بدأ ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز يوم الخميس 7/4/2016 زيارة لمصر استمرت خمسة أيام، وقد وصفت هذه الزيارة من قبل وسائل الإعلام المحسوبة على النظامين بأنها زيارة تاريخية، وبعيدا عن احتفاء وسائل الإعلام بحركة الحكام حيث يتم وصفها دائما بأنها تاريخية واستثنائية حتى لو كانت للنقاهة والاستجمام! إلا أن زيارة ملك السعودية لنظام السيسي في هذا الوقت لها أهمية خاصة، تتعلق بمشاريع أمريكا في المنطقة والدور المنوط بعملائها، وذلك من جهتين:
الجهة الأولى إن أمريكا تريد أن يستقر نظامها العميل في مصر لكي يستطيع القيام بدوره في المنطقة في خدمة ورعاية وتنفيذ المخططات الأمريكية، ولكن على الرغم من البطش والقهر وعمليات التصفية الجسدية الممنهجة التي مارسها نظام السيسي، بالإضافة للتضليل الإعلامي والأكاذيب والقصص الملفقة والمشاريع الموهومة، وبرامج الردح الإعلامي، والعدد الهائل من مهرجي السياسة، ومروجي أصابع الكفتة العجيبة - لم يستطع السيسي تأمين الاستقرار لنظامه، بالإضافة إلى فقدان السيسي للكاريزما الجاذبة أصلا، حيث يستطيع خصومه بسهولة صناعة السخرية منه بمجرد جمع تصريحاته وخطاباته، وقد ظهر مقدار عجز نظام السيسي مع توالي الأزمات السياسية والاقتصادية، وظهر تردي أداء النظام وتخبطه في التعامل مع أبسط القضايا، لذلك كانت هذه الزيارة تشكل دفعا وإسنادا لنظام السيسي.
فقد تم التسويق لهذه الزيارة على أساس أن سلمان قادم بالأموال الكثيرة (أو على حد تعبير السيسي أموال مثل الرز) ليدعم الاقتصاد المصري المتهاوي، مما يمنح المصريين الأمل في أن تتحسن أحوالهم المعيشية، فيُصَبّرون أنفسهم بالسكوت على نظام السيسي، رغبة في انتظار نتائج (الرز) السعودي، فقد (قالت وزيرة التعاون الدولي المصرية سحر نصر، في بيان صحفي الأحد، إن القيمة الإجمالية للاتفاقيات التي وقعت خلال زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى القاهرة تبلغ 25 مليار دولار. ولم تخض الوزيرة في أي تفاصيل عن عدد الاتفاقيات أو تفاصيلها الكاملة أو مصادر التمويل. ويزيد هذا المستوى قليلا عن إجمالي الأرقام التي جرى إعلانها في البيانات الرسمية والتي وصلت إلى 22.65 مليار دولار. وكانت هيئة البترول المصرية وقعت اتفاقا مع "أرامكو" السعودية قبل أيام قليلة من زيارة العاهل السعودي لتوفير احتياجات مصر من البترول لخمس سنوات، مقابل 23 مليار دولار، ما يرفع إجمالي قيمة الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بين البلدين إلى نحو 45.65 مليار دولار خلال عشرة أيام فقط) (عربي 21، 10/4/2016).
وهذا الأمر كان يمكن أن يكون له أثر مع بداية قدوم السيسي إلا أن السيسي وعصابة الحكم في مصر من عملاء أمريكا، تكشفت أوراقهم، وظهرت عوراتهم، فقد سفكوا الدم المحرم وهتكوا الأعراض واستباحوا الحرمات، لذلك لا يظنّ بخير أجناد الأرض أهل مصر أن يطول بهم الزمان تحت ربقة هذا الظلم والقهر، وما تمنحه أمريكا للنظام العميل في مصر من دعم وإسناد، لا يزيد عن كونه مسكنات فاشلة لن تنفع عميلها ولو منحته بعض الوقت!.
أما الجهة الثانية، فقد ظهر على لسان الملك سلمان في حديثه أكثر من مرة، حيث ركز على إنشاء القوة العربية المشتركة، وذكر ذلك خلال كلمته عند استقباله حيث قال (كما نأمل أن تتكلل جهودنا المبذولة بالنجاح في إنشاء القوة العربية المشتركة..) (تلفزيون الغد 8/4/2016)، وخلال كلمته أمام مجلس النواب (دعا العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، إلى اتحاد الصفوف العربية في الحرب ضد الإرهاب، وأكد وجوب العمل لإنشاء "قوة عربية مشتركة"، وأشاد بالفرص التي سيوفرها الجسر البري المقرر إنشاؤه ليربط بين مصر والسعودية...)(سي أن أن 10/4/2016)، وفكرة القوة العربية المشتركة والتي أقرت في اجتماع القمة لجامعة الدول العربية، والتي كانت مصر وراءها كان المقصود منها إعطاء الغطاء الشرعي لمصر للتدخل في ليبيا من أجل مساعدة عميل أمريكا حفتر، وعلى الرغم من استصدار قرار بإنشائها في حينه من الجامعة إلا أن الأمور لم تسر بعد ذلك في اتجاه تنفيذ القرار فعلا، فقد دخل على خط المساهمة في القوة والمنافسة على قيادتها الأردن بشكل واضح، وحماس الأردن في حينه للمساهمة في إنشاء هذه القوة، يعيد إدخال بريطانيا شريكا في أي عملية يمكن أن تقوم بها هذه القوة في ليبيا، ويظهر أن تداعي الأحداث في ليبيا، واستعجال أوروبا إنشاء حكومة السراج، يدخل الصراع الأوروبي الأمريكي في ليبيا منحى جديدا، ولهذا ستكون أمريكا بحاجة إلى قوة يقودها عملاؤها لتأمين نفوذها في ليبيا، وحماية عميلها حفتر، وخاصة مع ما تسرب من وجود عسكري بريطاني بمشاركة أردنية داخل ليبيا بحسب ما نشرته (ميدل ايست آي) على لسان ملك الأردن خلال حديثه مع أعضاء في الكونجرس الأمريكي (..حيث كشف عن تدخل بريطاني أردني سري في ليبيا، وصاغته ضمن مقال مطول من تحرير الصحفي روري دوناغي. المعلومات التي تم الحصول عليها من مصدر مقرب من الاجتماع، تؤكد أن الملك عبد الله قال بأنه يتوقع أن تتصاعد وتيرة العمليات السرية في ليبيا، بعد الاجتماع الذي تم في الأسبوع الثاني من شهر يناير، فقد قال الملك لمستمعيه الأمريكيين بأن القوات الخاصة الأردنية ستعمل مع نظيرتها من البريطانيين، علمًا بأنه لم يكشف عن حجم أو نطاق العمليات في المناطق الليبية التي يسيطر عليها تنظيم داعش.) (منظمة إعلاميون حول العالم)
ومن الجدير الإشارة إليه هنا أنه لا يمكن تصور أن اجتماع العملاء وبخاصة عملاء أمريكا سيكون تنفيذا لأجندة خاصة بهم، أو تحقيقا لمصلحة من مصالح بلادهم، بل يكاد لا يتحرك العملاء أبدا إلا لتحقيق مصالح الدولة التي يعملون في خدمتها، وهذا ما ينطبق على زيارة سلمان لنظام السيسي، وما يمكن أن يتبعه بعد ذلك من تطورات على العلاقة التركية المصرية، بوساطة سعودية ظاهرا، لأن أمريكا بحاجة لتخفيف القيود والضغوط على نظام السيسي.
أما بالنسبة لإعلان ترسيم الحدود البحرية بين السعودية ومصر، وإعلان أن جزيرتي تيران وصنافير هي جزر سعودية، فالأمر له أبعاد أكبر من مجرد ترسيم الحدود، لأن الجزيرتين تقعان على مدخل خليج العقبة، ولهما أهمية استراتيجية كبيرة، وهما خاليتان من السكان، ويخضعان للمنطقة ج بحسب اتفاقية كامب ديفيد المخزية، والتي تنص على وجود قوات مراقبة أممية لضمان الملاحة في الممر، وإعادة تيران وصنافير للسعودية، يقضي بوجود تفاهم مع (كيان يهود)، كما أن مصير القوة متعدد الجنسيات والتي تربض في الجزيرة ستتأثر بهذا القرار، فهل إعادة الجزر للسعودية سيفضي لخروج القوة الأممية لتحل محلها قاعدة أمريكية خالصة لأمريكا فقط؟ لأن سياسة بناء قواعد لأمريكا في المنطقة بدأت تظهر بشكل واضح، في العراق ثم سوريا، ومن قبل في قطر والبحرين، واليمن، ثم في الأردن، بالإضافة للقواعد العسكرية غير المعلنة في السعودية، ومصر!
وبالجملة فلقاء العملاء وتقاربهم لن يكون إلا في خدمة أسيادهم وتحقيقا لرغباتهم، وسيكون مكرهم وتآمرهم وبالا عليهم بإذن الله، فمهما انتفخ الباطل وانتفش كأنه غالبفإنه زاهق، ومهما ضعف الحق وانزوى كأنه زائل فإنه ظاهر بإذن الله، ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾.
رأيك في الموضوع