وقّع مؤخرًا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ست عشرة اتفاقية في موسكو، تركز على إنتاج صواريخ براهموس الروسية والمروحية الروسية كاموف-226، ومشروع روسي لبناء ست محطات للطاقة النووية على الأقل. وقال مودي خلال الزيارة: "لقد كانت روسيا دائمًا معنا في الأوقات الصعبة، وبيننا شراكة استراتيجية، وهي شراكة استراتيجية حقيقية"، وأشاد بوتين بالعلاقات مع الهند وقال إن البلدين قاما بإرساء "شراكة استراتيجية متميزة".
ليست هذه القمة الاستراتيجية الأولى بين البلدين، فمنذ عام 2000م، عُقدت بين البلدين عدة قمم حول خمسة مجالات: السياسة، والدفاع، والطاقة النووية المدنية، ومكافحة "الإرهاب"، والفضاء، وقد عقدت تلك القمم بشكل دوري كل عام، وغالبًا ما كان يرافقها إعلانات متكلفة مسبقة. ومع ذلك، فإن هنالك نوعين من الأسباب الرئيسية التي تشكل العلاقات بين البلدين منذ مطلع الألفية الثالثة.
إن الهند وروسيا متناقضتان، فلا تكاد توجد عوامل مشتركة تربط البلدين معًا، فكلاهما لديه حضارة مختلفة عن الآخر، ونظام سياسيّ مختلف، وتاريخ مختلف، وشعباهما يتحدثان لغات مختلفة. وعلى الرغم من عدد كبير من الاختلافات، فإن الخصوم المشتركين بينهما يربطون البلدين معًا، وهذا هو سبب تشكل العلاقات بين موسكو ونيودلهي، وهذا هو سبب التوازن النموذجي للقوتين، حيث كلا البلدين يطمع في الأساس بتحقيق الأمن له، ويرغب في زيادة قوته لمواجهة التهديدات المتوقعة. وخلال الحرب الباردة كانت الهند على الحياد، وهو ما سمح بوجود علاقات بين البلدين، فموسكو ثمّنت رفض الهند الانضمام للغرب، حيث أضعف ذلك سياسة الاحتواء الأمريكي للاتحاد السوفيتي.
إن هناك نوعين من التهديدات الرئيسية اليوم، وهما دافع التعاون الوثيق بين موسكو ونيودلهي؛ الأول: هو خطر الصحوة الإسلامية في وسط آسيا وباكستان لتكوين قوة إسلامية تهدد بلدان الاتحاد السوفيتي السابقة، وخاصة بلدان آسيا الوسطى، والسكان المسلمين الذين يعيشون داخل روسيا مثل القوقاز. ولتوسط باكستان بين أفغانستان وكشمير وهو ما يقوض أمن الهند، فإن روسيا تؤيد مشروع الأمم المتحدة الذي قدمته الهند بخصوص عقد اتفاقية شاملة بشأن "الإرهاب" الدولي (CCIT). وفي عام 2002م وقّع كلا البلدين مذكرة تفاهم مشتركة لمكافحة "الإرهاب"، والتي تقودها مجموعة العمل التعاوني التي اجتمعت عدة مرات.
الثاني: النمو الكبير للصين يتسبب في ذعر كبير في كلتا العاصمتين، وبالرغم من أن الهند ليست معادية للصين علنًا، إلا أن نيودلهي لا تفضل وجود قوة اقتصادية وعسكرية على عتباتها، بينما روسيا من ناحية أخرى، أقل قلقًا في المدى القريب من الصعود السريع للصين، وذلك لمكانة روسيا كقوة عظمى، ولكن على المدى الطويل، فإن صعود الصين المجاورة لروسيا كقوة عظمى أمر غير محبب لصنّاع السياسة في الكرملين. وبالتالي، فإن موسكو ونيودلهي بحاجة لبعضهما بعضا لمواجهة القوة الاقتصادية والعسكرية للصين.
إنّ روسيا تعاني من العقوبات الغربية، لذلك تتطلع لدعم اقتصادها المتداعي عن طريق تعزيز التجارة مع الهند، والتي يتوقع أن تنمو إلى 30 مليار دولار بحلول عام 2025م. وبالإضافة إلى ذلك، فإن كلا البلدين يخشى بشدة من مشروع طريق الحرير في الصين، فهما يعتقدان أنه سوف يقوض قدرتهما على التجارة مع بلدان آسيا، وآسيا الوسطى، وأوروبا. وبالنسبة للصين، فإن هدفها الرئيسي هو إيجاد طرق برية بديلة لممرات الشحن البحرية الحالية عبر مضيق ملقا، حيث السفن الصينية مهددة من قبل السفن الحربية البحرية الأمريكية. وسبب آخر يقلق البلدين هو شراكة المحيط الهادئ التي تستخدمها أمريكا كورقة ضغط على روسيا والهند والصين، وللحدّ من تأثير هذه الاتفاقية التجارية، فإن روسيا والهند يعززان من الجهود الرامية لتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي بينهما في السنوات المقبلة.
ومن المرتقب أن تتوسع العلاقة بين الهند وروسيا، ولكن ليس من الناحية الاستراتيجية؛ وذلك لأن الهند، وبعد قدوم حزب بهاراتيا جناتا إلى السلطة في الهند، تدور في فلك أمريكا، وهذا يعني أن علاقة روسيا مع الهند ستكون ضمن العلاقات الاقتصادية البحتة فقط. وبالفعل، فإن أمريكا ودولة يهود ينخران في العلاقات الدفاعية بين موسكو ونيودلهي، وفي المقابل، تبيع روسيا الأسلحة لباكستان.
إنه لمن المؤلم مشاهدة الهند وروسيا والصين وأمريكا يلعبون في المنطقة كأنها رقعة شطرنج، ويستخدمون المسلمين أحجارًا في هذه اللعبة، لتحقيق توازن القوى بين القوى الكافرة. إن الخلافة الراشدة على منهاج النبوة هي وحدها القادرة على قلب موازين القوى في الوضع الراهن، وبذلك تعود الأمة الإسلامية إلى مكانتها التي تليق بها كقائدة لمنطقة أوراسيا، فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
بقلم: عبد المجيد بهاتي - باكستان
رأيك في الموضوع