دقت طبول الفرح وعاشت تونس ليلة ساخنة احتفالا بنجاح العرس الانتخابي وفوز الباجي قايد السبسي رئيسا لتونس الغد، وجاءت التهاني من كل حدب وصوب من الداخل والخارج ليصوروا تونس على أنها نموذجٌ في نجاح التجربة الديمقراطية وتشكيل حكومة وحدة وطنية لتقتدي بها باقي دول الربيع العربي ولإعادة رسم الخارطة الجيوسياسية في البلدان العربية والإسلامية.
إلا أن الواقع لا يعكس كل ذلك التصور، حيث لا تكاد تنعدم الوقفات الاحتجاجية والاعتصامات في كل القطاعات: القضاء، والتعليم، والصحة، والمحاماة، والإعلام...الخ
وعاشت البلاد أفظع الأزمات الاقتصادية وغلاء الأسعار وأصبحت البلاد مرتعا لنهب الثروات وإبرام العقود البترولية فبان جليا هشاشة وضعف أداء الحكومة في تسيير شؤون البلاد مما سهل للقوى الاستعمارية اختراقها والضغط عليها من باب تقديم المساعدات ومكافحة التطرف والإرهاب، وتواصلت كل المحاولات في هذا الاتجاه إلى حين العملية الإجرامية التي جدت في مدينة سوسة وأودت بحياة 38 سائحا بريطانيا، والتي بعثرت كل الأوراق واختلفت وتناقضت التصريحات، إلى أن أطل علينا الرئيس التونسي بخطاب متهِما فيه مروجي حملة "وينو البترول" و"أصحاب الرايات السوداء" واعدا في الوقت نفسه باتخاذ إجراءات حازمة ضدها - تعسفية - كان أهمها حظر رفع الرايات باستثناء الراية الوطنية، وحظر الأحزاب التي ترفض الدستور والنظام الجمهوري - في إشارة واضحة لحزب التحرير وما رافقه من بعث تنبيه له - وغلق ما يقارب 80 مسجدا ومنع صلاة العيد في الساحات العمومية.
والأبرز من هذا كله بناء جدار عازل على طول الحدود الليبية لمنع تسلل المهربين والإرهابيين بزعمهم، وقد تباينت ردود الفعل تجاه هذه الإجراءات التعسفية كان أبرزها الحراك الشعبي في أبرز المدن والتصريحات المتناقضة، هذا يبارك والآخر يندد:
حيث صرحت النائبة في مجلس الشعب عن نداء تونس بقولها بالحرف الواحد "الكف يجيب" في إشارة إلى ضرورة العودة إلى القبضة الأمنية، ونددت حركة النهضة بادئ الأمر بقرار حالة الطوارئ واعتبرته قرارا أحادي الجانب ووصفت الحكومة بالفاشلة، ثم عادت بعد ذلك - كما تعودنا منها - فباركت هذا القرار ومن بعده قرار غلق هذه المساجد بوصفه "إجراء لصالح البلاد".
وصرح كمال الجندوبي الوزير لدى رئيس الحكومة المكلف بالهيئات الدستورية والمجتمع المدني "أنه تم اتخاذ الإجراءات القانونية ضد الأحزاب والجمعيات المخالفة للدستور"،
كما صرح الناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع عن إنشاء جدار عازل ومجموعة من الخنادق والسواتر الترابية على الحدود الليبية وذلك لإحكام الجيش التونسي السيطرة على تسلل الإرهابيين وتدعيم الترتيبات الدفاعية، وهو ما نددت به قوات فجر ليبيا في بيان لها نشر على صفحتها الخاصة وحذرت فيه الحكومة التونسية من مغبة المضي قدما في بناء الجدار الحدودي..
وصرحت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية "أن التقدم الديمقراطي الذي حققته تونس قد بات مهددا وربما يدفع للفوضى التي يريدها أعداؤها والتي تهدف إلى زعزعة استقرارها".
لقد بات واضحا وجليا أن المتهم الرئيس في كل ما يحدث اليوم في تونس وغيرها من البلدان التي قامت بها ثورات على أنظمتها هو الغرب الكافر المستعمر من أجل إعادة تجديد النفس الدكتاتوري وإعادة الأنظمة المستبدة الظالمة على رقاب الشعوب المستضعفة وإخضاعهم للواقع وتخويفهم بما هو آت وأفظع -فزاعة الإرهاب - رافعا شعاره المعتاد "نحكمكم أو نقتلكم"،
وربما يعيدنا إلى عصر الجاهلية الأولى حين كانت العرب تتناحر فيما بينها لأكثر من أربعين سنة من أجل ناقة.
لقد آن الأوان، واليوم قبل الغد، للشعوب الإسلامية بعد أن أدركت عجز هذه الحكومات وفشلها السياسي وعجزها عن تلبية حاجات الناس في كل الأمور، وقيامها برهن البلد للأجنبي ورهن ثرواته، وازدياد دائرة الفساد، أن هذا الأمر لا يحل إلا بطريق واحد وهو تحكيم شرع الله في كل الأمور..
وما عليها إلا أن تؤوب إلى إسلامها فتتخذه عقيدة عقلية لها ونظاما كاملا شاملا فتتبناه طريقة لها في العيش فتجعل من عقيدته قاعدة لأفكارها ومن أحكامه حلولا لمشاكلها ومن مجموع مفاهيمه حضارة لها ومن أفكاره رسالة إلى العالم، فبالإسلام وحده نتسنم مكان الصدارة بين الشعوب والأمم.
بقلم: سالم الهوام - تونس
رأيك في الموضوع