إن المسألة التي يجب أن تكون موضع بحث وموضع عناية، هي مسألة إيجاد الوسط السياسي الإسلامي في البلاد الإسلامية، وهذا إذا كان قيام الدولة الإسلامية يحتمها، فإن ولوج الأوساط السياسية قبل قيام الدولة، أو قبل انضمام البلد الإسلامي إليها أمر يوجبه العمل لإيجاد الإسلام في الحياة، وفي الأوساط السياسية بالذات. لذلك كان العمل لدخول الوسط السياسي في أي بلد إسلامي، أمراً لازماً لكل من يعمل سياسياً للإسلام...
أما الأوساط السياسية في البلاد الإسلامية، فإن فوق كونها تحوي ما تحويه من الأوساط السياسية الغربية من فساد، فإنها تحوي عملاء ومقلدين، مفتونين بأنظمة الكفر وسياسة الكفر، كارهين الإسلام وحاقدين عليه ومحتقرين له.
ولذلك لا يصح أن نقتصر على محاولة دخولها، بل يجب أن نعمل لهدمها، وتحويلها إلى أوساط إسلامية، وهذا وإن كان ممكناً العمل له من خارجها، ولكن العمل له من داخلها أسهل، وأقرب إلى الإنتاج. إلا أن رجال الأوساط السياسية في البلاد الإسلامية، وإن كانوا صغاراً بالنسبة لرجال الغرب والأوساط السياسية الغربية، ولكنهم في البلاد الإسلامية، كبار بل عمالقة بالنسبة لأهل البلاد، لأنهم هم الحكام، أو القادة، أو من لهم الثقل والوزن في حياة الناس وعيشهم. وفوق ذلك، فإن لديهم من الذكاء والمعرفة والخبرة، ما يجعلهم في مقدمة الناس، ولهم من الحيلة وحسن التأتّي ما يمكّنهم من أن يلبسوا لكل حالة لبوسها، وأن يُصَلُّوا في الصف الأول الصلوات الخمس في المسجد، إذا كان الإسلام هو الذي يطغى في المجتمع. فلا يبعد أن يكونوا في الدولة الإسلامية، من أوائل العاملين لها، والقادة لتيّار الإسلام. وهؤلاء يتجلى فيهم عدم الإخلاص ويحذقون إخفاء النفاق، وهم فوق ذلك أقدر الناس على الهدم، وأكثر الناس خبرة في تقويض الدول، وهدم السياسيين المخلصين. فإذا قامت الدولة الإسلامية، وكان في هؤلاء السياسيين رمق، فإنهم قد يُبْدون للأمة من الإخلاص والفهم ما يجعلهم سادة وقادة الأوساط السياسية، ورجالها الأبرار الأفذاذ، لذلك كان لا بد من اتقاء خطرهم، والقضاء على تأثيرهم...
إن المسألة اليوم، بالنسبة للمخلصين الواعين، لم تعد مسألة أن يكونوا سياسيين، بل المسألة هي أن يحاولوا إيجاد الوسط السياسي الإسلامي، فإنه مهما طال الزمن أو قصر، فإن الدولة الإسلامية قائمة بكل يقين، فيُخشى إذا قامت أن يسبقهم رجال الأوساط السياسية، وغير المخلصين على إيجاد الوسط السياسي الإسلامي، مع أنه يجب أن يوجد منهم وحدهم، ويجب أن يقوموا هم بإيجاده... لذلك فإنه لا عذر بعد اليوم للمخلصين الواعين من أن يعملوا لأن يكونوا سياسيين، وأن يحاولوا دخول الوسط السياسي. لأن الزمن يطوي أيامه بسرعة فائقة، والزمن ما لم تَقطعْه قطعك، وأعداء الإسلام وخصومه هم في الدرجة الأولى أعداء وخصوم للمخلصين الواعين، فما لم يكن هؤلاء المخلصون الواعون أقوياء في أفكارهم كما هم في عقائدهم، وفي جرأتهم كما هم في فهمهم وإدراكهم، فإنه يُخشى عليهم أن يكون النصر لغيرهم ولو كانوا هم الذين صنعوه، وأن يظلّوا بعيدين عن معترك الحياة الصحيح.
لذلك فإن تتبع الأخبار، وتحليلها، وإعطاء الرأي فيها، والحرص على أن لا يصدر هذا الرأي إلا من زاوية خاصة، هو المادة التي تجعل من هؤلاء المخلصين الواعين رجال الحاضر والمستقبل، والأمل المرجى للناس.
رأيك في الموضوع