فرض الله على الأمة الإسلامية؛ الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الإسلام، في قوله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. ولأهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يكلف به الأفراد فقط، بل جاء الأمر بإقامة جماعة تعمل على إقامة هذه الفروض؛ أي ليس أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر فحسب، بل أمر بإقامة جماعة من المسلمين تقيم هذا الفرض: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ﴾، فإن "مِنْ" هنا للتبعيض وليست للبيان؛ أي لتقم من المسلمين أمة "جماعة متكتلة" لأداء الفروض المطلوبة، لا أن يكون المسلمون جماعة. قال ابن كثير رحمه الله: "وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ تَكُونَ فرْقَة مِنَ الأمَّة مُتَصَدِّيَةٌ لِهَذَا الشَّأْنِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ وَاجِباً عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنَ الْأُمَّةِ بِحَسْبِهِ" التفسير العظيم لابن كثير.
وبما أن الحاكم في الإسلام إذا نُصِّبَ على الرعية ليحكمها، إنما يكون قد نُصِّبَ لرعاية شؤونها، فإذا قصّر في هذه الرعاية وجبت محاسبته، وجعل الله للمسلمين الحق في محاسبته وفرض هذه المحاسبة عليهم فرضاً؛ فالأمة قَوَّامة على قيام الحكام بمسؤولياتهم، ومن هنا تبرز أهمية المادة ٢١ من مشروع دستور دولة الخلافة، الذي أعدّه حزب التحرير: "للمسلمين الحق في إقامة أحزاب سياسية لمحاسبة الحكام، أو الوصول للحكم عن طريق الأمة على شرط أن يكون أساسها العقيدة الإسلامية، وأن تكون الأحكام التي تتبناها أحكاماً شرعية. ولا يحتاج إنشاء الحزب لأي ترخيص. ويمنع أي تكتل يقوم على غير أساس الإسلام." مشروع دستور دولة الخلافة، صفحة ٦.
فللمسلمين الحق في إقامة أحزاب سياسية لمحاسبة الحكام، أو الوصول للحكم عن طريق الأمة، على شرط أن يكون أساسها العقيدة الإسلامية، وأن تكون الأحكام التي تتبناها أحكاماً شرعية، ولا يجوز منع إقامة الأحزاب السياسية حتى وإن تعددت. إلا أن ذلك في الأحزاب الإسلامية التي تقوم بالدعوة إلى الإسلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، بما في ذلك أمر الحكام ونهيهم ومحاسبتهم.
أما غيرها من الأحزاب فينظر فيها، فإن كانت للقيام بمحرم كالدعوة إلى القومية، ونشر الأفكار غير الإسلامية، كان القيام بهذه التكتلات حراماً، فتمنعها دولة الخلافة، وتعاقب كل من يشترك فيها.
وإن لم تكن هذه الأحزاب للقيام بمحرم بل للقيام بمباح وقائمة على أساس مباح، كانت مباحة، ولكنها لا تُجزئ عن القيام بالفرض الذي فرضه الله، إلا إذا كانت تكتلاً سياسياً مستوفياً جميع ما فرضه الله على الجماعة المتكتلة - المبرئة للذمة - لأداء الفروض المذكورة في الآية، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي يشمل أمر الحكام بالمعروف ونهيهم عن المنكر، ولذلك كان الواجب أن تكون الجماعة المبرئة للذمة سياسية أي حزباً سياسياً.
ولما كان القيام بالفرض لا يحتاج إلى إذن الحاكم، بل جَعْلُه متوقفاً على إذن الحاكم حرام، لهذا كان قيام الأحزاب السياسية وإنشاؤها لا يحتاج إلى ترخيص، بل فقط إلى "علم وخبر"، يُرسل إلى الجهة المختصة في الدولة؛ يُعْلِمُها عن الحزب الذي أنشأه.
بقلم: الأستاذ محمد صالح
رأيك في الموضوع