كشف محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي، أن لدى المملكة خططاً اقتصادية عملاقة لما بعد عصر النفط بتمويلات تصل قيمتها إلى تريليوني دولار أمريكي، وهو ما يعني أن الاقتصاد السعودي سوف يواصل التقليل من الاعتماد على إنتاج النفط خلال السنوات المقبلة، بما يجعل المملكة في منأى عن أي أزمات قد تنتج عن انهيار النفط أو ظهور بدائل للطاقة عنه في العالم. وبحسب التصريحات التي نقلتها وكالة "بلومبرغ" للأنباء عن الأمير محمد بن سلمان، فإن المملكة أصبحت جاهزة الآن لأفول نجم النفط، وانتهاء عصره، وذلك بفضل امتلاكها أكبر صندوق للثروة السيادية في العالم، وتخصيصها مبالغ عملاقة لمشروعات ستستفيد منها الأجيال القادمة في عصر ما بعد النفط. وكشف محمد بن سلمان أن الصندوق السيادي العملاق سيشمل بيع ما يصل إلى 5% من أسهم شركة النفط السعودية "أرامكو".
والحقيقة أن السعودية تمتلك ثالث أكبر صندوق للثروة السيادية والذي يبلغ حوالي 750 مليار دولار. في حين تملك كل من الإمارات والنرويج أكثر من 800 مليار دولار من صناديق الاستثمار "السيادية". ومن المعلوم أن ما يسمى الأموال السيادية أو صناديق الاستثمار الخاصة بالدول الغنية والتي لا تملك بنية اقتصادية قادرة على استيعاب أموالها استعملت في الغالب لدعم اقتصاديات الدول الكبرى ذات الاقتصاد الكبير والتي تحتاج إلى أموال ضخمة وباستمرار للمحافظة على مستوى إنتاجها وتقدمها. ولا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى عدة أمور مهمة منها:
أولا: ما يسمى صناديق سيادية هو في واقعه لا علاقة له بالسيادة. إذ إن السيادة تعني أن تكون صاحب الإرادة المطلقة والقدرة الذاتية على التصرف بأموال الصناديق. وهذا خلاف الصناديق السيادية التي تملكها السعودية وقطر والإمارات. فهذه الصناديق تعمل على الاستثمار في قطاعات في أمريكا وأوروبا وآسيا، خاصة في العقارات والفنادق وسندات الحكومات الأمريكية والأوروبية والأسواق المالية العالمية. وغني عن الذكر أن الاستثمار في هذه القطاعات معرض للخطر، بل ومعرض للتجميد لأسباب سياسية، وقد يصعب استرداد هذه الأموال في الوقت المناسب.
ثانيا: في غالب الأحيان تكون هذه الصناديق تحت إشراف مباشر من الحاكم في الدولة كما هو الحال في صندوق قطر الذي يشرف عليه الأمير تميم وفي السعودية يشرف على بعض صناديقها الأمير محمد بن سلمان. وبالتالي تعتبر هذه الصناديق بحكم الأموال الخاصة للعائلات الحاكمة، وهو شكل منظم لنهب ثروات الأمة تحت مسميات السيادة. وقد مثلت أموال شاه إيران في السابق مثلا حيا على اعتبار أموال الدولة السيادية هي أموال أشخاص، حين جمدت أمريكا أموال الشاه فلم يبق لإيران أي سيادة على هذه الأموال.
ثالثا: إن الأموال الهائلة التي امتلكتها السعودية وقطر والإمارات والتي فاضت بشكل كبير عن حاجتها هي أموال للأمة، حيث إنها تعتبر نتاجا لأموال الملكيات العامة من نفط وغاز. وبالتالي كان من الأولى والأحق أن تصرف على فقراء المسلمين في بنغلادش وميانمار وباكستان وإندونيسيا والصحراء الكبرى في شمال أفريقيا وغيرها. وذلك بدلا من صرفها في الأسواق الأمريكية والأوروبية وشراء أندية كرة القدم في أوروبا والفنادق التي تعتبر بيوتا للمجون والرذيلة!!
رابعا: إن الأزمة المالية التي قد تتعرض لها دول الخليج وبخاصة السعودية بسبب انخفاض أسعار النفط، ليس سببها هبوط سعر النفط، بل سببها يعود لفساد الحكام ونهب الثروات، ويعود لعدم استثمار الأموال الفائضة في الاقتصاد المحلي لإيجاد بدائل عن اقتصاد تصدير المواد الخام ومشتقاتها. فما الذي منع السعودية أن تنشئ مصانع للآلات والسيارات التي تستهلك منها مئات المليارات سنويا؟ أو أن تنتج أجهزة اتصالات وحاسوب التي أصبحت تنتج في كوريا ورومانيا والبرازيل وغيرها من الدول التي لا تمتلك معشار ما تملكه السعودية؟ ومن يا ترى منع السعودية من إنشاء مصانع آلات إنتاج وتكرير وشحن البترول بدلا من الاستثمار في الشركات التي تنتجها دول غربية؟ لقد كان الأولى أن تستثمر هذه الأموال داخليا لتكون جزءًا من اقتصاد متطور وقوي.
خامسا: إن توجه السعودية لتحويل ما تملكه من ممتلكات إلى سيولة نقدية لتتمكن من الصرف على مشاريعها الاستهلاكية يدل على أن السعودية قد بدأت تصرف على مشاريعها من أموالها الموفرة للأجيال القادمة؛ ما يعني أن الفكرة من وجود أموال سيادية (موفرة للمستقبل) قد انتقضت من أساسها، وبالتالي فإن فكرة الأموال السيادية من أصلها لا تصلح للدول. فالدول يجب عليها الاستمرار في ضخ ما تملك من أموال في اقتصادها الإنتاجي الذي لا يزال يزيد من طاقة الدولة الإنتاجية ومن ثروتها ويجعل لها سيادة حقيقية ومطلقة على ثرواتها.
أما السعودية ومثلها دول الخليج الأخرى كالكويت والإمارات وقطر فمثلهم مثل من ذكرهم الله تعالى في كتابه العزيز ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾.
رأيك في الموضوع