لقد لعب النظام التركي دورا أساسيا في ثورة الشام المباركة منذ بداية الثورة، وعلى الرغم من امتلاكه قوة عسكرية لا يستهان بها؛ إلا أن دوره اقتصر على احتواء الضباط المنشقين وقادة بعض الفصائل؛ بالإضافة إلى أعمال الجمعيات الخيرية، ونظرا لطبيعة هذا الدور كان لا بد له من استقبال النازحين من مناطق القصف ووضعهم في مخيمات اللجوء، إلا أن هذا الأمر كان مرحليا يسير وفق المخطط الأمريكي المتعلق بسياسة الاحتواء، وبعد أن أدى دوره المنوط به واستطاع إحكام قبضته على بعض قيادات الفصائل من خلال فتح مكاتب لهم على الأراضي التركية؛ وإدخال بعض الدعم العسكري الذي لا يسمن ولا يغني من جوع؛ أخذ يشارك في زيادة الضغط على أهل الشام الثائرين، فتخلى عن كلام رئيسه رجب طيب أردوغان الذي خاطب فيه لاجئي سوريا قائلا: (أنتم المهاجرون ونحن الأنصار) بعد أن وقف متفرجا على المجازر التي ارتكبت في حق المسلمين من أهل الشام رغم تصريحات أردوغان الشهيرة بأنه لن يسمح بحماة ثانية، كما فتح قاعدة إنجرليك للطائرات الأمريكية لتكون منطلقا لها في قصف أهل الشام، لينتقل إلى إغلاق الحدود في وجه الهاربين من براميل الموت؛ حتى وصل الأمر به إلى بناء حاجز إسمنتي على مساحات واسعة من الحدود التركية السورية؛ وقنص كل من يحاول العبور تحت ذريعة الحفاظ على أمنه ومحاربة الإرهاب.
وها هو النظام التركي اليوم يمنع عشرات الآلاف من النازحين من ريف حلب الشمالي جراء الهجمة الشرسة التي تشنها روسيا على هذه المناطق من دخول الأراضي التركية بعد أن استقبلت ما يزيد عن مليونين من النازحين من أهل سوريا من عدة مناطق سابقا؛ مما جعلهم فريسة البرد والتشرد يهيمون على وجوههم ولا من مجيب، وذلك لزيادة الضغط على أهل الشام من جهة للقبول بالحل السياسي الأمريكي ومسلسل التنازلات الكبير الذي بدأ قبل أن يبدأ مؤتمر جنيف3، ومن جهة أخرى ليصنع من قضية اللاجئين مشكلة كبيرة يجعلها كمبرر للتدخل عسكريا، وذلك لمنع الفصائل الكردية من العمل على تحقيق ما تطمح إليه من إدارة ذاتية، وهذا خط أحمر بالنسبة للنظام التركي الذي أسس على فكرة القومية التي ترعاها دولته العميقة، ولكن هذا العمل لا يمكن أن يتم إلا تحت غطاء التحالف الدولي؛ مما جعله يبدي استعداده للدخول بريا إلى الأراضي السورية تحت ذريعة محاربة الإرهاب والقضاء على تنظيم الدولة، وهذا سيحقق له القدرة على التواجد في مناطق تطمح الفصائل الكردية للسيطرة عليها فتكون بذلك قد أوقفت حلم إقامة مناطق تحت الإدارة الكردية الذاتية.
لا شك أن النظام التركي يسعى لتحقيق مصالحه فقط ومصالح أسياده وهذا ما أثبتته الأحداث، وإن تدخله العسكري لن يكون لإنقاذ أهل الشام بل لمحاربة ما يسمونه الإرهاب، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على عمالة حكام المسلمين عموما وحكام تركيا خصوصا للغرب الكافر؛ وحرصهم الشديد على تحقيق مصالحه ضاربين عرض الحائط بكل القيم الإنسانية والأخلاقية، لكن أبت ثورة الشام المباركة إلا أن تكشف كذب النظام الدولي ومنظماته الإنسانية وتكشف عمالة حكام المسلمين، وسيكتب تاريخهم الأسود وتخاذلهم بل وتآمرهم على المسلمين، كما وأبت إلا أن تعطي النتيجة صافية كصفاء الماء الجاري، فها هي تكشف في الخارج وتغربل في الداخل، تكشف حكاماً سُلطوا على رقاب الأمة باسم الإسلام وأول ما خذلوا خذلوا الإسلام والأمة الإسلامية، وتغربل أفراداً انتسبوا لفصائل باسم الجهاد، فكما عهدناها ستبقى لتميز الخبيث من الطيب.
إن عظم المؤامرة على ثورة الشام من عظم هذه الثورة المباركة، وقد أدرك الغرب الكافر أن وقت انعتاق الأمة الإسلامية من سيطرته قد اقترب وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
أحمد عبد الوهاب
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع