لقد دعم الاستعمار تطور بلجيكا وتمويل العديد من المباني الحكومية الضخمة. ولكن وحشية الاستعمار البلجيكي كانت بعظم المباني التي موّلها، وجلب الظلام الدامس لـ 2،3 مليون كم2 في الكونجو الإفريقية. قال ملك بلجيكا ليوبولد الثاني عن الكونجو "لا أريد المغامرة في خسارة فرصة سانحة لتأمين جزء من الكعكة الإفريقية الرائعة"، وقام بتأسيس المؤسسة العالمية للكونجو كقاعدة لإيجاد التواجد الاستعماري.
في ذلك الوقت،كانت أوروبا تسيطر على 10% فقط من إفريقيا، ولكن ميزان القوى بين الدول الأوروبية كان في خطر بعد أن تسببت ألمانيا بعدم الاستقرار الذي هدد المستعمرات وطرق التجارة لبريطانيا وفرنسا والبرتغال، ولهذا تم عقد المؤتمر في برلين يوم الخامس عشر من تشرين الثاني عام 1884. وكانت قرارات مؤتمر برلين بالنسبة لإفريقيا مساويةً لاتفاقية سايكس - بيكو، وأوجدت ميادين للتأثير للدول وأدى إلى استعمار 90% من إفريقيا. لقد تم تقديم مؤتمر برلين "والتدافع الإفريقي" بشكل خاطئ على أنها مهمةٌ عظمى لجلب الحضارة إلى إفريقيا وإنقاذ الأفارقة من العبودية. هذه الواجهة الإنسانية للاستعمار كانت مشابهةً لما نراه اليوم من احتلال وتدمير البلدان الإسلامية تحت شعار مكافحة الإرهاب، وكما أن الدول المعتدية اليوم على بلاد المسلمين، هم الإرهابيون الحقيقيون، كذلك كانت القوى الأوروبية في مؤتمر برلين قبل أن تقتل وتستعبد من ادعت أنها تريد تحريرهم.
لقد منح المؤتمر منطقة الكونجو الكبيرة إلى الملك ليوبولد الثاني ومؤسسته العالمية للكونجو التي عرفت عام 1885 باسم دولة الكونجو الحرة واعترف بها البرلمان البلجيكي. ولكن كلمة "حرة" في دولة الكونجو الحرة لم تكن تعني الحرية لإفريقيا، ولكنها عنت حرية التجارة للمستعمرين الأوروبيين في منطقة محايدة بين القوى الأوروبية المتنافسة. ولكن الملك ليوبولد الثاني كان مخادعًا كمؤتمر برلين وقد دفع عملاءه للضغط على إنجلترا وألمانيا لصالح الكونجو، وقد وعد الإنجليز مكانة الدولة المفضلة، ووعد الألمان بأن الكونجو ستكون متاحةً للجميع. وبالنسبة لباقي العالم فقد أظهر نفسه كعامل خير إنساني، وبالخداع استطاع أن يحصل على الكونجو باختيار مؤتمر برلين.
مشكلة الملك ليوبولد الأولى كانت إقليم كاتانجا في الجنوب. أصرت القوى الأوروبية الأقدم في المؤتمر على مبادئ الحقوق على أساس السيطرة الفعالة، والتي تعني أن من يدعي حق الملكية عليه رفع عَلَمٍ وفرض السلطة على المناطق التي يدعي ملكيتها. وللسيطرة على كاتانجا كان على المستعمرين التعامل مع زعيم قبلي قوي يسمى مسيري. وبعد فشل التفاوض مع مسيري، أرسل الملك ليوبولد النقيب و.ج ستيرز الذي رفع العلم على دولة الكونجو الحرة وقتل مسيري. لقد تم قطع رأس مسيري كما كانت "العادة الرائجة" وقتئذ وعُلّق على عمود كدرس لمن يرفض التفاوض. وكان هذا عرضًا واضحًا "للسيطرة الفعالة" على إقليم كاتانجا واعترفت به بريطانيا حسب الأصول المتبعة. كانت تجبر كل قرية على حصاد مطاط الغابات، وكان يفرض نظام جمع حصص معينة مستحيل التطبيق، والذي يفشل في ذلك، كانت عقوبته الموت، وقطع الأيدي كان مطلوبًا كدليل. كان نظام الحكم مبنيًا على أساس الإرهاب المطلق على كافة المستويات. وأصبح جمع الأيدي هدفًا في حد ذاته، ولم يهتم ضباط جمع المطاط بإحصاء الحصص المطاطية المطلوبة. كانوا ببساطة يقطعون أيادي أكبر عدد ممكن من الأفارقة الذين يجدونهم ويملئون السلال بتلك الأيادي. لقد استمر هذا الوضع حتى قضي على نصف الشعب، ولكن فقط عندما خان الملك ليوبولد مبادئ حرية التجارة، تدخلت بريطانيا وأرسلت بعثات لفضح الجرائم في دولة الكونجو الحرة، الأمر الذي أدى إلى ضغط دولي أجبر الحكومة البلجيكية على أخذ المنطقة من الملك ليوبولد عام 1908 وإعادة حرية التجارة تحت مسمىً استعماري جديد وهو الكونجو البلجيكية.
وبالرغم من كل هذا، يوجد على مدخل المتحف البلجيكي لإفريقيا الوسطى تمثال كبير لمبشر أوروبي يمسك بثيابه طفل إفريقي، وبجانبه لوحة معدنية كتب عليها "بلجيكا تجلب الحضارة للكونجو"!!
رأيك في الموضوع