(مترجم)
تميزت بداية عام 2014 بتصاعد المنافسة الدولية للتأثير في أوكرانيا. وبحلول نهاية عام 2013 تم مرة أخرى خلق ظروف لتغيير التوجه السياسي في أوكرانيا، والذي بدأ بالتحرك نحو روسيا كنتيجة لانتقام القوات الموالية لروسيا الساحق في عام 2010. والجرائم التي ارتكبت ضد الشعب الأوكراني المسؤول عنها يانوكوفيتش في شباط/فبراير 2014 اضطرته للرحيل إلى روسيا، ونتيجة لذلك اتجهت القوة في أوكرانيا للسياسيين المؤيدين لأوروبا.
روسيا لا تزال تذكر فشلها الذريع خلال الثورة البرتقالية عام 2004 حيث لم تكن قادرة على تقديم أي شيء سوى العدوان المسلح الخفي والذي كشف في نهاية المطاف في شبه جزيرة القرم ودونباس تحت شعار حماية السكان الناطقين بالروسية في هذه المناطق.
لفهم أسباب وعواقب الأزمة الأوكرانية بعد 3 سنوات من بدايتها لا بد من توضيح الجوانب التالية:
1. أوكرانيا ورغبات القوى العظمى الكامنة تجاهها
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وجهت كل القوى العظمى، بما فيها روسيا خليفة الاتحاد السوفياتي، انتباههم البالغ إلى أهمية تأسيس تأثير على النخبة السياسية الأوكرانية. وهذا له عدة أسباب. فأوكرانيا تحتل المرتبة الأولى من حيث المساحة بين الدول في أوروبا. والمرتبة السابعة من حيث عدد السكان، حيث يبلغ سكانها حوالي 43 مليون نسمة. والموقع الجيوسياسي المميز على البحر الأسود، والإمكانات الزراعية والصناعية والعلمية الضخمة التي ورثتها من الاتحاد السوفياتي، وكذلك الموارد الطبيعية الكثيرة، التي تجعل أوكرانيا مطمعا للقوى العظمى.
وهذا ينطبق بشكل خاص على روسيا، التي ترى أن قيادتها لأوكرانيا شرط مسبق لإحياء ما يسمى بـ"الإمبراطورية الروسية". في روسيا، الجميع على بينة من حقيقة أن الخسارة في هذه المعركة ستكون ضربة قوية لروسيا في العديد من المجالات: الأمن والاقتصاد، والتسويق، الخ.
أما بالنسبة للاتحاد الأوروبي، ترى الدول الرائدة فيه الإمكانات الاقتصادية لأوكرانيا إلى حد كبير في ضوء التوقعات في مجال الصناعة، والموارد البشرية، والأسواق، وما إلى ذلك. فالاتحاد الأوروبي لا يرى في أوكرانيا تأثيرا كعامل سوف يسهم في تعزيز أمنها، حيث إن الأمن الأوروبي في أيدي حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة.
أما بالنسبة لأمريكا، ففي المقام الأول قيمة أوكرانيا لديها تكمن في توسيع حلف شمال الأطلسي، لأنها بذلك ستضع حاجزا جديدا ضد روسيا في ضوء أهمية موانئ البحر الأسود لتحجيم نفوذها العسكري. أيضا، توسيع الناتو من خلال أوكرانيا يسمح بالضغط على روسيا ويحثها على عدم التدخل وإذا أمكن تعزيز المصالح الأمريكية في أجزاء أخرى من العالم.
2. رد فعل الاتحاد الأوروبي وأمريكا على غزو روسيا المسلح في أوكرانيا.
خلال ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014 وسفراء الدول الأوروبية وأمريكا يطلبون مرارا وتكرارا من أوكرانيا عدم استفزاز الجيش الروسي للقيام بخطوات فعالة.
ويذكر رفعت شوباروف وهو رئيس مجلس شعب تتار القرم: "كنت طوال اليوم على اتصال مع سفراء كل من الدول الأوروبية، وأمريكا. وكان هناك طلب دائم: عدم السماح باستفزاز الجيش الروسي لاتخاذ إجراءات أكثر حسما".
كما أنه من الجدير بالذكر بيان مايكل فلين، رئيس المخابرات العسكرية الأمريكية في ذلك الوقت، بأن المسؤولين الأمريكيين رفيعي المستوى حذروا من العمليات العسكرية المخططة من قبل روسيا في شبه جزيرة القرم حوالي أسبوع قبل بداية حركة القوات الروسية.
الكلمات أعلاه من رئيس مجلس شعب تتار القرم، تمثل القاسم المشترك في رد فعل كل من الاتحاد الأوروبي وأمريكا فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية والعدوان الروسي حتى الآن.
إذا كنا نتحدث عن سبب رد فعل الاتحاد الأوروبي هذا منذ شباط/فبراير 2014 حتى الآن، فإنه يكمن في حقيقة أن قادة الاتحاد الأوروبي، وفي مقدمتهم فرنسا وألمانيا مذهولون من وقاحة روسيا. هذا هو السبب في اعتمادهم على العقوبات وبذلهم كل جهودهم لاسترضاء روسيا، خوفا من غزو واسع النطاق في أوكرانيا وإعادة السيناريو الجورجي عام 2008.
أما بالنسبة لأمريكا، فموقفها هو أكثر غدرا. فعلى الرغم من إدراكها الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم قبل أسبوع من حدوثه، إلا أنها فضلت الانتظار، والسماح لروسيا بالتورط في مغامرة انتهت بحقيقة ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وغرقها في الصراع في دونباس.
ضم شبه جزيرة القرم من قبل روسيا والتدخل المباشر في الصراع الدائر في شرق أوكرانيا هو قطع للحاجب من وجه الاتحاد الروسي، الذي تستطيع أمريكا دائما أن تضرب عليه عندما تكون هناك حاجة لإقناع روسيا باتخاذ قرارات لسياسة معينة بشأن نطاق واسع من القضايا الجيوسياسية، سواء أكان ضغطا على الصين، المساعدة أو إهمال تنفيذ خطط أمريكا في الشرق الأوسط (على سبيل المثال، قضية البرنامج النووي الإيراني أو قمع الثورة السورية)، أو ترهيب الاتحاد الأوروبي بالأسلحة المدججة حتى تتعثر أوروبا في أحضان أمريكا في حلف شمال الأطلسي.
3. قصر النظر والفشل السياسي لروسيا في هذا الصراع
بالنسبة لروسيا، فإن موقفها عبر عنه ببلاغة القيصر ألكسندر الثالث (1845-1894): "في العالم ليس لدينا سوى حليفين حقيقيين؛ جيشنا وقواتنا البحرية". وعلى الرغم من تقارب روسيا التاريخي واللغوي، الديموغرافي والجغرافي، إلا أنها عانت من فشل كامل في محاولة تطبيق نفوذها السياسي في أوكرانيا. فأصبحت وسيطتها الأخيرة "الجيش والبحرية"، أي الاعتداء المادي وضمها للأراضي. ونتيجة لذلك، فهي ربما وضعت حدا إلى الأبد لتحقيق التوازن المستمر في أوكرانيا بين روسيا وأوروبا، والذي حدث منذ انهيار الاتحاد السوفياتي خلال جميع فترات رؤساء أوكرانيا، سواء كرافتشوك، كوتشما، يوشينكو ويانوكوفيتش.
استحالة إيجاد حل إيجابي للأزمة الأوكرانية بالنسبة للاتحاد الروسي بسبب ضم شبه جزيرة القرم، حولها إلى "دولة قاتلة" والتي هي على استعداد للقيام بكل عمل قذر للحصول على أي فرصة للعودة إلى ما يطلق عليه نادي القوى العظمى "المتحضرة". البيان التالي الواضح لبوتين في حزيران/يونيو 2016 هو خير دليل على ذلك: "أمريكا هي قوة عظمى. اليوم ربما الوحيدة. نحن نقبل ذلك. ونحن نريد ومستعدون للعمل مع الولايات المتحدة".
هذا هو وصف موجز للأسباب والنتائج والأحداث الجارية حول الأزمة الأوكرانية.
أما بالنسبة لشعب أوكرانيا، فمثل العديد من الشعوب الأخرى في مختلف أنحاء العالم فقد أصبح رهينة لمنافسة القوى العظمى.
يجب ألا ينخدع الشعب الأوكراني بالشعارات التي تستخدمها تلك الدول لتبرير موقفها من الأزمة الأوكرانية. حماية السكان الناطقين بالروسية، وتلبية تطلعات الشعب الأوكراني إلى القيم الأوروبية، والاهتمام بالحفاظ على حياة المدنيين في دونباس - هذه وشعارات غيرها مماثلة ليست سوى شاشة، تستخدم من قبل هذه الدول لتعزيز مصالحها الجيوسياسية.بينما تواصل روسيا جرائمها في شبه جزيرة القرم ودونباس. وأمريكا تتعامل مع إمكانية توفير الأسلحة الفتاكة إلى أوكرانيا، وابتزاز روسيا لاستخدامها في القضايا الجيوسياسية الأخرى، وأوروبا، فقدت قدرتها على الكلام أمام وقاحة روسيا، ولا حتى قادرة على جمع إرادتها في قبضة وتزويد أوكرانيا بنظام بدون تأشيرة.
هذا هو جوهر السياسة الدولية اليوم، حيث تكالبت القوى العظمى حول كثير من الشعوب من أجل التمتع بمواردها.
سيبقى هذا الوضع حتى تظهر على الساحة العالمية دولة قائمة على أساس العقيدة الإسلامية النقية، فإن صالح البشرية سيكون قلقها وهدفها الحقيقي، وليس شعارا فارغا، صادرا عن قادة اليوم للقوى العظمى والتي لا تسبب شيئا سوى الاشمئزاز.
﴿وَإِذَاقِيلَ لَهُمْ لَاتُفْسِدُوافِي الْأَرْضِ قَالُواإِنَّمَانَحْنُ مُصْلِحُونَ*أَلَاإِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِنْ لَايَشْعُرُونَ﴾
* رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في أوكرانيا
رأيك في الموضوع