(مترجم)
لا يهتم النظام الرأسمالي بشؤون غالبية الشعب من أجل تحقيق مصالح الأثرياء الخاصة. فهو يهتم فقط في أن يكون عامة الناس أصحاء ومتعلمين كفاية ليتمكنوا من تقديم الخدمات اللازمة لجعل الأثرياء أكثر ثراء، ولا شيء أكثر من ذلك. وفي بعض الأحيان كان فشل النظام الرأسمالي واضحا جدا لدرجة كان على الحكومات أن تعمل فيها بسرعة لاستعادة الثقة، ولكن حكومة بريطانيا الأسبوع الماضي كانت بطيئة جدا، وكان على القيادة الكنسية في إنجلترا الإعلان عن نقاش حول حالة البلاد. قالوا بأنه الآن "وقت حرج في تاريخ البلاد". وأطلقوا دعوة للصلاة "لجميع المنتخبين للبرلمان بأن يعطوا الأولوية للصالح العام للناس جميعا في كل ما يقومون به". أدت سلسلة من الهجمات (الإرهابية)، وكذلك انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إضافة لفشل حزب المحافظين المفاجئ في الفوز بالأغلبية في الانتخابات الأخيرة، أدى ذلك كله إلى خفض الثقة في النظام، ثم جاءت صدمات الأسبوع الماضي.
عانت بريطانيا الأسبوع الماضي من حادث مأساوي، حيث قتل جراء حريق في "برج غرينفيل" ما لا يقل عن 79 شخصا، ويقول البعض بأن العدد وصل لمئات الضحايا - لكن احتساب الجثث لن يعلن رسميا حتى يتم التعرف عليها، وهذا أمر صعب بسبب ضراوة النار. حدث ذلك في أغنى منطقة في لندن، لكن أولئك الذين عاشوا وتوفوا في هذا البرج العالي المكون من 24 طابقا كانوا من الفقراء. برج غرينفيل يعتبر ضمن ملكية المجلس المحلي، ويحوي 120 شقة. وعندما اندلع الحريق، لم يكن بالإمكان سماع أجهزة الإنذار بالحريق، ولم يكن هناك نظام لرش الماء، كما أن إضافة "الكسوة" الأخيرة التي وضعت على واجهة المبنى أدت إلى انتشار الحريق بسرعة كبيرة كونها كانت مصنوعة من مواد خطرة قابلة للاشتعال. كان يمكن أن تكون الكسوة من مادة مقاومة للحرائق بإضافة 5000 جنيه إسترليني فقط، تضاف إلى رأس المال الذي بلغ 8.6 مليون جنيه إسترليني أنفق على تجديد برج غرينفيل العام الماضي. وقد حذر السكان من الحريق إلا أن أحدا لم يستمع لهذه التحذيرات، وأرسلت رسائل تهدد أولئك الذين لم يتوقفوا عن شكاوى السلامة إلى الوكالة التي تدير البرج لصالح المجلس المحلي بإجراءات قضائية.
أحد الكهنة، روبرت طومسون قال في خطبته يوم الأحد بعد الحريق: "إن الناس من ذوي الدخل المنخفض ببساطة لا يشعرون بأنهم يُستمع إليهم، سواء الأسبوع الماضي أو خلال السنوات الماضية، من قبل أولئك الذين في السلطة. والأسوأ من ذلك ما تسلط الضوء عليه مسألة الكسوة وعدم وجود رشاشات ماء الحرائق من أن بعض الناس في مجتمعنا أصبحوا ببساطة فائضا وعالة على مجتمعنا الليبرالي غير النظامي والفردي الرأسمالي المستهلك".
إن سبب وضع الكسوة على برج غرينفيل لم يكن من أجل جعل حياة السكان الفقراء أفضل، وإنما لجعل برج الفقراء أقل قبحا عند جيرانه الأثرياء، الذين يريدون إخفاء ذلك من أجل رفع قيمة ممتلكاتهم النفيسة! هذه هي الرأسمالية التي استيقظ عليها قادة كنسيّون الأسبوع الماضي. هذه الرأسمالية استمرت في خذلان الناس بعد الحريق. كان الجيران أسخياء جدا في تقديم المساعدة، فتحت المساجد والكنائس أبوابها للضحايا. لكن الحكومة لم تفعل شيئا حتى أخافتها المسيرات وما جرى في البلاد من شغب. وقد أعطي بعض الناجين سكنا طارئا في مدن بعيدة وهُددوا بأنهم إن لم يقبلوا بها فلن يحصلوا على مساعدات أخرى. وأعطي الناجون الآخرون أماكن في فنادق محلية و10 جنيهات يوميا فقط ليتدبروا أمورهم، على الرغم من أن معظم الناجين اضطروا إلى ترك ملابسهم وأموالهم وهواتفهم وجميع ممتلكاتهم الأخرى وراءهم. وبعد تلك الفضيحة، وُعدت كل عائلة بـ 5000 جنيه، لكن هذا لا يكفي حتى لدفن الموتى وشراء أثاث وملابس جديدة.
وقع هذا الحريق في رمضان، رفع المسلمون الإنذار وساعدوا جيرانهم على الفرار. كثير من السكان شكروا رمضان على بقائهم أحياء، ما يتعارض مع أكاذيب الحكومات المتعاقبة في بريطانيا والتي تدعي بأن القيم الإسلامية هي مصدر للشر. وقد استخدم رئيس الوزراء الحالي الهجمات الإرهابية الأخيرة لرفع الشكوك ضد المسلمين إلى حد وصل فيه الأمر لصدمة أخرى وقعت في لندن بعد الحريق. هجوم إرهابي من قبل شخص غير مسلم أسفر عن مقتل مسلم وإصابة 11 آخرين خارج المسجد في لندن في التاسع عشر من حزيران/يونيو الجاري، أما المتطرفون المعادون للمسلمين فهم يصرفون الانتباه بعيدا عن فشل الرأسمالية ويصبون جام الأمر على الخطر المبالغ فيه من المسلمين في بريطانيا.
رأيك في الموضوع