إجمالها بأن بريطانيا تجهز نفسها لتوجهات جديدة متحررة من الاتحاد الأوروبي بعد استفتاء بريطانيا بالخروج من الاتحاد 23/6/2016، وهي لذلك تبحث وتفتش في كل الاتجاهات لإحياء السياسة الدولية لبريطانيا، وعندما فاز ترامب في أمريكا 8/11/2016 نظرت إليه بريطانيا باعتباره فرصة عظيمة لها، من ناحية خبرته السياسية القليلة ووعوده بالتغيير وشعاراته، وهذا يفسر أن تيريزا ماي رئيسة وزارء بريطانيا كانت الزعيم الأول الذي يقابل الرئيس الجديد ترامب في واشنطن 27/1/2017، وأن تبادر بإسداء النصائح له خاصة على الجانب الروسي، وأن تعرض صفقة مشتركة لحرب داعش في سوريا، أي وضع بريطانيا بجانب أمريكا دولياً مرةً أخرى.
4- وبالتقاء التوجهات الجديدة في بريطانيا مع توجهات إدارة ترامب فإن أمريكا قد صار من مصلحتها العليا أن تجعل من خروج بريطانيا من الاتحاد نموذجاً يحتذى به، ولهذا التوجه مقتضياته، من توقيع اتفاقيات تجارية مهمة مع بريطانيا تسيل لعاب دول الاتحاد لمثلها، وتبرز دوراً دولياً لبريطانيا يكون مكافأةً لها إن صارت هي العقدة التي يتم بها تفكيك الاتحاد الأوروبي. وهذا ما يمكن قراءته في توجهات الطرفين البريطاني والأمريكي (وأكد ترامب مجددا دعمه لقرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي، بينما أعربت ماي عن أملها في أن يساهم التوصل إلى اتفاق تجارة سريع مع واشنطن في تخفيف تأثيرات بريكست.) (الجزيرة نت، 28/1/2017).
رابعاً: أما كيف نفسر تصاعد الهجمة العنيفة الوقحة من ترامب على الإسلام والمسلمين فنذكر الأمور التالية:
1- إن الهجمة على الإسلام والمسلمين ليست من ترامب وحده، بل هي من حكام الغرب كافة، غير أنهم يختلفون في أساليبهم، فمنهم من يغلِّف السم بشيء من الدسم... فمثلاً أوباما في بداية عهده زار عواصم البلاد الإسلامية (إندونيسيا، ومصر، وتركيا)، وأبدى أسلوباً ليناً تجاه المسلمين، ولكن اعتداءاته المتكررة على بلاد المسلمين وأعداد القتلى، وبخاصة بالطائرات دون طيار التي شنتها عدواناً على بلاد المسلمين، قد تكون أكثر مما حدث من حكام آخرين، لكن ترامب أبدى هجوماً عنيفاً ظاهراً ودون حاجة إلى تغليف السم بالدسم، وفي بداية عهده، بل قبل بداية عهده... وهكذا فإن النظرة الحاقدة الصليبية ضد الإسلام والمسلمين موجودة عند أمريكا والغرب بعامة.
2- إن أمريكا والغرب يدركون أن المسلمين لا دولة لهم ترعى شئونهم وتكيل لتلك الدول الصاع صاعين إذا اعتدوا على الإسلام والمسلمين، وتدرك تلك الدول أيضاً أن الحكام في بلاد المسلمين لا يوالون الإسلام بقدر ولائهم الكفار المستعمرين، أي أنهم لا يقفون في وجه أمريكا والغرب دفاعاً عن الإسلام والمسلمين، بل هم أحياناً، بل في كثير من الأحيان، يعادون الإسلام بما يقرب من عداء الكفار المستعمرين للإسلام، ولذلك فلا يجد الغرب وأمريكا ما يردعهم فيما لو قاموا بهجمات عنيفة على الإسلام والمسلمين، فهذا الذي يجرِّئهم على عدوانهم دون أن يحسبوا حساباً تجاه ذلك.
3- إن المسلمين عندما كانت لهم دولة، وستكون بإذن الله، كانوا قوة في الحق يُحسب لها كل حساب، فلا يجرؤ الظلمة والطواغيت على العدوان على الإسلام والمسلمين، فهم إن زلوا وقاموا بعدوان على الإسلام والمسلمين فقد كانوا يلاقون من الرد القوي ما يشرد بهم من خلفهم، ووقائع التاريخ تنطق بذلك، والكفار المستعمرون يدركونها جيداً، ولذلك فهم يبذلون الوسع في أن لا تعود دولة المسلمين، الخلافة الراشدة، فتحق الحق وتبطل الباطل، وهذا أمر ثابت لا ينكره صاحب بصر وبصيرة، فمثلاً عندما تجرأ رومي في أطراف بلاد المسلمين على ظلم امرأة مسلمة فقالت وامعتصماه قاد الخليفة جيشاً وهو على رأسه ولم يسمح بأن يقوده غيره، وانطلق إلى مسقط رأس ذلك الرومي، فاقتص منه ومن موطنه، وفتح تلك البلاد ونشر الخير فيها وأزال الشر منها... وكذلك فإن حاكم السند قد اعتدى على سفينة فيها مسلمات وأخذهن أسيرات، فأرسل الخليفة إلى واليه بأن يقتص من ذلك الحاكم الظالم، فقاد محمد بن القاسم جيشاً وأنقذ المسلمات واقتص من ذلك الحاكم الطاغية وفتح بلاد السند... ثم إن مؤلف رواية فيها كلام غير حسن عن رسول الله e حاول أن يعرضها في أحد المسارح في بريطانيا، فاعتذرت بريطانيا التي كانت عظمى آنذاك اعتذاراً رسمياً لسفارة الدولة العثمانية في لندن... هكذا كان المسلمون عندما كانت دولتهم قائمة، فما كان ليجرؤ مثل ترامب وغير ترامب من طواغيت الأرض أن تتلفظ ألسنتهم أو تتحرك أقدامهم بشيء من شيء من سوء على الإسلام والمسلمين إلا وتقطع الألسنة وتكسر الأقدام... واليوم يُعتدى على القرآن الكريم وعلى الرسول e، وعلى بلاد المسلمين ولا يُردّ العدوان! وما ذلك إلا لعدم وجود الإمام، الخليفة الراشد الذي يتحقق على يديه بإذن الله قوله e في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال «إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ، يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ، وَيُتَّقَى بِهِ»، وما ذلك على الله بعزيز، فالأيام دول ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾، وإن للإسلام رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فلن تضعف لهم عزيمة، أو تلين لهم قناة حتى يتحقق وعد الله سبحانه على أيديهم فيقيموا الخلافة الراشدة بعد هذا الحكم الجبري كما جاء في الحديث الصحيح الذي أخرجه أحمد والطيالسي واللفظ للطيالسي: قال حُذَيْفَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: «...ثُمَّ تَكُونُ جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ»... والله عزيز حكيم.
الثامن من جمادى الأولى 1438هـ
5/2/2017م
رأيك في الموضوع