إنّ ضخامة حجم ديون اليونان والتي تناهز 320 مليار يورو، أي ما يعادل 170 في المائة من صافي الناتج المحلي لها جعل اليونان والاتحاد الأوروبي يخوضان سباقا مع الزمن، للتوصل إلى هذا الاتفاق لتفادي خروج اليونان من منطقة اليورو.
فاليونان، وبالرغم من توقيع الاتفاق، إلا أنّها ما زالت مُهدَّدة بالخروج من منطقة اليورو؛ وذلك لما بلغه اقتصادها من عجز عن سداد التزامها، وهو ما يؤدي في النهاية إلى إعلان إفلاسها.
وتدرك دول اليورو الأوروبية خطورة وضع اليونان الاقتصادي هذا، لا سيما بعد أن فشلت حُزم الإنقاذ الأولى والثانية التي قُدمت لليونان والتي بلغت مئات المليارات، فكانت الحزمة الأولى عامي 2010 – 2011 بقيمة 110 مليار يورو لمدة ثلاث سنوات، وبفائدة بقيمة 5.5 %، لكنها لم تُسعف اليونان في تمكينها من سداد ديونها في المدة المطلوبة، فتم بعد ذلك تخفيض قيمة الفائدة لتصبح 4.2 % مع زيادة فترة السداد لمدة سبع سنوات، وتم فرض إجراءات تقشفية صارمة على اليونان كخفض النفقات وتقليل الأجور وتقليص المكافآت.
ومُنحت بعد ذلك الحزمة الثانية من القروض بقيمة 110 مليار يورو أخرى، وفرضت على اليونان شروط اقتصادية قاسية جديدة من مثل رفع الضرائب على القيمة المضافة والسيارات المستوردة والمحروقات وخفض رواتب القطاع العام وغيرها من الإجراءات.
ولكن مع كل هذه الإجراءات لم تنجح اليونان في تخفيض مديونيتها التي بلغت 320 مليار يورو، أي ما يعادل 170% من صافي الناتج المحلي لها، ولم تستطع تقليل عجز الموازنة إلى النسبة المطلوبة داخل منطقة اليورو وهي 3%، بل بقيت بحدود 12.7% وهي نسبة عالية جداً وخطيرة.
إنّ تفاقم الوضع الاقتصادي لليونان أدّى إلى ارتفاع البطالة إلى مستويات غير مسبوقة بحيث إنّ واحداً من كل أربعة يونانيين أصبح عاطلاً عن العمل، وهو الأمر الذي أدّى إلى ارتفاع نسبة الهجرة من اليونان إلى دول الاتحاد الأوروبي بنسبة 40%، وهاجر إلى ألمانيا وحدها 34 ألفاً.
ونزحت كذلك الودائع المالية، وغادرت فروع البنوك الألمانية والفرنسية والبريطانية بسبب بلوغ اليونان إلى شفير الإفلاس، وتم تحذيرها من تصعيد مطالبها بحرمان بنوكها من التمويل ومنع إمدادها بالأموال اللازمة لإدارة الحد الأدنى من الحياة اليومية.
وفي الانتخابات الأخيرة سقطت الأحزاب الرأسمالية التي فشلت في تحسين الأوضاع الاقتصادية لليونانيين بعد كل هذه المساعدات والقروض التي قُدّمت لها، وانتخب اليونانيون الحزب الاشتراكي لعلهم يجدون فيه الترياق الشافي لوضعهم الميؤوس منه، ووعدهم الحزب بإنهاء حالة التقشف، لكنه ما إن دخل في مفاوضات بروكسل حتى وجد نفسه في مواجهة حيتان عاتية من الرأسماليين الأوروبيين الذين يتحكمون بكل مفاصل الاقتصاد اليوناني، والذين أوقفوا تقديم الحزمة الثالثة من الإنقاذ إلا بشروطهم التعجيزية.
قال وزير المالية الألماني وولفغانغ شويبله: "إنّه لن تكون هناك أموال إضافية لليونان إلا إذا التزمت بشروط الاتفاق"، وأضاف: "إنّ الحكومة اليونانية التي يقودها الاشتراكيون سوف تشهد أوقاتاً عصيبة".
لقد دخل الاقتصاد اليوناني إلى غرفة الإنعاش بالفعل، وليس بمقدوره التعافي والخروج منها إلا باستمرار ضخ مليارات الدولارات في عروقه، وهذا أمر لا تقوم به الدول الرأسمالية من دون مقابل.
إنّ ألمانيا اليوم - ومعها ترويكا الدائنون الرئيسيون - والتي تقود دول اليورو اقتصادياً كانت قد طالبت اليونان من قبل ببيع بعض أجمل جزرها لتسديد ديونها، وها هي تفرض عليها اليوم رفع القيود الحكومية عن كل مؤسساتها، وخصخصتها، للسيطرة عليها، ولا تريد إعفاء اليونان من أية ديون مستحقة عليها بحجة عدم تحميل دافعي الضرائب الألمان أعباء إعادة هيكلة ديون اليونان.
لكنّ المعادلة الصعبة التي تُواجه ألمانيا اليوم هي الموازنة ما بين بقاء اليونان داخل منظومة اليورو عالة عليها، أو إخراجها منها وما يترتب على ذلك الإخراج من سابقة خطيرة لا تريد المستشارة أنجيلا ميركل أن تكون هي من يتحمل مسؤولية تفكيك المجموعة الأوروبية.
إنّ واقع المشكلة بالنسبة لليونان بالغ الوضوح وهو يكمن في عدم تكافئها مع القوى الأخرى الأكبر والأغنى منها في المجموعة، فهي لا تملك الموارد ولا الإمكانيات التي تجعلها في مصاف دول مثل ألمانيا وفرنسا وهولندا وغيرها من دول مجموعة اليورو، وبالتالي فلا يمكن حل مشكلتها الاقتصادية المستعصية إلا بالخروج من هذه المجموعة أو بإلغاء استقلالها وتحويلها إلى جزء من دولة أوروبية موحدة، كما تم إلغاء ألمانيا الشرقية ودمجها في ألمانيا الغربية في دولة واحدة.
أمّا إلغاء وجودها ودمجها في دولة أوروبية واحدة فهذا غير وارد بالنسبة لأوروبا لأنّ أوروبا لن تتحد في دولة واحدة يوماً، وتلك هي مشكلتها المزمنة، وهو ما أدّى إلى تراجعها أمام القوى الكبرى الأخرى لا سيما أمريكا.
وأمّا خروجها من مجموعة اليورو فهو الأفضل لها بحسب ظروفها تلك، ويبدو أنّ هذا ما سيُصار إليه في المستقبل المنظور.
رأيك في الموضوع