تسارعت وتيرة الأحداث السياسية المتعلقة بالثورة السورية خلال الأيام القليلة الماضية، فقد جمعت السعودية في مؤتمر الرياض ما أسمته قوى الثورة والمعارضة السورية في الفترة ما بين 9 و11/12/2015، وقد تمخض عن هذا المؤتمر تشكيل ما سمي بالهيئة العليا للمفاوضات من 34 عضوا وقد أعلن عن اجتماع هذه الهيئة يوم الخميس 17/12/2015 في الرياض مرة أخرى وتم اختيار رياض حجاب رئيسا للهيئة، وقد تم عرض نسخة معدلة للبيان الختامي لمؤتمر الرياض تضمنت تعديلات عدة بينها تكرار الحديث عن "مبدأ المواطنة" في أكثر من مناسبة لدى الحديث عن سوريا الجديدة والقول بـ"وجوب" إعادة هيكلة وتشكيل مؤسسات الدولة السورية الأمنية والعسكرية بعدما كانت كلمة "ضرورة" هي المستخدمة.
ووفق النسخة الأخيرة: "اتفق المشاركون على أن هدف التسوية السياسية هو تأسيس دولة تقوم على مبدأ المواطنة من دون أن يكون لبشار الأسد وأركان ورموز نظامه مكان في أي ترتيبات مستقبلية"، بعدما كانت العبارة السابقة أن الهدف هو "تأسيس نظام جديد من دون أن يكون للأسد وزمرته مكان فيه "كما أضيفت عبارة "تأسيس هيئة حكم انتقالي تتمتع بكل الصلاحيات التنفيذية" إلى فقرة تتعلق "بالتمسك بتطبيق بنود المرحلة الانتقالية الواردة في بيان جنيف للعام 2012"، كما تم حذف عبارة نصت على أن المجتمعين "أبدوا موافقتهم على حل الكيانات السياسية للمعارضة حال تكوين مؤسسات الحكم الجديد".
وقد جاءت التعديلات على بيان الرياض قبل يوم من صدور قرار مجلس الأمن رقم 2254 في 18/12/2015 الذي وصف بأنه خارطة طريق لحل الأزمة السورية.
وقد نص القرار على البدء بإجراء مفاوضات مع بداية شهر كانون الثاني/يناير من العام المقبل حيث جاء فيه "يطلب إلى الأمين العام أن يقوم، من خلال مساعيه الحميدة وجهود مبعوثه الخاص إلى سوريا، بدعوة ممثلي الحكومة السورية والمعارضة إلى الدخول على وجه السرعة في مفاوضات رسمية بشأن عملية انتقال سياسي، مستهدفا أوائل كانون الثاني/يناير 2016 كموعد لبدء المحادثات، عملا ببيان جنيف وتماشيا مع بيان الفريق الدولي المؤرخ 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، بهدف التوصل إلى تسوية سياسية دائمة للأزمة".
كما جاء في قرار مجلس الأمن هذا إشارة إلى مؤتمر الرياض حيث جاء فيه "...وإذ يلاحظ على وجه الخصوص جدوى اجتماع الرياض، المعقود في الفترة من 9 إلى 11 كانون الأول/ديسمبر 2015، الذي تسهم نتائجه في التمهيد لعقد مفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة بشأن التوصل إلى تسوية سياسية للنزاع، وفقا لبيان جنيف و"بياني فينا"، وإذ يتطلع إلى قيام المبعوث الخاص للأمين العام إلى سوريا بوضع اللمسات الأخيرة على الجهود المبذولة تحقيقا لهذه الغاية...".
وقد جاءت النسخة النهائية من بيان مؤتمر الرياض منسجمة إلى حد بعيد مع القرار الصادر عن مجلس الأمن حتى فيما يتعلق بمصير الأسد، فبالرغم من أن قرار مجلس الأمن لم يتطرق لمصير الأسد وجاء بيان الرياض ليقول "من دون أن يكون لبشار الأسد وأركان ورموز نظامه مكان في أي ترتيبات مستقبلية"، إلا أن حصره ذلك في "الترتيبات المستقبلية" يعني الموافقة ضمنيا على بقائه في المرحلة الانتقالية.
فكل العنتريات التي يمارسها لصوص الثورة واختراع ثوابت موهومة قبل البدء بالمفاوضات، إنما هي عنتريات جوفاء للاستهلاك الداخلي، ومحاولة لتبرير جرائم التنازلات المسبقة، فقد قال رياض حجاب القافز من أحضان النظام ورئيس الهيئة العليا للمفاوضات "إن المفاوضات لن تؤثر على الجهد العسكري على الأرض، حتى تتحقق أهداف الثورة السورية والتخلص من النظام"، ويتناسى حجاب ما ورد في قرار مجلس الأمن "يشدد على الحاجة إلى آلية لرصد وقف إطلاق النار والتحقق منه والإبلاغ عنه، ويطلب إلى الأمين العام أن يقدم إلى مجلس الأمن تقريرا عن الخيارات المتاحة بشأن إنشاء آلية تحظى بدعم المجلس، وذلك في أقرب وقت ممكن وفي موعد لا يتجاوز شهرا من تاريخ اتخاذ هذا القرار، ويشجع الدول الأعضاء، بما في ذلك أعضاء مجلس الأمن، على تقديم المساعدة، بسبل منها الخبرة الفنية والمساهمات العينية، لدعم هذه الآلية" وما جاء فيه أيضا "كرر دعوته الواردة في القرار 2249 (2015) والموجهة إلى الدول الأعضاء لمنع وقمع الأعمال الإرهابية التي يرتكبها على وجه التحديد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (المعروف أيضا باسم داعش) وجبهة النصرة، وسائر الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات المرتبطين بتنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية، وغيرها من الجماعات الإرهابية، على النحو الذي يعينه مجلس الأمن، وعلى نحو ما قد يتفق عليه لاحقا الفريق الدولي لدعم سوريا ويحدده مجلس الأمن، وفقا لبيان الفريق الصادر في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، والقضاء على الملاذ الآمن الذي أقامته تلك الجماعات على أجزاء كبيرة من سوريا، ويلاحظ أن وقف إطلاق النار المذكور أعلاه لن يطبق على الأعمال الهجومية أو الدفاعية التي تنفذ ضد هؤلاء الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات، على النحو المنصوص عليه في بيان الفريق الدولي لدعم سوريا الصادر في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2015".
فالمفاوضات ستسفر عن هيئة حكم انتقالية "تتمتع بكل الصلاحيات التنفيذية"، فهل ستتولى هذه الهيئة إدارة الحرب على الجماعات والكيانات والمؤسسات والأفراد التي سيتم تصنيفها بأنها إرهابية بناء على توصيف مجلس الأمن؟ ولعل هذا ما تقود أمريكا السائرين وراءها إليه؛ بقاء الأسد على رأس الحكم وتولي لصوص الثورة بالاشتراك مع نظام الأسد مهمة قتل وقتال الثوار!
ورغم هذا كله فإننا على ثقة بالله جل وعلا أنه سيبطل مكر الماكرين ويتبر بنيان الظالمين، وإننا لنحزن أشد الحزن أن نرى نفرا من المسلمين غرقوا في الجهل والتضليل السياسي، فأمسكوا بأذناب أذناب الكفار، وساروا وراءهم أدوات للمؤامرات، ثم هم لا يسمعون نصحا، ولا يجيبون منذرا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، فنسأل الله أن يبرم لهذه الأمة إبرام رشد؛ خلافة حق على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع