أشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى "دفء ممكن" في العلاقات مع كيان يهود، وقال إن المنطقة بأكملها ستحقق مكاسب كثيرة من تطبيع العلاقات.
وقال أردوغان، للصحفيين خلال رحلة عودته من تركمانستان، إن "تطبيع العلاقات مع إسرائيل" أمر ممكن إذا تمكن الطرفان من التوصل إلى اتفاق لتعويض ضحايا مداهمة البحرية "الإسرائيلية" أسطول الحرية، وإذا ما رفعت "إسرائيل" الحصار عن الفلسطينيين، حسب الأسوشيتد برس (14/12/2015).
وذكر مسؤول كبير في أنقرة الجمعة 18/12/2015 أن الحكومتين على وشك التوصل إلى إطار نهائي لاتفاقٍ يهدف إلى تطبيع العلاقات بينهما «بعد إحراز تقدمٍ على صعيد المطالب التركية».
فيما تحدَّث مسؤولون يهود عن اتفاقٍ لتطبيع العلاقات جاء بعد محادثات ثنائية رفيعة المستوى في سويسرا.
والجدير بالذكر أن العلاقات بين تركيا وكيان يهود شهدت توتراً علنياً عقب قتل كيان يهود لعشرة أتراك كانوا على متن "أسطول الحرية" المتجه إلى غزة عام 2010. وبالرغم من طرد تركيا لسفير كيان يهود وإعلانها تجميد العلاقات معه، إلا أن تقارير عديدة أفادت باستمرار العلاقات والتعاون فيما بينهما لا سيما في المجال العسكري، حيث رصدت تلك التقارير ما لا يقل عن 60 اتفاقية وقعت بين الطرفين في المجال العسكري لوحده! وبقيت تركيا أكبر البلدان الإسلامية استيراداً من كيان يهود، وتجاوزت قيمة صادرات كيان يهود لتركيا ملياري دولار عام 2011 على سبيل المثال.
ويقول تركار ايرترك، من معهد الأبحاث الاستراتيجية، وهو لواء تركي متقاعد ومدير الكلية البحرية سابقا، لصحيفة الشرق الأوسط، أن علاقات تركيا وكيان يهود التي يبلغ عمرها 60 عاما قد تضاعفت عشرات المرات خلال حكم أردوغان في العشر سنين الماضية.
وسعى البعض إلى تبرير هذا التوجه التركي بسبب الأزمة التركية الروسية ومحاولة تركيا الاستعاضة عن الغاز الروسي باستيراد الغاز من كيان يهود.
وفي إطار السعي لتمرير هذه الجريمة السياسية ومحاولة إخراجها، للمحافظة على امتطاء حكام تركيا للقضية الفلسطينية والمتاجرة بها إعلامياً، التقى أردوغان السبت 19/12/2015 خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس.
إن المتتبع لمجريات المفاوضات الدائرة في سويسرا بين الطرفين، وبغض النظر عما يشاع عن تخلي تركيا عن مطلب رفع الحصار عن غزة وتقييدها لحركة قادة حماس وطرد البعض منهم من أراضيها، وعن موافقة كيان يهود على تزويد تركيا بالغاز، فإنه يدرك أن تطبيع العلاقات بين البلدين بشكل علني بات مسألة وقت لا أكثر.
لقد تحطمت خطابات أردوغان ومعاركه الوهمية على أسوار سويسرا، وبان للجميع أكثر من ذي قبل أن حكام تركيا لا ينطلقون في مواقفهم من مشكاة الإسلام وثقافته، ولا تحركهم قضايا أمتهم بل مصالح ضيّقة لا تقيم وزناً للدين، وارتباطات استعمارية تملي عليهم المواقف.
إن مجرد اللقاء والتفاوض مع كيان يهود هو بحد ذاته جريمة، واعتبار الخلاف مع هذا الكيان المجرم يمكن حله عبر التفاوض والمساومات المالية وتبادل المصالح هو استخفاف بدماء الشهداء الذين قتلهم كيان يهود في سفينة مرمرة واستخفاف بقضايا الأمة وعدم اكتراث باحتلال يهود لمسرى رسول الله e، واعتبار مجازر هذا الكيان بحق أهل فلسطين منذ نشأته وما يقترفه صباح مساء من فظائع وانتهاكات للمقدسات والحرمات، لا يفسد للود قضية!.
إن قضايا الأمة، كقتل أبنائها واحتلال مقدساتها، لا تحل بالمساومات المالية ولا المصالح الآنية، فأموال الدنيا لا تعدل قطرة دم لمسلم، واحتلال يهود لشبر من فلسطين لا يسكت عنه مقابل الملايين أو المليارات.
لقد كان لحكام تركيا اليوم في موقف السلطان العثماني عبد الحميد قدوة وأسوة لو كانوا يعقلون، حيث سطر موقفاً ينافي بشكل جازم مواقف حكام تركيا اليوم، فسطر بأقواله موقفاً مضيئاً، بأن قضايا الأمة وأرضها ومقدساتها غير قابلة للمساومة، رغم ضعف دولته آنذاك وحجم الديون الهائل عليها، فقال رحمه الله "انصحوا الدكتور هرتزل بألا يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع فإني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين، فهي ليست ملك يميني، بل ملك الأمة الإسلامية، ولقد جاهد شعبي في سبيل هذه الأرض ورواها بدمه، فليحتفظ اليهود بملايينهم، وإذا مزقت دولة الخلافة يوما فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن، أما وأنا حي فإن عمل المبضع في بدني لأهون عليَّ من أن أرى فلسطين قد بترت من دولة الخلافة وهذا أمر لا يكون. إني لا أستطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة"، ولكن شتان شتان بين عبد الحميد القائد الذي حفظ الأرض المباركة وحمل أمانتها وبين حكام تركيا اليوم الذين باعوا فلسطين ودماء المسلمين وقضايا أمتهم بدراهم معدودة، ثم هم يزعمون وصلاً بالعثمانيين، والعثمانيون منهم ومن أفعالهم المخزية برآء!.
إن تطبيع العلاقات مع كيان يهود المحتل الذي لا تزال أيدي قادته تقطر دماً، هو إقرار باحتلاله للأرض المباركة التي جبلت بدماء الصحابة، وإن مطالبة تركيا لهذا الكيان المجرم برفع الحصار عن غزة لا يمكن أن يعتبر مبرراً أو ثمناً لهذه الجريمة السياسية، فرفع الحصار عن غزة - على فرض بقاء اشتراط حكام تركيا لذلك - لا يبرر التطبيع مع هذا الكيان المحتل الذي شيد بنيانه على الأرض المباركة التي اغتصبها، وأقام كيانه على جماجم أهل فلسطين ومعاناتهم.
إن التطبيع مع المحتل كان ولا يزال جريمة سياسية يجب إنكارها والوقوف في وجه من يقترفها أياً كان، وهي جريمة غير قابلة للتبرير، فهي تمكّن المحتل من بلاد المسلمين وتجعل له على المسلمين سبيلاً، وهو ما يخالف عقيدة الأمة ونهجها السياسي المحدد بقول الحق سبحانه: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾.
رأيك في الموضوع