الدولة أو الحكومة التي تمثل الدولة عبارة عن جهاز تنفيذي يتحمل مسؤولية رعاية شؤون رعايا الدولة في مختلف المجالات. ورعاية الشؤون هذه تتطلب أموالا كثيرة للقيام بأعباء التعليم والصحة وطرق المواصلات والأمن الداخلي والخارجي... الخ. وتتحكم وجهة النظر والنظام المعتمد في الدولة على الكيفية التي تحصل عليها الدولة من أموال من أجل تمويل أعمالها ومشاريعها. فالدولة في النظام الاشتراكي تملك مقدرات الدولة الأساسية ووسائل الإنتاج المختلفة على اعتبار أنها نائبة عن الشعب الذي يملك كل مقدرات الدولة. وبالتالي فإن الدولة في النظام الاشتراكي لا تحتاج إلى فرض ضرائب على الناس من أجل التمويل لأنها هي التي تملك أصل المال وتملك حق التصرف فيه. أما في النظام الرأسمالي فإن الدولة لا تملك أيا من وسائل الإنتاج أو المقدرات الطبيعية في الدولة، بل إن الملكية في النظام الرأسمالي هي حق للأفراد والمؤسسات وليست حقاً للدولة، بمعنى أن الدولة في النظام الرأسمالي لا تملك أيا من وسائل الإنتاج كالمصانع والمناجم والموارد الطبيعية وغيرها، وبالتالي فإن الطريقة الوحيدة للدولة كي تتمكن من تسيير أعمالها هي فرض الضرائب على الأفراد والمؤسسات. فمال الدولة الذي تستعمله في تسيير شؤونها آت من الضرائب التي تفرضها على الناس. وحتى حين تضطر الدولة للسيطرة على مصنع أو بنك أو منجم فإنها تفعل ذلك نتيجة لتردي أوضاع المؤسسة التي تعمل على استحواذها ومن أجل إنقاذها من الضياع، وتقوم بذلك باستعمال أموال ضرائب الناس. والدول في العالم الرأسمالي برعت في عمليات فرض الضرائب وجمعها وملاحقة المتهربين من دفع الضرائب أو حتى سن القوانين لحماية بعض المؤسسات من الضرائب؛ وما ذلك إلا لأن النظام الرأسمالي لم يجعل للدولة نصيبا في الأموال التي تخضع لسلطانها.
وأما النظام الإسلامي فقد جعل للدولة ملكية تنفق منها على شؤونها وتسيير أعمالها، كما جعل لمجموع الناس ملكية تديرها الدولة وتنفق منها على رعاية شئونهم. فلما فتح الله على عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرض السواد في العراق وأراد بعض الصحابة تقسيم الأرض بين المقاتلين، أبى عمر ذلك وجعل الفيء من الأرض المفتوحة عنوة ليتم الصرف من ريعها على الجند المقاتلين وذراريهم، وهذا مصرف من مصارف الدولة الأساسية. فالخراج الناتج عن الأرض التي تم فتحها عنوة هو ملك للدولة في الإسلام. والخراج ليس ضريبة، بل هو ملك للدولة أصلا، ولكن الدولة تسمح للناس باستخدام الأرض وزراعتها وتقبل منهم خراجا محددا. فالأصل أن الأرض ملكيتها للدولة وليست للأفراد. وكذلك خمس الركاز وهو المعادن المدفونة في الأرض والتي لا ترقى أن تكون منجما بكميات كبيرة، فخمس الركاز ملك للدولة تنفق منها على شؤونها ومصالحها.
وبالتالي فإن الدولة في الإسلام لا تحتاج لفرض الضرائب لتسيير أعمالها لأنها تملك مالا. أما مصالح الناس العامة فالدولة تنفق عليها من ملكية الناس العامة التي يشترك بها الناس؛ فكما أن للدولة ملكية فكذلك لعموم الناس ملكية وهو ما يعرف بالملكية العامة. فالدولة لا تحتاج لتفرض على الناس ضرائب من أجل إنشاء المدارس والمعاهد والمشافي والطرق والمطارات والموانئ؛ لأن هذه المصالح هي مصالح عامة للناس تنفق عليها من أموالهم التي جعلهم الله شركاء فيها، كالأموال الناتجة عن المصادر الطبيعية مثل النفط والغاز والحديد والمنغنيز والفوسفات واليورانيوم وعن الغابات والممرات المائية وغيرها من المصادر الطبيعية التي جعلها الله ملكا عاما للناس. والدولة إذا احتاجت مالا لتنفق على تسيير شؤونها كدفع الرواتب للموظفين وبناء المباني الحكومية وغيرها فإنها تستعمل أموال ملكية الدولة فإن لم تكف فإنها تنفق من أموال الملكية العامة على اعتبار أنها تنوب عن الناس في تسيير أعمالهم ومصالحهم، وبالتالي فإن الدولة في الإسلام لا تحتاج إلى فرض ضرائب على رعاياها من أجل تسيير أعمالها أو رعاية مصالح الناس. وتختلف الدولة في الإسلام عنها في الاشتراكية على اعتبار أن الدولة لها ملكيتها وعموم الناس لهم ملكيتهم وهما ملكيتان مختلفتان تماما، إضافة إلى أن الإسلام قد أقر بملكية ثالثة للأفراد. فالأفراد لهم ملكيتهم الخاصة التي يستثمرونها كما يشاؤون ضمن أحكام الشرع. فالإسلام أوجد توازنا بين حاجة الفرد، وحاجة المجموع وحاجة الدولة التي ترعى شؤون الرعية.
إلا أنه من الممكن أن تحصل حالات ولو نادرة تجد الدولة نفسها بحاجة إلى مال لتنفقه على حاجة من حاجات الرعية وواجب أوجبه الله عليها وعلى الأمة ولكن ليس هناك ما يكفي من المال في ملكية الدولة أو الملكية العامة. حينها تتوجه الدولة للأغنياء من المسلمين في الدولة تستحث فيهم حب الله ورسوله ليقدموا للدولة المال هبة في سبيل الله، كما فعل عثمان رضي الله عنه في عام العسرة حين احتاجت دولة رسول الله إلى مال لتمويل غزوة تبوك، وقد تتوجه للاقتراض من الأفراد، كما فعل رسول الله حين اقترض من يهودي مالا ورهن درعه، وقد تفرض على أغنياء المسلمين ضريبة محددة إلى أجل محدد ولغاية محددة "... إذا لم يوجد في بيت المال مال، أو نفد ما فيه من مال، أو كان ما فيه لا يكفي لسد النفقات؛ فإن للخليفة أن يفرض ضرائب على الأغنياء بقدر تلك النفقات حسب الأحكام الشرعية...
... ولكي يجوز فرض ضريبة للإنفاق على حالة ما يجب أن تتحقق الشروط التالية:
- أن لا يكون في بيت المال مال يكفي للإنفاق على هذه الحالة...
- أن يرد نص شرعي على أن النفقة على هذه الحالة واجبة على بيت المال وعلى المسلمين...
- أن لا تزيد الضريبة المفروضة عن مقدار النفقة الواجبة على تلك الحالة...
- أن لا تفرض إلا على الأغنياء فقط الذين عندهم زيادة عن حاجاتهم الأساسية والكمالية بالمعروف..." (من جواب سؤال للعالم عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك، 19/05/2016م)
ولكن لا يجوز أن تفرض ضريبة دائمة كضريبة المبيعات أو ضريبة الدخل وغيرها.
من هنا يتبين أن النظام في الإسلام نظام فريد من نوعه تميز عن الاشتراكية التي لم تعرف سوى الملكية العامة ما جعل الفرد في فقر دائم والدولة مسؤولة عن إطعامه، وتميز عن الرأسمالية التي جعلت الدولة في فقر دائم والناس مسؤولون عن تسيير شؤونها. ولا يخفى على أحد سواء في الدول الرأسمالية الأصيلة أو في الدول التابعة لها وتخضع لسلطانها كيف يعاني الناس أفراداً ومؤسسات من شدة الضرائب وثقلها ما يدفعهم إلى اختراع شتى أنواع الكذب والحيل للتهرب منها.
فلو لم يكن في نظام الإسلام إلا تَرَفُّعُ الدولة عن الإيغال في جيوب الناس لكفى، ولكن رحمة الله وسعت كل شيء.
رأيك في الموضوع