كثيرا ما تردد على وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة رفض المعارضة السورية بدء المفاوضات مع النظام حتى يتم تنفيذ الفقرتين 12 و13 من قرار مجلس الأمن رقم 2254، وفي ذلك تدليس ظاهر بل تآمر وجريمة وترويج للمخططات الأمريكية الاستعمارية.
وقبل الحديث عن بنود هذ القرار ومضامينه، فإن المطالبين به تجاوزوا - خداعاً - انتحالهم لصفة تمثيل أهل الشام التي اغتصبوها من خلال مؤتمر الرياض الذي رعته أمريكا بأدواتها حكام السعودية لا سيما وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي أشرف على كل تفاصيله.
فالمعارضة السورية التي زعمت تمثيل أهل الشام، وطالبت بتطبيق قرار مجلس الأمن، تجاوزت أنها في الحقيقة لا تمثل أهل الشام ولا تطلعاتهم ولا الأهداف والمطالب التي ثاروا من أجل تحقيقها. وأهل الشام في أكثر من مناسبة أعلنوا صراحة أن معارضة الفنادق - وهي تشكل معظم الوفد المفاوض - لا تمثلهم وما شعار "الائتلاف لا يمثلني" عنا ببعيد.
وبالعودة لموضوع قرار مجلس الأمن وما تحتوي المطالبة بتطبيقه من تضليل ومحاولة لتمرير المخططات الأمريكية الاستعمارية، فإن المطالبة بتنفيذ هذا القرار تنطوي على تسليم ثورة الشام للقوى الاستعمارية والإقرار بأن صاحب الحل والعقد فيها هي الأمم المتحدة المسيّرة أمريكياً، مما يقود إلى "وجوب" ألا يخرج أي اتفاق تسفر عنه المفاوضات على الأسس والمقررات التي تقوم عليها المنظمة الدولية، مما يعني ببساطة بقاء نظام الحكم في سوريا تابعاً ذليلاً لتلك القوى وسياساتها.
ثم إن تسليط الضوء على الفقرتين 12، 13 من القرار المذكور، واللتين تنصان على السماح الفوري بوصول المساعدات الإنسانية إلى جميع من هم في حاجة إليها ولا سيما في جميع المناطق المحاصرة، وإغفال حقيقة القرار وبقية بنوده، يعد جريمة وخيانة، يسعى المروجون لها إلى تغطيتها وتضليل الناس بخصوصها عبر تباكيهم على المدنيين والمحاصرين.
إن قرار مجلس الأمن رقم 2254 من حيث النشأة هو مشروع قرار أمريكي، وهو يعطي انطباعاً أولياً واضحاً عن مراميه، فأمريكا لا يهمهما حجم القتل وسيل الدماء الجاري في سوريا بقدر ما يهمها نفوذها ومحاربتها لمشروع الأمة الذي يرعبها "الخلافة على منهاج النبوة"، ثم إن الدول الخمس دائمة العضوية قد صوتت بالإجماع على هذا القرار وهو ما يؤكد أن مضمونه محل توافق بين هذه القوى التي تكيد بالمسلمين وبأهل الشام وثورتهم.
لقد تضمن القرار:
- "الدعوة لتشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات برعاية أممية"، مما يعني حسم موضوع أن يكون التغيير المتوافق عليه ضمن المنظومة الدولية، مما يعني عدم السماح لأهل الشام الذين طالبوا بالخلافة وبتحكيم الشريعة من تحقيق ذلك.
- ·"اعتماد بيان جنيف ودعم بيانات فيينا الخاصة بسوريا، باعتبارها الأرضية الأساسية لتحقيق عملية الانتقال السياسي بهدف إنهاء النزاع في سوريا"، وهو ترسيخ للمشروع الأمريكي الرامي إلى إبقاء النظام بهياكله وتبديل الوجوه وإجراء بعض التغييرات الشكلية.
- و"اعتبار المجموعة الدولية لدعم سوريا المنبر المحوري لتسهيل جهود الأمم المتحدة الرامية إلى تحقيق تسوية سياسية دائمة في سوريا"، وذلك حتى يتم ضمان ديمومة بقاء سوريا مرتبطة بالقوى الاستعمارية بربط الإصلاحات بأموال "المانحين" الملوثة.
- و"جدد القرار دعم مجلس الأمن إجراء انتخابات حرة ونزيهة على أساس الدستور الجديد في غضون 18 شهرا تحت إشراف الأمم المتحدة". وهو ما يجعل مواد الدستور الجديد والانتخابات التي تليه محكومة سلفاً ومعدة على عين بصيرة من قبل أمريكا وأتباعها وأشياعها.
- و"من أجل تحقيق هذه الأهداف أوصى القرار جميع الأطراف في سوريا باتخاذ تدابير لبناء الثقة من أجل المساهمة في فرص القيام بعملية سياسية وتحقيق وقف دائم لإطلاق النار". مما يعني فرض النظام السوري المجرم كجزء من الحل وإعادة الشرعية له بعد أن لفظه أهل الشام وقدموا الغالي والنفيس بغرض إسقاطه.
إن العملية التفاوضية القائمة على قرار مجلس الأمن رقم 2254، وما يكتنفها من خداع وتضليل من قبل أمريكا وحلفائها وأتباعها وأشياعها، جاء بعد فشلها في إجهاض ثورة الشام، وبعد فشلها في تغيير توجه القاعدة الشعبية لدى أهل الشام المطالبة بتحكيم الشريعة وإقامة دولة إسلامية "خلافة راشدة على منهاج النبوة"، فهي تسعى بخداعها وتضليلها إلى تحقيق ما عجزت عنه أدواتها القمعية "النظام وإيران وروسيا".
إن الدول الكبرى الاستعمارية لا تقوى على المجابهة الفكرية لطبيعة مبدئها الخرب وسقوطه فكرياً وأخلاقياً، ولحقيقة أهدافها الاستعمارية التي تقوم على نهب الخيرات واستعمار البلاد والشعوب، لذا تلجأ دوماً إلى تغييب الوعي عن الشعوب المستهدفة وإلى التضليل والخداع، لذا كان من أهم ما يلزم لنجاح ثورة الشام هو الوعي على مخططات الكافرين المستعمرين وعدم الركون لهم أو القبول بمبادراتهم أو مبعوثيهم أو رجالاتهم الذين هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، ووجوب الإصرار على طرد النفوذ الأمريكي بكل أشكاله من سوريا والقضاء على النظام الأسدي المجرم وإقامة دولة تحكم بالإسلام على أنقاضه، ففي ذلك النصر المبين، وبغيره الهزيمة والتبعية وتضييع التضحيات.
رأيك في الموضوع