في نهايات القرن الماضي ومنذ السبعينات وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفرُّد أمريكا بقيادة العالم، كان لا بد لأمريكا من تغيير بوصلة العداء العلني وتعيين عدو جديد لها لتفرض هيمنتها وتبسط نفوذها على العالم، ولوجود حالة العداء الطبيعية بين الغرب والإسلام تاريخيا، وجدت أمريكا ضالتها في الإسلام وأهله، إلا أن المعضلة التي واجهتها هي أن الإسلام لا تحمله ولا تمثله دولة قائمة وإنما أفراد يعتنقونه عقيدة وفكرا، وإن كانت تعلم يقينا بفشل كل أشكال الحكم والنظم التي صنعت بعد تغييب الإسلام عن الحكم، وأن المسلمين بجموعهم بدأوا يعودون لدينهم وعقيدتهم، وبدأت فكرة الحكم بالإسلام وإعادته لواقع الحياة تتبلور وتنمو وتترسخ لديهم، وبدأت هذه الفكرة تظهر علانية نتيجة فشل الأنظمة القائمة وتعريتها وكشف ارتباطها بالغرب وعمالتها وإخلاصها له.
فالعداء قائم طبيعيا، والخطر المتمثل بدولة تحكم بالإسلام قادم لا محالة، ولتفادي هذا الخطر لا بد من إجهاضه وتشويهه، ومع كرههم وحقدهم الشديد للإسلام إلا أنهم لا يستطيعون تحدي مشاعر ما يقرب من ملياري مسلم بشكل مباشر، ولذلك عمدوا لنشر وترسيخ مفهوم ومصطلح الإرهاب ومحاربته، ولكن برؤية معينة ومن زاوية معينة مرتبطة بالإسلام والمسلمين بصناعة أو تسهيل وجود جماعات وتنظيمات وحتى أفراد مسلمون يعلنون ويتبنون عمليات قتل وتفجير وتدمير منشآت كالمطارات والأنفاق والفنادق والمجمعات التجارية وغيرها في مناطق متعددة من العالم، وبغض النظر أنهم قاموا بهذه الأعمال فعلا أو أنها إجرام أجهزة استخبارية وعسكرية متخصصة تتبع لهذه الدولة أو تلك ثم بتثبيت روايات "رسمية" تعتبر الإسلام مصدرا للإرهاب. ثم تسويقه عبر وكالات الأنباء العالمية "صنع في بلاد الإسلام"، وبهذه الطريقة تظل الشعوب الإسلامية رهينة ما صنعه الكافر المستعمر وحرص على إخفاء هويته بالتعاون مع وكلائه في بلادنا.
وأصبحت هذه المفردة الإرهاب وما يقابلها من محاربة الإرهاب ركنا ركينا في صياغة استرتيجيات ودساتير وقوانين الدول في الغرب والشرق كل حسب مصالحه، وأصبحت تعقد المؤتمرات والندوات لبحث موضوع الإرهاب ومحاربته، والمتتبع لأقوال وتصريحات الكفار الغربيين يجد أن المقصود بالإرهاب والإرهابيين في عقلية الغرب هو الإسلام والمسلمون باعتراف العديد من الباحثين منهم أن الحملة الحالية ضد "الإرهاب" حملة أيديولوجية وفكرية بامتياز، وأن الخصم الأساسي فيها هو الإسلام والمسلمون، وبعض مؤسساتهم الفكرية والاجتماعية.
فقد أكد الباحث الأمريكي ويليام فيشر في دراسة عنوانها "في الحرب على الإرهاب كل الأسماء متعادلة" أن الهدف من وراء نزعة "رهاب الإسلام التي عمت الولايات المتحدة منذ الحادي عشر من سبتمبر هو تخويف المسلمين الأمريكيين ودفعهم لهجر أحد أركان الإسلام الأساسية وهو إعطاء الزكاة للفقراء".
أما التركيز الإعلامي الغربي وتضخيمه لما يسمى الإرهاب الإسلامي، فقد أثبتت الأرقام الصادرة من مؤسسات غربية رسمية هامة أن ذلك مقصود، وإن كان غير صحيح.
ففي مارس/آذار 2007 أصدرت منظمة الشرطة الأوروبية تقريرا عن وضع واتجاه الإرهاب في الاتحاد الأوروبي، جاء فيه أنه في سنة 2006 حدثت 498 عملية إرهابية في دول الاتحاد الأوروبي 424 منها نفذتها منظمات انفصالية، و55 عملية قامت بها منظمات يسارية، و18 عملية قامت بها منظمات إرهابية مختلفة، وعملية واحدة فقط نفذت من طرف مسلم في ألمانيا! أي بنسبة 0.2%.
ومع ذلك فإن عدد المعتقلين المسلمين بتهمة الإرهاب وصل إلى 257 من مجموع 706 معتقلين أي بنسبة 36.4%، في حين لم يعتقل من الانفصاليين سوى 226 شخصا بنسبة 32% رغم أن نسبة عملياتهم بلغت 85.1%. ومع ذلك اعتبر التقرير أن مواجهة "الإرهاب الإسلامي تعد بمثابة أولوية" بالنسبة لدول الاتحاد.
أما بخصوص ارتكاز "الإرهاب" ضد الأهداف الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، أي عند العرب والمسلمين فقد فندت أرقام أمريكية هذه الدعوى.
ففي إحصاءات لوزارة الخارجية الأمريكية عن الإرهاب فيما بين سنتي 1997 و2002 اعتبرت 77 عملية سنة 2002 بمثابة عمليات إرهابية ضد أهداف أمريكية 46 منها في أمريكا اللاتينية، و16 عملية في الشرق الأوسط، كما وقعت 355 عملية في سنة 2001 اعتبرت بمثابة إرهاب دولي، منها على سبيل المثال 29 عملية فقط في منطقة الشرق الأوسط، و201 عملية في أمريكا اللاتينية.
وهذا موقع كندي للبحوث والدراسات الاستراتيجية الكونية ( Global Research) يختم تقريرا له قائلا بأن كل ما سبق وتبعات الأحداث التي وقعت بعد هجوم 11 سبتمبر في أمريكا، وشارلي إيبدو في فرنسا تؤكد أن حرب الولايات المتحدة الأمريكية والغرب ضد الإسلام وليس الإرهاب كما تدعي هذه الدول لتبرير استهداف المسلمين وتضييق الخناق عليهم في معظم البلدان الأوروبية تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.
ويلفت الموقع إلى أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 شكلت نقطة تحول في السياسة الأمريكية تجاه العالم، وفي هذا اليوم عرفت الولايات المتحدة تضامنا عالميا لم يسبق له مثيل، لجهة الاستعداد لتقبل قيادتها في مواجهة الإرهاب بالعالم، وكان يمكن للإدارة الأمريكية أن تستفيد من هذا التأييد في توليد أوسع جبهة عالمية لمكافحة الإرهاب، لكنها أعلنت نفسها فورا المسؤولة الوحيدة عن مكافحة الإرهاب، وحددت جملة مبادئ وقواعد جديدة في العلاقات الدولية كان أبرزها إمكان إعلان حرب وقائية تشنها الولايات المتحدة في أي مكان بالعالم ترى فيه تهديدا لأمنها، واستخدام كل الوسائل بما فيها التدخل العسكري وتغيير الأنظمة السياسية القائمة، واستحداث "قيم أخلاقية" تصنف الدول على أساس الخير والشر، وتكريس قاعدة "من ليس معنا فهو ضدنا".
هذه أمريكا ومن معها من دول الغرب الكافر ومن شايعهم وسار معهم، يحاربون المسلمين ودينهم في كل زوايا الأرض خوفا ورعبا من البديل لحضارتهم العفنة والتي أوشكت على السقوط والانهيار ولكنها تحتاج لوكزة من دولة الحق والعدل - دولة الخلافة على منهاج النبوة - القادمة يقينا تحقيقا لوعد الله سبحانه وتعالى.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾
بقلم: حاتم أبو عجمية - الأردن
رأيك في الموضوع