قبل هجمات باريس التي أدت إلى مقتل 130 شخصا وإعلان تنظيم "الدولة الإسلامية" مسؤوليته عن تنفيذها، كانت سياسة الحكومة الفرنسية تتسم بالتشدد تجاه الملف السوري، والأكثر مطالبة برحيل بشار الأسد ولكن بعد التفجيرات، تغير الموقف الفرنسي مع تغير أولويات فرنسا في سوريا، وتصدر مكافحة "الدولة الإسلامية" قمتها وفي ضوء هجمات باريس، تحول الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لفكرة تشكيل تحالف أو ائتلاف دولي كبير، وقرر زيارة واشنطن وموسكو لتعزيز الفكرة.
وقد عبر كاميرون عن دعم بريطانيا الكامل للمسعى الفرنسي لإنشاء ائتلاف دولي واسع ضد تنظيم الدولة، ورغبته في الانضمام إليه. ولتحقيق ذلك وتماشيا مع الدستور البريطاني، سيطلب كاميرون الضوء الأخضر من البرلمان البريطاني لكي ترسل الحكومة طائرات "تورنادو" المحملة بالصواريخ المتطورة، للمساهمة في قصف مواقع التنظيم في سوريا.
وفي إطار حشد التأييد والدعم الدوليين للحرب الفرنسية على الإرهاب، طالب هولاند الاتحاد الأوروبي بدعم عسكري لفرنسا في حربها المعلنة مستنداً إلى البند 42/7 لميثاق الاتحاد الأوروبي، الذي يقضي بتضامن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مع أي بلد عضو يتعرض للهجوم، وهو البند الذي لم يتم تفعيله منذ إنشاء الاتحاد الأوروبي.
ولبى الاتحاد طلب هولاند بسرعة، إذ أعلنت مفوضية الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديركا موغيريني، الثلاثاء الماضي، في مؤتمر صحافي في بروكسيل، برفقة وزير الدفاع الفرنسي، جان إيفل لودريان، أنّ الاتحاد الأوروبي وكل أعضائه أجمعوا على تقديم مساعدة عسكرية أوروبية لفرنسا في حربها ضد الإرهاب. ويتم في الأيام المقبلة بحث الطلبات الفرنسية المحددة في هذا المجال.
وفي اليوم نفسه - الثلاثاء - وخلال زيارة سريعة وقصيرة لأمريكا قال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند: إن الولايات المتحدة وفرنسا اتفقتا على تكثيف الضربات الجوية التي تستهدف تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، وذلك بعد الهجمات المميتة في باريس، مضيفاً خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن الزعيمين اتفقا على أهمية إغلاق الحدود التركية لمنع المتطرفين من المجيء إلى أوروبا.
وكان المسعى الفرنسي والهدف من الزيارة لتشكيل ائتلاف دولي ضد تنظيم الدولة يضم بالخصوص الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا اصطدم بتحفظات (رفض) أوباما، الذي شدد على أن التنسيق مع الروس بخصوص الشأن السوري ومحاربة التنظيم لن يكون ممكناً إلا بحدوث "تحول استراتيجي في مواقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين" الذي يركز غاراته، حسب تصريحات أوباما، "على ضرب المعارضة السورية المعتدلة التي تحارب الرئيس بشار الأسد بدل تنظيم الدولة".
وفي موسكو، مساء الخميس 26/11، أعلن الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، بعد اجتماع بنظيره الروسي، فلاديمير بوتين أن فرنسا وروسيا، قررتا "تنسيق" ضرباتهما في سوريا ضد تنظيم الدولة، كما اتفقا على عدم استهداف أولئك الذين "يحاربون" التنظيم.
وقال خلال مؤتمر صحافي مشترك "سيتم تكثيف الضربات ضد داعش وستكون موضع تنسيق، لاستهداف محدد لنقل المنتجات النفطية"، مضيفاً أن "البلدين اتفقا، أيضاً، على تكثيف تبادل المعلومات والتأكد من أن الضربات لا تستهدف الذين يكافحون ضد داعش"، في إشارة إلى فصائل المعارضة السورية.
ودعا الرئيس الفرنسي إلى تشكيل "تحالف واسع لضرب الإرهاب، حتى يتسنى لجميع الدول التحرك ضد الإرهاب وضد داعش". وأضاف "لذلك جئت إلى موسكو لنحدد، كيف يمكننا التحرك والتنسيق للوصول إلى هذه المجموعة الإرهابية". ولفت إلى ضرورة المبادرة "لتكون هناك أعمال مكثفة ضد هذا الإرهاب"، مؤكداً ضرورة "البحث عن حل سياسي في سوريا" أيضاً.
بدوره أكد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الفرنسي، فرنسوا هولاند، في موسكو، أن روسيا وفرنسا اتفقتا على تعزيز جهود مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات في سوريا لتفادي وقوع حوادث.
وقال بوتين: "تعلم روسيا وفرنسا ما هو روح التحالف. حدث ذلك أكثر من مرة في تاريخنا. اتفقنا، اليوم، على تعزيز عملنا المشترك على مسار مكافحة الإرهاب، وتبادل المعلومات حول مكافحة الإرهاب، وتنظيم عمل بناء لخبرائنا العسكريين، لتفادي وقوع حوادث".
وما بين اللقائين مع أوباما ومع بوتين التقى هولاند مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ومع رئيس وزراء إيطاليا وقد تعهدت ألمانيا وعلى لسان وزيرة الدفاع الألمانية، أورسولا فون دير ليان، أن برلين سترسل 650 جندياً إلى مالي، دعماً للعملية العسكرية "برخان" التي تقودها فرنسا ضد الجهاديين في شمال مالي ومنطقة الساحل. وقد أعلنت برلين أيضا أنها ستقوم بإرسال طائرات من طراز تورنادو إلى سوريا من أجل دعم الجهود الفرنسية في محاربة تنظيم الدولة.
من الواضح أن تفجيرات باريس استغلتها أمريكا للضغط على فرنسا وعلى أوروبا عموما لتنخرط في محاربة الإرهاب حسب الرؤية الأمريكية كما أعلنها صراحة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن حيث قال "إن هجمات باريس تشكل صيحة إيقاظ لفرنسا وأوروبا تشبه إلى حد بعيد هجمات 11 سبتمبر 2001، ويجب على أوروبا أن تنخرط وتشارك بشكل أكبر في محاربة الإرهاب". وأن الهدف المعلن لزيارات هولاند وهو تشكيل تحالف أو ائتلاف دولي لمحاربة الإرهاب هو مجرد تحرك سياسي ورد فعل بعد عمليات باريس لإظهار هولاند بموقع القيادة وقد تحقق له ذلك حيث ازدادت شعبيته وازداد تأييد الخطوات التي اتخذها في فرنسا وأن أمريكا قد نجحت في تقييد فرنسا وغيرها من الدول على ضرورة التنسيق مع روسيا مباشرة ومع أمريكا بشكل غير مباشر لتبادل المعلومات الاستخبارية، وأنه لا يمكن تحقيق أي هدف في المنطقة (حتى محاربة الإرهاب المفترض) دون التعاون والتنسيق مع أمريكا فهي ما زالت ممسكة بكل الخيوط.
ولا بد من التأكيد على أن الدول الغربية تقصد ب "محاربة الإرهاب" محاربة الإسلام كمبدأ، ومحاربة أفكار رئيسية فيه مثل الحكم بما أنزل الله من خلال دولة خلافة راشدة على منهاج النبوة، وكذلك الجهاد، وغيرها من الأحكام التي تنظم علاقة الناس فيما بينهم.. فتجسيد الإسلام كمبدأ في واقع الحياة من خلال دولة تطبقه هو ما يقض مضاجع الغرب بشكل حقيقي.
رأيك في الموضوع