انتهى جنيف2 بين أطراف الصراع دون محددات واضحة يبنى عليها مستقبلا في الموعد المقبل 14 كانون الثاني/يناير 2016م، ودون نتيجة إيجابية تذكر مع تعنت الحوثيين وعدم مبالاتهم بالجلسات وبمن يحضرها حيث توحي تصرفاتهم أنهم يأوون إلى ركن شديد!! وبدا لاعبوهم في جنيف2 واثقين من التسديد وربما هددوا خصومهم بالوعيد وارتفعت أصواتهم على الحَكَم بأنه ليس منصفاً، وكل ذلك لعبة تجعل خصومهم في حيرة من الأمر بل تجعل خصومهم يزدادون قناعة بأن الحوثيين خلفهم ما خلفهم فيدركون أن تصرفهم ذلك ليس عن طيش صرف وغرور فارغ بل هو تصرف الفتى المدلل الذي يركن إلى قوة تقف بجانبه!!
نعم يتصرف الحوثيون بهذه الطريقة واثقين من أن إيران التي تنفذ سياسة أمريكا في اليمن هي من كان يضغط في كل مرة لإفراغ القرار الدولي 2216 من مضمونه، ذلك القرار الذي يقضي بانسحاب الميليشيات الحوثية من المدن وتسليم أسلحتهم، وهي التي تضغط على أدوات الإنجليز في دول التحالف لإشراك الحوثيين في الحل السياسي في اليمن وجعلهم شريكا أساسيا تعتمد عليه في تنفيذ سياساتها في اليمن وتصفية خصومها.
نعم يتصرف الحوثيون تلك التصرفات التي توحي باللامبالاة ولكنها لامبالاة الذي يعرف النتيجة مسبقاً، وأقلها نتيجة في حال الخسارة هي تلك النتيجة التي اعترف بها خصومهم مسبقاً، وهي في نهاية الأمر لن تكون بإقصائهم حتى ولو دخلت قوات التحالف صنعاء أو تم تسليمها تسليماً كما خصومهم يصرحون، ولذلك هم يلعبون لعبتهم في جنيف2 لا من أجل أن يحصلوا على ما هو مضمون من يسير الكعكة بل ليحصلوا على معظمها.
ومع أن خصومهم يتقدمون في جبهات عدة ويسترجعون بعض المدن والمواقع وقت انعقاد جنيف2 إلا أن الحوثيين يلعبون في الميدان لعبتهم ويعولون على تحالفهم مع علي صالح الذي ينفخ فيهم ليبقى، فهو يعدهم ويمنيهم، يتطفل عليهم في حربه رابطا مصيره بمصيرهم وهو يعلم أن هؤلاء يريد لهم المجتمع الدولي بقيادة أمريكا البقاء، ويدرك أن ضربة التحالف للحوثيين الذين يتعلق بهم لن تكون ضربة الفناء، وهذا ما يجعل أمريكا تعرض على علي صالح أن تخرجه آمناً لأي دولة يريد بشرط أن يعتزل المشهد السياسي، حيث تعرف أن علي صالح يشكل عبئاً ثقيلاً وخطيراً على الحوثيين، الذين ترى أمريكا فيهم ورقة مهمة في أجندتها في ظل ما تروّج له من نزاعات مذهبية وقومية في المنطقة.
يعول الحوثيون على الفوضى كما تعول أمريكا على تلك الفوضى التي تقوم بها جماعات تقتل وتفجر وتكفر تحت أي اسم متلبسة ثوب الطائفية، مدعية أنها على نهج السنة وتحارب من أجلها وهي تعاني من سوء الفهم للإسلام ومن الاختراق حتى العظام، وإذا بالحوثيين يستغلون ذلك أمام العالم بتوجيه أمريكي؛ ينهزمون في مدن أو ينسحبون منها لتبدأ ورقة جديدة ومرحلة من القتل والاغتيالات والفوضى والصراعات تتبناها جماعات تصفها أمريكا والعالم بالإرهاب كتنظيم الدولة والقاعدة... وهكذا يصبح مطلب الحوثيين وشرطهم بقولهم: إننا نريد انسحاباً من المدن لا يحصل منه فراغ تستغله الجماعات الإرهابية!!! بل ويقولون: إننا إن سلمنا السلاح وسحبنا مقاتلينا من المدن فمن سيحمينا؟! إن كانت حكومة هادي لا تستطيع حماية نفسها؟!!
وهذا مدعاة لإفراغ قرار مجلس الأمن 2216 من محتواه أو مدعاة لقوات دولية تبدأ بتأمين المدن التي تم تحريرها من أيدي الحوثيين لتغرق هذه القوات في الفوضى وتلبي أمريكا في عمل حلف لمكافحة الإرهاب ويصبح كلا الطرفين يقاتلون عدواً مشتركاً حسب زعمهم ويكون ذلك ضاغطاً لحلٍ سياسي عاجلٍ له مبرراته وساء ما يفعلون.
إن الصراع في اليمن هو في حقيقته صراع بين دولتين استعماريتين عدوتين للإسلام والمسلمين، وإن كلا من الدولتين تتخذ في صراعها مع الأخرى أدوات من المسلمين.. فكم هو محزن أن يقاتل المسلمون بعضهم بعضا ليس من أجل إعلاء كلمة الله وطرد النفوذ الغربي كله من اليمن، وإنما من أجل تركيز ذلك النفوذ فينطبق عليهم العبارة التالية: "يحسبهم الجاهل شهداء نزال وما هم إلا صرعى غفلة وضلال".. نعم فالأمر لا يقتصر على أن تضحيات المسلمين في اليمن ستذهب سدى بل هي تضحيات لتنفيذ خطط عدوهم في بلادهم!!!
إن الحل لا يرتجيه المسلم من عدوه ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، وإن دول الكفر وعملاءها مهما حاولوا أن يحاربوا الإسلام ليمنعوه من التمكين في ظل الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي يحذرونها ويعملون للحيلولة دونها، رغم ذلك فلن يفلحوا ولن يستطيعوا أن يوقفوا عجلة التاريخ، ولا أن يردوا وعد الله لعباده بالاستخلاف إن هم عملوا بأسبابه ﴿إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم﴾.
بقلم: عبد المؤمن الزيلعي
رأيك في الموضوع