بدأت أسواق المال العالمية هذا العام بدايةً سيئةً حيث انخفض مؤشر البورصة في نيويورك 8% وهبط مؤشر البورصة العالميةMSCI 10% وفي اليابان هبط مؤشر البورصة 19%. ومع أن العديد ينظرون إلى هذه الأسواق كأنها أدوات قمار حيث إنها لا تحتوي على مسؤولية مباشرة وملكية كما تملي هيكلية الشركات الإسلامية، إلا أن ملايين الأشخاص عالميًا يعتمدون على هذه الأسواق في مدخراتهم التقاعدية. ولقد أصبحت أيضًا - الأسواق المالية - مؤشرًا على نجاح الاقتصاديات التي تديرها هذه الشركات. وينظر المخططون المركزيون على أن نجاح سوق الأسهم والسندات هو مفتاح استقرار طويل الأمد وبقاء الرأسمالية ونموها. ونتيجة لذلك فقد أسست الأسواق الأمريكية والأوروبية الأساسية "فِرَق حماية السقوط" التي تستثمر أموال الحكومات من أجل ضمان الاستقرار اليومي وللقدرة على منع الأسواق من الانحدار بشكل سريع (1).
ولكن عندما يصبح التدخل قصير المدى في الأسواق (من المفترض أن تكون حرة في الصعود أو النزول)، عندما يصبح سياسة حكومية جوهرية عندها يكون الانهيار أمرًا مؤكدًا. من الممكن المجادلة بأن قيام البنوك المركزية في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا (اليابان) بخفض كميات (التسهيل الكميQuantitative Easing) أدى إلى الانخفاض الأخير في أداء الأسواق المالية، خاصة في الولايات المتحدة.
وصرحت جانيت يلين رئيسة الاحتياط الفدرالي في شهادتها أمام الكونجرس الأسبوع الماضي أن الفائدة السلبية ما زالت خيارًا قائمًا في الولايات المتحدة. لذا وبعد سبع سنوات من معدل فائدة صفر ومع هذا لم يكن هناك نمو كاف، الخطوة الثانية هي الذهاب إلى الفائدة السلبية حيث ستدفع البنوك أموالاً إذا ما احتفظت باحتياطي وسيتحمل المدخرون عبء هذه الأموال (أي ستتناقص مدخراتهم بدل أن تنمو). تطبق حاليًا الفائدة السلبية كسياسة رسمية في اليابان والسويد وسويسرا والدنمارك (ما يشكل 23% من الأسواق المالية العالمية). ويمثل هذا مصادرة قسرية للثروة من الطبقات الوسطى، فالبنوك ستستمر في أخذ فائدة عالية (ربا) مقابل القروض والرهن العقاري ولكنها ستجبر المدخرين على استثمار هذه الأموال في سوق الأسهم أو السندات الحكومية حتى يتهربوا من دفع الأموال على رؤوس الأموال (فيما لو بقيت مدخرات). في الواقع يعتبر هذا نذير التحول من النقود الورقية إلى النقود الإلكترونية (إذ سيتحول الناس إلى الاحتفاظ بأموالهم نقدا (سيولة) بأيديهم بدلاً عن وضعها في البنوك ودفع الأموال مقابل ذلك). وستزعم الحكومات أنها تعمل ضد الجريمة والإرهاب في حظرها للسيولة المالية، ولكن الحقيقة هي الرغبة في السيطرة التامة على العمليات المالية.
الخطر الكبير الآخر على خطط البنك المركزي هو الذهب والفضة - أفضل النقود الحقيقية. حيث إنك لا تستطيع طباعة ذهب أو فضة جديدين بنفس الطريقة التي تطبع بها البنوك الأموال الورقية أو تبتكر أموالاً إلكترونية خيالية، فالذهب والفضة يمثلان سيطرة حقيقية على سياسة الحكومات. باستثناء تكاليف التخزين لا يوجد للذهب والفضة مخاطر تذكر (على سبيل المثال، وقوع أزمة إفلاس البنوك الكبرى كما جرى عام 2008). فلا عجب، إذن، أن يرتفع سعر الذهب 18% وسعر الفضة 14% منذ بداية العام الجاري، بالرغم من الجهود المستمرة في كبح أسعار الذهب والفضة خلال الأربع سنوات الأخيرة بواسطة التجارة الورقية المتهورة.
يبدو الآن أن الأسواق الحقيقية للذهب والفضة (ليس عقود ورقية متهورة وهي تمثل وعودًا لتقديم الخدمات والسلع في المستقبل)، يبدو أنها آخذةٌ في السيطرة أكثر وأكثر في تحديد الأسعار. فقد قامت الهند والصين بشراء ما يعادل إنتاج الذهب الجديد في العالم في العام الماضي عندما انتقل من الغرب إلى الشرق.
دور حقيقي للذهب والفضة:
إن ذكر الذهب والفضة في أكثر من موضع في القرآن الكريم ليس فقط كنقود وإنما لنصاب الزكاة والحدود، يثبت بوضوح أنه يجب استعمالها كنقد في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة القادمة قريبا بإذن الله. يقول الله سبحانه وتعالى ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [التوبة: 34]
إن تحريم كنز المال وتحريم الربا بكافة أنواعه (بما فيه الفائدة السلبية) هو دافع قوي لتداول الثروة. وبدلاً من المقامرة في أسواق المال المتهورة، يسعى المسلمون إلى الاستثمار في الأعمال الملموسة (الحقيقية) حيث إنهم سيحاسبون على الإدارة الصحيحة لهذه الأعمال. إن الإنفاق السخي والكريم في المجتمع هو النهج الطبيعي للناس الذين يؤمنون بأن الرزق هو بيد الله سبحانه وتعالى وليس ما تقوم به الحكومات العلمانية بخداع وتملق الناس من أجل الاستثمار والإنفاق في مجالات الأسهم والسندات والأسواق المتهورة الخداعة. إن الذهب والفضة يعتبران القيمة الحقيقية لتقييم جميع السلع والخدمات وليس الرمال المتحركة التي تمثلها الأموال الإلكترونية الحالية.
بقلم: جمال هاروود
رأيك في الموضوع