المدة التي يمهل فيها المسلمون لإقامة خليفة هي ثلاثة أيام بلياليها، فلا يَحِلّ لمسلم أن يبيت ثلاث ليال وليس في عنقه بيعة. أما تحديد أعلى الحد بثلاث ليال، فلأن نصب الخليفة فرض منذ اللحظة التي يتوفى فيها الخليفة السابق أو يعزل، ولكن يجوز تأخير النصب مع الاشتغال به مدة ثلاثة أيام بلياليها، فإذا زاد على ثلاث ليال، ولم يقيموا خليفة، يُنظَر، فإن كان المسلمون مشغولين بإقامة خليفة، ولم يستطيعوا إنجاز إقامته خلال ثلاث ليال، لأمور قاهرة لا قبل لهم بدفعها، فإنه يسقط الإثم عنهم؛ لانشغالهم بإقامة الفرض، ولاستكراههم على التأخير بما قهرهم عليه. روى ابن حبان وابن ماجه عن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ». وإن لم يكونوا مشغولين بذلك فإنهم يأثمون جميعاً حتى يقوم الخليفة، وحينئذٍ يسقط الفرض عنهم. أما الإثم الذي ارتكبوه في قعودهم عن إقامة خليفة فإنه لا يسقط عنهم، بل يبقى عليهم يحاسبهم الله عليه، كمحاسبته على أي معصية يرتكبها المسلم، في ترك القيام بالفرض.
أما دليل وجوب مباشرة الاشتغال في بيعة الخليفة لمجرد خلو منصب الخلافة، فهو أن الصحابة قد باشروا ذلك في سقيفة بني ساعدة بعد وفاة الرسول ﷺ، في اليوم نفسه، وقبل دفنه ﷺ، وقد تمت بيعة أبي بكر بيعة انعقاد في اليوم نفسه، ثم في اليوم الثاني جمعوا الناس في المسجد لبيعة أبي بكر بيعة الطاعة.
أما كون أقصى مدة يمهل فيها المسلمون لنصب الخليفة ثلاثة أيام بلياليها؛ فذلك لأن عمر عهد لأهل الشورى عند ظهور تحقق وفاته من الطعنة، وحدّد لهم ثلاثة أيام، ثم أوصى أنه إذا لم يُتفق على الخليفة في ثلاثة أيام، فليقتل المخالف بعد الأيام الثلاثة، ووكّل خمسين رجلاً من المسلمين بتنفيذ ذلك، أي بقتل المخالف، مع أنهم من أهل الشورى، ومِنْ كبار الصحابة، وكان ذلك على مرأى ومسمع من الصحابة، ولم يُنْقَل عنهم مُخالف، أو مُنكِر لذلك، فكان إجماعاً من الصحابة على أنه لا يجوز أن يخلوَ المسلمون من خليفة أكثر من ثلاثة أيام بلياليها، وإجماع الصحابة دليل شرعي كالكتاب والسنة.
أخرج البخاري من طريق المِسْوَر بن مخرمة قال: "طَرَقَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَعْدَ هَجْعٍ مِنْ اللَّيْلِ فَضَرَبَ الْبَابَ حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ فَقَالَ: أَرَاكَ نَائِماً فَوَاللَّهِ مَا اكْتَحَلْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِكَبِيرِ نَوْمٍ" أي ثلاث ليال. فلما صلى الناس الصبح تمت بيعة عثمان.
ولذلك، فإن على المسلمين عند شغور مركز الخليفة، أن ينشغلوا في بيعة الخليفة التالي وينجزوها خلال ثلاثة أيام، أما إذا لَم ينشغلوا ببيعة الخليفة بل قضي على الخلافة وقعدوا عنها، فهم آثمون منذ القضاء عليها وقعودِهم عنها، كما هو حادث اليوم، فالمسلمون آثمون لعدم إقامتهم الخلافة منذ إلغاء الخلافة في 28 رجب 1342هـ، إلى أن يقيموها، ولا يبرأ من الإثم إلا من تلبس بالعمل الجاد لها مع جماعة مخلصة صادقة؛ فبذلك ينجو من الإثم، وهو إثم عظيم كما بيّنه حديث رسول الله ﷺ: «... وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» للدلالة على عظم الإثم.
عن كتاب أجهزة دولة الخلافة في الحكم والإدارة
رأيك في الموضوع