نفذت يوم الجمعة19/02/2016 طائرات حربية أمريكية غارة جوية على ما يشتبه أنه معسكر لتنظيم الدولة في غرب ليبيا. وقتل فيها ما لا يقل عن 50 شخصا. وقال مسؤول طبي إن 12 شخصا على الأقل قتلوا وأصيب 17 آخرون في اشتباكات عنيفة في مدينة بنغازي بشرق ليبيا يوم السبت 20/02/2016.
نعم هذا ما آلت إليه الأوضاع في ليبيا بعد مرور 5 سنوات على اندلاع الثورة، فمنذ أن أهلك الله القذافي، وليبيا تعيش على وقع فوضى أمنية وسياسية ونزاع على السلطة بين الدول الكبرى، حيث تحاول كلّ واحدة منها (أمريكا وبريطانيا) بسط نفوذها في ليبيا بتمكين عميلها من الوصول إلى الحكم.
وقد وافقت أمريكا وبريطانيا في وقت سابق على القرار بالعمل على الحل التفاوضي لإيجاد حل سياسي للأزمة كل على طريقته! أما بريطانيا فأرادت من المفاوضات أن تنتج حلاً سياسياً بالسرعة الممكنة لأن الوسط السياسي في غالبه معها؛ فأي حل يديره الوسط السياسي سيكون في صالحها، وأما أمريكا فقد وافقت على المفاوضات لأنها تفتقر إلى الوسط السياسي في ليبيا، ولهذا فهي عملت على ابتداع أساليب للتعطيل، ومن ثم إعطاء مهلة إلى حفتر لعله يوجد سلطة له ولو في جزء من ليبيا لتشكيل وسط سياسي جديد يساعده في أية مفاوضات لاحقة.
ولكن وبعد ما يزيد عن سنة من المفاوضات واللقاءات والمؤتمرات، استطاعت بريطانيا بدهائها المعهود استعجال الأمور فعقدت الاتفاق النهائي في الصخيرات بالمغرب يوم الخميس 17/12/2015، وحتى تجعل ذلك مشروعا ومقبولا دوليا لجأت إلى مجلس الأمنفصوت بالإجماع يوم الأربعاء 23/12/2015 على مشروع القرار الذي قدمته بريطانيا والتي تطالب فيه اعتبار الحكومة التي سيتم تشكيلها في ليبيا بموجب الاتفاق الذي جرى في مدينة الصخيرات هي الممثل الوحيد لليبيا، فقام بإصدار القرار 2259 الذي يتبنى ذلك.
وقد قضى اتفاق الصخيرات الذي وقعه بعض ممثلي مجلس النواب المنحل والمؤتمر الوطني العام، بتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة فائز السراج، إلا أن مجلس النواب في طبرق رفض التشكيلة الحكومية المقدمة، وسط شكاوى من أن عدد الوزراء المعينين - الذي بلغ 32 وزيرا - أكبر مما يجب. وفي سياق العمل على إنهاء الأزمة المتشعبة، أعلن المجلس الرئاسي في ليبيا بمدينة الصخيرات المغربية في وقت متأخر من مساء الأحد 14/02/2016 تشكيلة معدلة لحكومة الوفاق الوطني تتكون من 13 حقيبة وزارية وخمسة وزراء دولة، وأرسلها إلى مجلس النواب في طبرق من أجل إقرارها، معتبرا أن ذلك سيكون بداية نهاية الأزمة الليبية.
لكن هذا الأمر لم يرق لأمريكا وهذا ما يفسر إقدامها على الضربات الجوية وتهديدها بعمليات عسكرية أوسع في ليبيا.
لقد بات جليا أنّ الأطراف المتصارعة مستعدة لإبادة شعب ليبيا وإراقة الدماء وانتهاك الأعراض وتدمير المنشآت فيها، المهم عند كل منهم هو السيطرة على البلد والتحكم فيه واستغلال ثرواته. وهذا ما يفسر الأزمة الإنسانية التي تعيشها البلاد الآن.
فبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فإن عدد النازحين داخلياً في البلاد قد تخطى 434 ألف شخص، وغالباً ما يفتقرون إلى المأوى بسبب قلّة المخيمات المتاحة، وفي كثير من الأحيان يجدون أنفسهم في قلب القتال بين الميليشيات، هذا علاوة على معاناة العالقين في مناطق النزاع من ظروف إنسانية قاسية.ويوثّق التقرير الذي أصدرته منظمة العفو الدولية بتاريخ 16/02/2016 حالات القصف العشوائي للمناطق المدنية واختطاف المدنيين وتعذيبهم بسبب انتماءاتهم القبلية والسياسية، وكذلك عدداً من حالات الإعدام، إضافة إلى التدمير المتعمد للملكيات وغيرها من التجاوزات والانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي وحقوق الإنسان في مناطق مختلفة من البلاد.
إنه لمن المؤلم أن بلاد المسلمين التي كانت منطلق الفتوحات ونشر الإسلام الذي يحمل العدل والخير لربوع العالم... أصبحت هذه البلاد ميدان قتال يتسابق فيه الكفار المستعمرون على قتلنا ونهب ثرواتنا... يضحكون بملء أفواههم عند كل قطرة دم تسيل منا، ليس بأيديهم فحسب، بل كذلك بأيدي عملائهم من أبناء جلدتنا!
إن الكفار المستعمرين هم أعداؤنا فليس غريباً أن يبذلوا الوسع في قتلنا، أما أن يصطف معهم فرقاء ليبيون، يوالي بعضهم أمريكا، وبعضهم يوالي أوروبا، ثم يقتتلون فيما بينهم، قتالاً ليس من أجل الإسلام وإعلاء كلمة الله، بل لمصالح الكفار المستعمرين... فإنها لإحدى الكبر، فاقتتال المسلمين فيما بينهم جريمة كبرى في الإسلام، قال الرسول e«كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ»، أخرجه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وقَالَ الرَسُولُ e: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ». أخرجه النسائي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.
إن قضايا المسلمين تحل بأيدي المسلمين وليس بأيدي أعدائهم، والحل سهل ميسور لمن يسره الله له، سلاحه الإخلاص لله في السر والعلن، والصدق مع رسول الله e في القول والفعل، وعندها سيرى المتفاوضون أنهم أمام بلد إسلامي عريق منذ الفتح الإسلامي على عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وجميع أهله مسلمون، وحل قضاياه في كتاب الله سبحانه وسنة رسوله e، دونما أية صلة مع الكفار المستعمِرين ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾.
رأيك في الموضوع