جاءت المستشارة الألمانية ميركل يوم 2/2/2017 إلى تركيا لتلتقي رئيسها أردوغان ورئيس وزرائها يلدريم قبل انعقاد القمة الأوروبية في مالطا بيوم واحد. فأرادت ميركل كممثلة للاتحاد الأوروبي تثبيت اتفاقية الحد من دخول اللاجئين من تركيا إلى أوروبا والموقعة يوم 18/3/2016 لتطمئن دول الاتحاد في قمتها أن هذه الاتفاقية ما زالت سارية المفعول، ولا خوف من نقضها من قبل تركيا. لأن دول الاتحاد قلقة من هذا الأمر وتهدد تماسك دول الاتحاد، وقد أحدثت قضية اللاجئين اختلافا كبيرا بينها، فتبنت ألمانيا وفرنسا ومن تبعها سياسة قبول اللاجئين لأسباب سياسية بالدرجة الأولى حتى يكون للاتحاد تأثير دولي، بينما عارضت دول تلك السياسة كالمجر والتشيك وسلوفاكيا وبولندا حيث إنها لا تفكر في التأثير الدولي، وهي دول تقع تحت التأثير الأمريكي. وخاصة أن العلاقات التركية الأوروبية قد توترت بسبب دعم أوروبا لمحاولة الانقلاب ضمنيا وانتقادها الشديد لتركيا التي تشن حملة واسعة على المتهمين بمن لهم علاقة بالمحاولة. فقضية اللاجئين أصبحت قضية مهمة جدا للاتحاد، خاصة وأن الرئيس الأمريكي ترامب هاجم أوروبا وبالذات ميركل في موضوع اللاجئين، فقوى موقف الدول المعارضة والأحزاب القومية الأوروبية وشجعها على التحرك ضد السياسات الأوروبية التي تعتبر معتدلة والتي تحرص على بقاء الاتحاد وترفض السياسات القومية الانفصالية التي يشجعها ترامب. ومن شأن ذلك أن يقلب الموازين في أوروبا. وقد تصدت له ميركل قائلة: "أوروبا تتحكم بمصيرها وأعتقد أنه بقدر ما نحدد بشكل واضح ما هي رؤيتنا لدورنا في العالم يمكننا إدارة علاقاتنا عبر الأطلسي بشكل أفضل". وقام المستشار النمساوي كريستيان كيرن يهاجم أمريكا ويحملها مسؤولية الأزمة في سوريا وتداعياتها فقال: "إنه ليس لدى ترامب دروس يعطيها للأوروبيين، ولا شك أن أمريكا تتحمل جزءا من المسؤولية في تدفق اللاجئين بسبب طريقة تدخلها العسكري".
فأرادت أوروبا تثبيت الاتفاقية مع تركيا بزيارة ميركل بعد التوتر الذي حصل بين الطرفين عقب محاولة الانقلاب الأخيرة، حتى تنتقل إلى الجهة الأخرى فيما يتعلق بتدفق اللاجئين كما قال رئيس المجلس الأوروبي دونالد توساك عشية انعقاد قمة الاتحاد بمالطا "حان وقت إغلاق الطريق الذي يمتد من ليبيا إلى إيطاليا". فقضية اللاجئين أصبحت عاملا هدّاما في الاتحاد الأوروبي الذي أصبح مهددا بالانهيار أكثر عقب الاستفتاء البريطاني على الخروج، ومجيء ترامب ليكون عاملا هدّاما آخر للاتحاد الذي تريد أمريكا هدمه حتى لا يبقى لأوروبا تأثير دولي ولئلا تنافسها في الساحة الدولية ولتبقيها تسير تحت مظلتها. فتصدى توساك يوم 31/1/2017 لتصريحات ترامب قائلا "التصريحات المقلقة للإدارة الأمريكية الجديدة في وضع جيوسياسي جديد في العالم تجعلنا إلى حد كبير غير قادرين على التكهن بمستقبلنا". ووجه رسالة إلى زعماء الاتحاد قبيل انعقاد قمتهم قائلا: "يجب أن يكون من الواضح تماما أن تفكك الاتحاد الأوروبي سيؤدي ليس إلى استعادة سيادة كاملة وهمية للدول الأعضاء، بل إلى تبعية واقعية وحقيقية للقوى الكبرى وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين".
ولهذا عملت ميركل في زيارتها لتركيا على ترميم العلاقات لتحافظ على تلك الاتفاقية المهمة فتجنبت انتقاد سياسة تركيا، فعندما سئلت عن إصلاحات أردوغان الدستورية قالت: "الشعب دافع عن الديمقراطية بعد محاولة الانقلاب" وفي موضوع حزب العمال الكردستاني قالت: "البلدان قادران على التعاون في محاربته" وذكرت أن "ألمانيا تؤيد تركيا في عقد المحادثات السورية - السورية" (النظام العميل - المعارضة العميلة). وذكر أردوغان أن "سوريا والعراق كانت أكثر الموضوعات الإقليمية التي ناقشناها مع ميركل... وناقشنا ما يمكن فعله معا في محاربة الإرهاب" وأشاد يلدريم "بمساهمة ألمانيا في محاربة تنظيم الدولة" وقال "أمن أوروبا يمر من خلال اتجاهين هما الهجرة والإرهاب". فيظهر من هذه التصريحات أن ميركل نجحت في تخفيف التوتر بين تركيا وأوروبا وفي تثبيت الاتفاق حول اللاجئين، وحرصت على التأكيد أن لأوروبا دورا في سوريا والمنطقة، لتثبت دورها الدولي.
وأما زيارة رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي إلى تركيا يوم 28/1/2017 فقد تقررت عقب محادثتها التلفونية مع أردوغان يوم 7/1/2017 قبيل استئناف المحادثات المتعلقة بقبرص في جنيف يوم 9/1/2017 وخوفا من بريطانيا على مصيرها هناك، حيث لها أهم القواعد العسكرية والاستخباراتية في الخارج، وتريد أمريكا قلعها منها والحلول محلها، وخاصة أن المحادثات بدأت تتجه نحو إلغاء اتفاقية الدول الضامنة لأمن قبرص، والذي يمهد لإنهاء الوجود العسكري فيها وبالتالي إزالة القواعد البريطانية. وقد أكد المتحدث الرسمي باسم تيريزا ماي قبل وصولها تركيا قائلا "القضية القبرصية ستكون ضمن أجندة أعمال رئيسة الوزراء، حكومتنا ترغب في حماية مباحثات السلام القبرصية الأخيرة". ومن أهداف زيارتها حرص بريطانيا على لعب دور في سوريا والمنطقة، حيث ذكر أن المحادثات تشمل محاربة "الإرهاب" والأمن والدفاع!
إن تركيا تحرص على علاقاتها مع أوروبا رغم مواقف الأخيرة منها، لأنها تحرص أن تكون جزءا منها للأسباب التي ذكرناها، ولأن 60% من التبادل التجاري يجري معها، فلا تريد للعلاقات أن تتدهور، فحرصت على إصلاحها رغم كل ذلك، وإن كانت تدور في فلك أمريكا وتنفذ سياساتها بحذافيرها، حتى وصلت بها الحال لأن تتآمر على أهل سوريا وتخدع الثوار بتسليم حلب ومناطق أخرى للنظام السوري وتجلب الخونة منهم إلى أستانة ليجتمعوا مع ممثلي النظام ليعطوه الحق في جرائمه كلها، ولتجرهم مرة أخرى إلى جنيف حتى يستسلموا لهذا النظام الإجرامي وينخرطوا فيه تحت مسمى حكومة وطنية مشتركة.
فتركيا العلمانية غير مأمونة الجانب كغيرها من أنظمة الضرار في العالم الإسلامي، وهي بهذه الحال مستعدة أن تبيع الثوار كلهم في سوق النخاسة في سبيل مصالحها، والراكن إليها خاسر، ولا سبيل لتغيير سياستها إلا بإعادتها كما كانت قبل إعلان الجمهورية لتكون جزءا من الخلافة الراشدة على منهاج النبوة مع باقي البلاد الإسلامية وحدة واحدة في دولة عظمى تحمل الخير لهداية شعوب أوروبا والعالم بإذن الله.
رأيك في الموضوع