عرف المغرب بتاريخ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2016 ثاني انتخابات برلمانية في ظل دستور 2011 وقد فاز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات وحصل على 125 مقعدا من أصل 395 مقعدا هي إجمالي مقاعد مجلس النواب. واستقبل الملك يوم 10 تشرين الأول/أكتوبر 2016 السيد عبد الإله بن كيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية وعينه بمقتضى الدستور رئيسا للحكومة وكلفه بتشكيل الحكومة الجديدة. إلا أنه وبعد مرور ما يزيد عن الأربعين يوما لم تتشكل الحكومة بعد ولم يستطع بن كيران تشكيل أغلبيته الحكومية وعرض حكومته الجديدة على الملك.
إن فشل إلى الآن في تشكيل الحكومة سببه ثلاثة أمور:
- أن الأعراف المخزنية غير الدستورية تجعل جزءاً من الحكومة بتعيين مباشر من الملك كوزراء السيادة والوزراء المنتدبين وبشكل غير مباشر كالوزراء التكنوقراط والوزراء بغطاء حزبي مفروضٍ من القصر، والقصر لكي لا يظهر في الواجهة فهو يوكل لمستشاري الملك الإشراف على المفاوضات من وراء ستار بين رئيس الحكومة والأحزاب لكي تخرج وفق مراد القصر دون مساس بـ (الديمقراطية).
- أن نمط الاقتراع لا يمنح بن كيران الأغلبية المطلقة فهو مضطر للتحالف مع غيره من الأحزاب وهذه الأحزاب في مجملها لا تخالف أوامر القصر وغير مستعدة لإغضاب الملك.
- أن حزب العدالة والتنمية غير مرضي عنه في القصر وقد تعالت دعوات بعد أحداث 16 أيار/مايو 2003 بحله ولولا ثورات الربيع العربي وحركة 20 فبراير ما سمح للحزب بالفوز وتولي رئاسة الحكومة. وإن بقاءه رهين بحاجة القصر له لتمرير ما بقي من توصيات صندوق النقد الدولي ولضمان الاستقرار الداخلي، وبن كيران يدرك ذلك؛ ولهذا لا ينفك يقدم حزبه كصمام أمان وآخرها لما ارتفعت دعوات بالتظاهر احتجاجا على طحن محسن فكري بالحسيمة دعا بن كيران شبيبة حزبه لعدم المشاركة بالمظاهرات وقادوا حملة لثني الناس عن الاحتجاج لأن المظاهرات فتنة قد توصلنا لحال سوريا!
وعلى ضوء هذه الأسباب يفهم سير الأحداث ولماذا تعثر بن كيران. فبعد تكليف بن كيران بتشكيل الحكومة، عاد حزب الاستقلال ليتحالف معه، رغم خروجه من حكومة بن كيران السابقة مما هددها بالسقوط، ورغم وصفه لحزب العدالة والتنمية بالحزب الداعشي والموالي للإخوان المسلمين ومتناسيا كل ما قاله فيه وفي حزبه، وليكشف له عما سمي بمؤامرة الانقلاب على إرادة الشعب غداة الانتخابات بمشاركة حزب الأصالة والمعاصرة وحزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الاتحاد الاشتراكي حيث اتفقوا أن لا يمكنوا بن كيران من رئاسة الحكومة برفع مذكرة للملك بذلك، وقد حضر شباط الأمين العام لحزب الاستقلال للقاء لكنه رفض المؤامرة. ونظرا للتحالف القائم بين حزب العدالة والتنمية وحزب التقدم والاشتراكية فقد أصبح بن كيران أمام خيارين، أولهما أن يضم الاتحاد الاشتراكي للتحالف الحكومي وبالتالي تتشكل الحكومة من العدالة والتنمية وأحزاب الكتلة التاريخية، لكن الاتحاد لم يحسم أمره وقد أعلن بن كيران أنه شرط شروطا غير مقبولة، وثانيها أن يضم الأحرار والحركة الشعبية للتحالف الحكومي لكونهما حزبين من التحالف الحكومي السابق، إلا أن الحركة اصطفت خلف الأحرار والأحرار تحالف مع الاتحاد الدستوري وشرط استبعاد الاستقلال. مما جعل بن كيران أمام الباب المسدود فلا هو استطاع ضم الاتحاد الاشتراكي ولا هو يستطيع استبعاد الاستقلال.
والظاهر أن التعثر سببه الصراعات الحزبية كما في البلاد الديمقراطية، لكن الحقيقة غير ذلك. ويكفي بيانا معرفة أن عزيز أخنوش التحق بحزب التجمع الوطني للأحرار سنة 2007 ليعين وزيرا للفلاحة والصيد البحري في حكومة عباس الفاسي، وفي نهاية ولايته الحكومية استقال من حزب الأحرار ليعين سنة 2012 وزيرا تكنوقراطيا في حكومة عبد الإله بن كيران للفلاحة والصيد البحري، وبعد انتخابات 7 تشرين الأول/أكتوبر عاد أخنوش لحزب الأحرار وأصبح رئيسا للحزب وقد فوضه الحزب قيادة المفاوضات للدخول في الحكومة الجديدة، كما أن عزيز أخنوش مثل المغرب سنة 2008 بالمحفل الماسوني العالمي بأثينا وعرض مشروع المغرب الأخضر، وهو من مُوَقعي بيان تأسيس حركة لكل الديمقراطيين سنة 2008 التي أسسها صديق الملك ومستشاره الحالي فؤاد عالي الهمة والتي تحولت إلى حزب الأصالة والمعاصرة، إضافة إلى أنه لم يصبح أمرا مخفيا أن عزيز أخنوش صديق للملك. فعزيز أخنوش رجل القصر، ورفضه لحزب الاستقلال هو بضوء أخضر من القصر. والقصر ليس على وئام مع حزب العدالة والتنمية ولكنه اتخذه طوق نجاة لتجاوز زلزال ثورات الربيع العربي؛ فسمح برئاسته للحكومة سنة 2012 واستغله لتمرير كل القرارات المرفوضة مجتمعيا والمفروضة من صندوق النقد الدولي والتي عجزت الحكومات السابقة عن تمريرها، وهو سيبقى يدبر الشأن العام ما دام القصر يرى مصلحته بذلك خاصة استغلال بُعده الجماهيري ومرجعيته الإسلامية أداة لضبط التوترات بالبلد وضمان الاستقرار.
إن هذا التعثر المقصود لتشكيل الحكومة هو لإعلام حزب العدالة والتنمية أن تدبيره للشأن العام هو بإرادة القصر وليس بإرادة الشعب، وأن بإمكان القصر وبطرق ديمقراطية ناعمة أن يزيحه من تصدر المشهد السياسي وقيادة الحكومة. كما أن الطريقة التي جرى بها تدبير التعثر بربط العدالة والتنمية بحزب الاستقلال هو يسير بانسجام مع نظرة مستشار الملك فؤاد عالي الهمة لتدبير الشأن السياسي بالمغرب بإيجاد ثلاثة أقطاب؛ قطب يساري وقطب ليبرالي حداثي وقطب يميني محافظ، وحزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال هما نواتا القطب اليميني المحافظ.
إن التاريخ السياسي لعزيز أخنوش ينبئ أنه ما وجد إلا ليكون في الحكومة وإن عودته لحزب التجمع الوطني للأحرار بعد أن استقال منه وانتخابه رئيسا للحزب هو ليكون رئيسا للحكومة عاجلا أم آجلا.
ولهذا فالمشهد السياسي بالمغرب أمام أمرين:
- إما أن يشكل عبد الإله بن كيران الحكومة، وهذا هو الراجح، بتحالف مع الأحرار والتقدم والاشتراكية سواء بقي الاستقلال بالتحالف أو خرج منه مع بقائه مؤيدا للحكومة بالبرلمان إلى أن تنضج الأمور ليتسلم أخنوش رئاسة الحكومة. وأما أمر انضمام الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري فهو تفصيل شكلي لأن الأساس هو وجود حزب الأحرار أي عزيز أخنوش بالحكومة.
- أو أن يعود بن كيران للملك معلنا فشله وهو أمر مستبعد لأن خيارات ما بعد الفشل مكلفة ماليا كإعادة الانتخابات، وسياسيا لأنه يقوي شعبية حزب العدالة والتنمية ويزكي خطاب المظلومية ويظهر القصر ضد إرادة الشعب. وفي هذه الحالة قد يتدخل الملك بصفته الساهر على حسن سير المؤسسات الدستورية والحامي للخيار الديمقراطي ليعين أخنوش رئيسا للحكومة.
لقد أبانت الديمقراطية مرة أخرى أنها فاشلة في إقامة حكم مستقر وأنها لا تعبر بصدق عن إرادة الشعب وإنما هي نظام حكم متحكم في مدخلاته ومخرجاته. وأن الديمقراطية على مخالفتها للإسلام بجعلها التشريع للبشر فهي ليست الطريقة المثلى لتداول السلطة ناهيك أن تكون سبيلا لتطبيق الإسلام كما تدعي بعض الأحزاب الإسلامية.
إن دور الأحزاب الإسلامية ليس هو المشاركة في الأنظمة العلمانية الديمقراطية وإنما دورها هو العمل لإقامة شرع الله في الأرض، فدليل إقامة الأحزاب في الإسلام هو قوله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ ]آل عمران-104[، لهذا كانت وظيفة كل الأحزاب الإسلامية إن لم تكن في الحكم هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأعظمها أمر الحاكم بالمعروف ونهيه عن المنكر أي القيام بالعمل السياسي، أما إن وصل الحزب الإسلامي إلى الحكم فدوره هو إقامة المعروف وإزالة المنكر وأعلاه هو تنصيب حاكم شرعي، خليفة راشد، يحكم بالإسلام ويسير في حكمه على نهج النبي e. فالجماعات والأحزاب الإسلامية واجبها أن تعمل لإنهاض المسلمين وإعادة مجد الإسلام وعزة المسلمين بإقامة الإسلام في بلاد المسلمين وحمله رسالة هدى ونور للعالم لإخراجه من ظلم الرأسمالية إلى رحمة الإسلام، وذلك بإقامة دولته دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
أما السير في غير هذا السبيل والقبول بالدولة المدنية والحكم العلماني الديمقراطي فنهايته انقلاب دموي على هذه الأحزاب كما وقع بالجزائر ومصر أو انقلاب ناعم كما نشهد مقدماته بالمغرب.
رأيك في الموضوع