إن أي مجتمع إنما يتكون بالعلاقات القائمة بين الناس، وهذه العلاقات تنظم بأفكار وأحكام معينة تقوم الدولة على تنفيذها على الناس، فإذا فسدت هذه العلاقات أو فسدت الدولة التي تقوم على رعاية شؤون الناس فقد فسد المجتمع، فصار لا بد من إصلاحه. وقد عيّن الإسلام الطريقة التي يصلح بها فساد المجتمع وفساد الدولة، وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالنسبة لصلاح المجتمع، ومحاسبة الحكام والإنكار عليهم بالنسبة لفساد الدولة.
إن ما يسمى اليوم بالكفاح السياسي هو عينه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاسبة الحكام، فيكون القيام بالكفاح السياسي فرضاً على المسلمين، قال تعـالـى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ وقال e: «سيد الشهداء حمزة ورجلٌ قام إلى إمام جائرٍ فأمره ونهاه فقتله» وقال: «ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف برئ ومن أنكر سلم ولكن من رضي وتابع» وفي رواية «فمن كره فقد برئ ومن أنكر سلم ولكن من رضي وتابع» وفي رواية «فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم ولكن من رضي وتابع» وهذه الرواية تفسر الأولى، وما هذا إلا مقاومة لأعمال الحكام الفاسدة وذلك كله هو ما يسمى بالكفاح السياسي. فهذه النصوص طلب جازم للقيام بالكفاح السياسي، وهو دليل صريح على أن الكفاح السياسي فرض.
إن ترك الكفاح السياسي إثمٌ لأنه ترك واجب، فمما لا شك فيه أن الله يعذب على تركه، وأيضا مما لا شك فيه أنه ما تركه قوم إلا عمَّهم الفساد والظلم. وإيجاد الكفاح السياسي في واقع الحياة يقتضي أن يوجد أولاً في النفوس، فإن الناس إذا طال الظلم عليهم واستشرى الفساد بينهم فسدت أذواقهم أو تلبّد إحساسهم فلا يعودون يشعرون بألم الظلم ولا يشمّون نتن الفساد، وإذا ضعف وازع القرآن في نفوسهم وبعدوا عن كتاب الله وسنة رسوله مات فيهم الإحساس بفظاعة المعصية، ولم يعودوا يشعرون بإجرامهم في ترك ما أمر الله، ولهذا فإن الحثَّ على الكفاح السياسي لا يعطي ثماره إلا إذا بُعثت تقوى الله في النفوس، وبعث فيها الإحساس بألم الظلم وفظاعة المعصية.
والكفاح السياسي يكون بالقول وبكل ما يعبر عن السخط إلا القتال، فإنه لا يصحّ أن يكون هناك كفاح سياسي بالقتال إلا في حالة واحدة وهي إذا ظهر الكفر البواح بأن كانت البلاد تحكم بالإسلام وحُكمت بالكفر، أو ظهر فيها الكفر وسكت عنه الحاكم، فهذا هو الكفر البواح، وكذلك كل ما يصدق عليه أنه كفر بواح عند الناس من الله فيه برهان إذا ظهر والبلاد تحكم بالإسلام، وما عدا هذه الحالة فالكفاح السياسي يكون بالقول وبكل ما يعبر عن السخط لإيجاد الرأي العام ضده، حتى يؤثر فيه فيغير ما هو عليه.
عن كتاب أفكار سياسية لحزب التحرير
رأيك في الموضوع