قانون فصل الموظفين الذي أقره مجلس النواب المصري يثير الجدل، حيث واجه الكثير من الانتقادات وردود فعل عديدة بسبب نصوص القانون التي وُصفت بأنها غير واضحة وقد تحمل أكثر من معنى، كما أنها قد تُستخدم للتخلص من بعض الموظفين في المؤسسات الحكومية، حيث يتيح القانون الجديد للدولة أن تفصل موظفيها بقرار مباشر دون عرضهم على جهات التحقيق التي تختص بالتعامل مع موظفي الخدمة المدنية، أو المحاكم التأديبية، ودون صدور أي قرار من النيابة الإدارية، وينص القانون على أن هناك شروطاً لفصل الموظفين بغير الطرق التأديبية مثل أن يُدرج الموظف على قوائم الإرهابيين، أو يفقد الثقة والاعتبار، أو يضر إضرارا جسيما بالإنتاج، أو يفقد أسباب الصلاحية للوظيفة، أو يمس بأمن الدولة وسلامتها.
نظام لا تعنيه رعاية الناس ولا تأمين أرزاقهم، ولا عمل له غير جباية أموالهم ونهب مدخراتهم وقمع كل صوت يلمح منه بادرة اعتراض على قراراته الكارثية، تلك هي حقيقة هذا النظام الذي يفرط في ثروات مصر بل يهبها للغرب ويسن القوانين التي تمكنهم منها بلا ثمن وبحيث لا يملك أهل مصر حق المطالبة بها مستقبلا بل لا يكون عليهم إلا استكمال مسيرة حراسة عدوهم أثناء سلبه لثروتهم! هذا ما يفعله النظام بقراراته المتتالية وقروضه التي لا تنتهي ولا تحتاجها مصر أصلا ولا يراها أهلها ولا يعلمون فيم تنفق ولا ينالهم منها إلا ما يصاحبها من أعباء وغلاء، ولعل النظام هنا يريد تخفيض العمالة خضوعا وتنفيذا لقرارات صندوق النقد الدولي دون الحاجة لتحقيقات ودون الدخول في مساءلات بدعاوى كثيرة وكلها مغلفة ومعلبة وموجودة تحت الطلب وأقربها ما نصت عليه شروط القانون أن يدرج على قوائم الإرهاب التي يضعها رجال النظام أو فقدان الثقة والاعتبار أو المساس بأمن الدولة وسلامتها وكلها تهم مطاطة تحتمل التأويل وتضع الجميع موضع اتهام بالظن والريبة وتفتح مجالات الوشاية التي أوجدها النظام وشجع عليها.
مثل هذا القانون يضعه النظام ليكون سيفا مسلطا على أرزاق الناس لمجرد وشاية تشير لاعتراضهم على وجوده أو على أي قرار من قراراته سواء قالها بفمه أو كتبها على وسائل التواصل التي يتابعها النظام عن كثب مما يعد نوعا جديدا من تكميم الأفواه ومحاولة للسيطرة على المتنفس الوحيد الذي يظهر الناس فيه اعتراضهم عليه والذي لا يملك النظام القدرة على التحكم فيه.
يرى وزير القوى العاملة المصري السابق، كمال أبو عيطة، أن هذا القانون "قتل الأمان الوظيفي" الذي عُرفت به وظائف الأجهزة الحكومية، رؤية هذا الوزير السابق من منطلق النظرة الرأسمالية، وهي الرؤية التي تتوفر في كل دولة تعتبر شعوبها رعايا ولهم شيء من الحقوق قطعا لا تتوفر في جمهوريات الموز التي نعيش فيها.
إن من واجب الدولة في الإسلام وحسب رؤيته ووجهة نظره في الحياة أن توفر لكل فرد من رعاياها عملا يضمن له حد الكفاية في ثلاث هي المأكل والملبس والمسكن، بينما تضمن له الدولة أمنا كاملا يجعله آمنا على ماله وأرضه وعرضه وتضمن له أفضل رعاية صحية وأعلى مستوى من التعليم حسب قدرتها وبالمجان للجميع لا فرق في ذلك بين غني وفقير أو بين مسلم وغير مسلم فكلهم متساوون أمام الدولة في الحقوق والواجبات، ولكن هذا الأمر لن يصبح واقعا إلا في دولة تطبق الإسلام كاملا شاملا غير منقوص، ولهذا سيبقى حال بلادنا هكذا ينحدر من سيئ إلى أسوأ طالما بقيت الرأسمالية تحكمنا بأحط صورها وأسوأ أدواتها، وطالما لم يدرك أهل مصر كيف تكون نجاتهم ولا ما هو المشروع الصالح لتغيير حياتهم إلى ما يطمحون وينشدون، ولم يحتضنوا قيادة واعية تحمل مشروع الإسلام وتسعى لتطبيقه في دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
حقيقة الأمر أن كل محاولات النظام سواء أكانت لتنفيذ قرارات الصندوق الدولي أو لتكميم أفواه الناس لن تجدي نفعا وتوسع الخرق عوضا عن رتقه، فالأزمة في الرأسمالية التي لم تعد تملك حلولا وكلما حاولت أن تعالج فاقمت الأزمة فيزداد الناس فقرا يبشر بكارثة تهدد أساس النظام نفسه، وتلك الحلول الأمنية التي تكمم أفواه المعارضين والمعترضين لن يستمر مفعولها إلى الأبد، ولنا في مصر تجارب كثيرة آخرها ما حدث مع مبارك الذي خرج الناس عليه حتى أجبرته أمريكا على التنحي لتمتص غضب الناس ريثما تجهز البديل من رجالها، وكان أشدنا تفاؤلا يرى أن مبارك سيستمر في الحكم حتى موته وعندها لن يرث ابنه الحكم من بعده، فكان ما رأيناه وكنا شهودا عليه، فالشعوب أقوى من الحكام متى امتلكت إرادة حرة ورغبة في التغيير.
يا أهل مصر الكنانة: إنكم لا تدركون قوتكم ولكن انظروا إلى أمتكم وقوة كلمتها التي زلزلت فرنسا لتعلموا حجمكم بلا سلاح وزمام أموركم في يد عدوكم، فكيف لو امتلكتم زمام أموركم وانحاز لكم أبناؤكم المخلصون في الجيوش وقطعوا أيادي الغرب التي تعبث بالبلاد وتنهب ثرواتها وخيراتها، فشدوا على أيدي أبنائكم وإخوانكم في الجيوش ليقطعوا ما بينهم وبين عملاء الغرب من حبال وليصلوا حبالهم بالله وحده محتضنين العاملين لتطبيق شرعه وإقامة دولته علها تقام بكم وعلى أرضكم فتكون مصر المنورة درة تاج الخلافة الراشدة الثانية، اللهم عجل بها واجعلنا من جنودها وشهودها.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع