(مترجم)
في الوقت الذي يتهيأ فيه الرئيس الأمريكي أوباما لمغادرة البيت الأبيض بحلول الـ 20 من كانون الثاني 2017، فإن العلاقات الأمريكية الروسية تعيش حالة اضطراب. فالرئيس المنتخب ترامب دعا إلى علاقات صداقة مع روسيا، بينما زاد الرئيس أوباما من توتيرها بطرد 35 دبلوماسيا روسيّاً في 29/12/2016م. وكان ذلك الإجراء في أعقاب تقارير لوكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي تفيد بأن روسيا قامت بهجمات إلكترونية ضد الولايات المتحدة، والتي ادعت وكالة المخابرات المركزية بأنها كانت تهدف للتأثير على الانتخابات لصالح ترامب. وقد ذكرت إيمي كلوبوشار السناتور الديمقراطية لهيئة الإذاعة البريطانية بأن القرصنة الروسية "لا تقتصر فقط على الديمقراطية الأمريكية، بل تتعداها إلى جميع الديمقراطيات في العالم... بالنسبة للولايات المتحدة فإن تجاوز هذا الأمر وتركه يحدث ببساطة دون أي رد فعل سيكون خطأ فادحا". أما السناتور الجمهوري جون ماكين فقال: "علينا التأكد من أن هناك ثمناً سيدفع، ومن ثم يمكننا ربما إقناع الروس بوقف مثل هذه الهجمات على أسسنا الديمقراطية".
أما بالنسبة لترامب فقد اصطف إلى جانب الرئيس الروسي بوتين باتهامه الحزب الديمقراطي بكونه "الخاسر السيئ"! وفي اليوم التالي قال بوتين: "نحتفظ بحقنا في اتخاذ إجراءات الرد، لكننا لن نفعل... وسنتخذ خطواتنا المستقبلية لإعادة إعمار العلاقات الروسية الأمريكية انطلاقا من السياسة التي ستمارسها إدارة الرئيس دونالد ترامب". وقد أثنى ترامب على رد بوتين فقال: "هذه خطوة عظيمة (من قبل بوتين) - عرفت دائما أنه شخص ذكي جدا!" فهل يمثل موقف ترامب انعكاسا لسياسة جديدة فيما يخص العلاقات الأمريكية الروسية؟
تنسجم وجهة نظر ترامب مع نظرة فصيل "حزب الشاي" في الحزب الجمهوري التي تقول بأنه ليس على الولايات المتحدة أن تتحمل عبء القيادة الأخلاقية في العالم. هذا لا يعني أن أمريكا ستتراجع من العالم؛ بل يعني أنها سوف لن تكون مسؤولة عن إجبار الدول الأخرى على الانضمام لقيم حقوق الإنسان التي تدعي الولايات المتحدة أنها ملتزمة بها. وهذا يفسر تصريحات ترامب بأن على الولايات المتحدة أن تعمل بشكل علني مع بوتين في سوريا، على الرغم من الوحشية غير المسبوقة للحملة الروسية، بينما نأى أوباما بنفسه عن بوتين ظاهريا ولكنه يقوم بالتنسيق مع روسيا بشكل غير مباشر عن طريق أردوغان.
لقد أدلى ترامب بتصريحات بدت على أنها تهديد للنظام العالمي. فقد اقترح ترك أوروبا وحيدة في مواجهة التوسع الروسي إذا لم تقم الدول الأوروبية بدفع المزيد من الأموال من أجل الدفاع عنها، كما نُقل عنه على نطاق واسع بأنه قال بأنه يمكن أن يعترف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم في 2014م من أوكرانيا، وهو ما من شأنه أن يمثل تغيرا كبيرا في السياسة، حيث إن الولايات المتحدة قامت بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا بسبب ذلك العدوان. ومع ذلك فإن تصريحات ترامب ليست سوى شعارات لمؤيديه لإظهار أنه يضع "أمريكا أولاً"، وتصريحاته بخصوص ضم روسيا للقرم لم تُنقل بنزاهة. حيث كان حينها يجيب عن سؤال، وببساطة كان رده بأنه "سيتم النظر في ذلك"، وهو بمثابة رد غير ملائم من قبل سياسي واعٍ، ولكن لم يدّع أحد بأن ترامب يمتلك الوعي! وبالتالي فإن تصريحاته يجب أن تعامل بحذر. لقد كان جوابه حول القرم في تموز من العام الماضي، ولم يقم بعدها بأية تصريحات، حتى بعد العقوبات الإضافية التي فرضتها الولايات المتحدة على المشاريع الروسية في القرم في 21 كانون الأول الماضي. ومهما كانت نوايا ترامب فإن تحسين العلاقات الأمريكية الروسية ستكون مقيدة بالكونغرس.
أقر مجلسا الكونغرس؛ الشيوخ والنواب نص "قانون تفويض الدفاع الوطني للسنة المالية 2017"، والذي قام أوباما بالتوقيع عليه في 23 كانون الأول 2016، على الرغم من أنه كان يشعر بخيبة أمل من أجزاء منه، مثل استمرار تمويل معتقل غوانتانامو على الرغم من وعود أوباما بإغلاقه! هذا القانون يحدد تمويل وزارة الدفاع الأمريكية. وهو مليء بخطوات ضد روسيا التي وُصفت في جلسة استماع لجنة القوات المسلحة في الكونغرس الأمريكي، بأنها "النظير القريب المنافس" الذي يهدد "احتكار الولايات المتحدة للتكنولوجيا العسكرية المتقدمة". واشتكت اللجنة من "الاستفزازات النووية الروسية"، وبأن "وصول الولايات المتحدة للفضاء لا يزال مستمرا في الاعتماد على محركات الصواريخ الروسية، وعلى مشتريات تعود بالنفع المالي على مساعدي ومستشاري فلاديمير بوتين - بمن فيهم أفراد قامت أمريكا بفرض عقوبات عليهم - كما يدعم قاعدة الصناعة الحربية الروسية. وهذا غير مقبول".
العلاقات الأمريكية مع روسيا قد تتحسن بعد الـ 20 من كانون الثاني الجاري، ويمكن أن يعمل البلدان معا بشكل علني في بعض القضايا، ولكن رغبات بوتين التوسعية في أوروبا سوف تستمر أمريكا بالوقوف في وجهها، على الأقل حتى يظهر تهديد أكبر.
رأيك في الموضوع