أجرى المقابلة مراسل الراية في بيروت
س1: بداية هل لك أن تحدثنا عن ظروف استئناف إصدار جريدة الراية؟
ج: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، أخي الكريم، حزب التحرير بعد دراسة مستفيضة لواقع المسلمين حدد منهجه الشرعي في التغيير الذي يهدف إلى استئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي كان الغرب الكافر قد هدمها بعد الحرب العالمية الأولى، وعطل أحكام الإسلام وفرض على الأمة أنظمة وحكاما لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، وكان من عمل هذه الأنظمة تغريب الإسلام، أي جعله غريبا بين المسلمين، والعمل لترويج مفاهيم الحضارة الغربية. والحزب حدد لنفسه اتباع نهج النبي في التغيير، أي تثقيف الأمة تثقيفا مركّزا وجماعيا بالثقافة الإسلامية وقيادتها في الكفاح السياسي والصراع الفكري ضد الغرب المستعمر وأدواته، فطريقة حمل الدعوة مستمدة من السيرة النبوية، وهي تتضمن استخدام الوسائل والأساليب التي من شأنها تعزيز التفاعل مع الأمة، من هنا أصدر الحزب جريدة الراية في 1954/1373هـ، فسارع النظام الأردني إلى حظرها عشية صدور العدد الرابع عشر منها. فقرر الحزب استئناف إصدارها لتكون منبرا لكلمة الحق التي تعري دسائس الغرب المستعمر وتفضح خيانة الحكام لله ولرسوله وللمؤمنين، وتكون نبراسا يساهم في إنارة طريق النهضة للمسلمين ليتحرروا من الهيمنة الغربية فيعودوا خير أمة أخرجت للناس.
س2: على ذكر «الراية» تناقلت الأنباء الصدام الأخير في حلب بين أنصار العلم الفرنسي وبين أنصار راية الرسول، وقيام مجلس القضاء الشرعي باعتقال شابين من شباب حزب التحرير فهل لك أن توضح حقيقة ما جرى؟
ج: حين يدعو الحزب لاستئناف الحياة الإسلامية فهذا يعني حكما وحتما إنهاء نفوذ الاستعمار الغربي الذي لا يطيق سماع أي شيء يدعو المسلمين للاعتصام بحبل ربهم والاحتكام إلى شريعة نبيهم، وما جرى ويجري في مصر وتونس وليبيا واليمن من مكر غربي يهدف إلى تجديد القبضة الاستعمارية على المسلمين خير دليل على هذا. الحادثة التي ذكرتها، بالإضافة إلى حوادث أخرى في الساحة السورية، تكشف عن وصول الثورة في سوريا إلى مفترق طرق؛ أي تحديد وجهة مسيرها: هل تسقط بعض قيادات الثوار في فخاخ الغرب وأدواته الإقليمية من حكام خونة ومخابرات وضيعة مغرضة، فيقبلوا العلم الذي رسمه الاستعمار الفرنسي لسوريا وسماه علم الاستقلال شعارا لهم فينتهي بهم المطاف في سجل الخونة الذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم؟ أم أنهم يعتصمون بحبل الله فيفوزوا برضوانه وعز الدنيا والآخرة.
المؤسف فيما جرى في حلب أن من يزعم أنه «قضاء شرعي» يريد أن يغطي الشمس بغربال، فينكر على من يرفع راية التوحيد ويصفهم بأنهم يسعون للفتنة، وهذا بهتان عظيم. ولو عرف هؤلاء شيئا من الشرع لكانوا أول السباقين للاعتزاز براية نبيهم ونبذ راية الاستعمار الكافر، وإلا فعن أي شرع يتحدثون: شرع الوحي الرباني المنزل على عبد الله ورسوله أم شرع الاستعمار الكافر بالله ورسوله؟ ثم المضحك المبكي أنهم في جدالهم طالبوا بالأحاديث التي تلزم المسلمين برفع راية الرسول !! وكأن الأحاديث تقبل برفع راية الاستعمار الكافر؟ هل نسي هؤلاء أن فرنسا قسمت سوريا إلى ست دويلات جعلت لكل منها خرقة سموها علما؟ أم نسوا أن بريطانيا مكنت يهود من تدنيس أولى القبلتين ومسرى الرسول ؟ ما لهم كيف يحكمون!!
س3: تأتي هذه الأنباء في وقت تشهد الجبهة الجنوبية في درعا وحوران نذر صدام بين الجيش الحر وجبهة النصرة، بعد أن أعلنت عدة فصائل (تمثلت في الجيش الأول، وفرقة فلوجة حوران، وألوية سيف الشام، والفيلق الأول، وفجر الإسلام) أنها: «نرفض أي تعاون أو تقارب عسكريا كان أم فكريا مع جبهة النصرة»، فهل هذا صدفة أم يأتي في سياق تصادم المشاريع السياسية في سوريا؟
ج: لا يخفى على اللبيب أن عدو الثورة في سوريا هو رأس الكفر أمريكا، وما بشار، وحلفاؤه في إيران وعصاباتها، إلا أدوات منفذة للسياسة الأمريكية. وأمريكا التي سارعت إلى تجديد قبضتها على مصر عبر المرحلة الانتقالية بالإتيان بالطنطاوي خلفا لعميلها مبارك لاحتواء الغضب الشعبي وركوب موجة الثورة حتى يستقر لها الأمر، عجزت في سوريا عن فرض حل شبيه، فكان أن ماطلت ومنحت سفاح دمشق المهلة تلو المهلة فبينما يقوم هو وزبانيته بالسحق والقتل بكل همجية، تعمل هي عبر أدواتها على إنضاج طبخة الحل «السياسي» الملطخ بدماء وأشلاء الشهداء في شام العز، ولكن جنيف1 وجنيف2 ولقاءات موسكو وما بينها من اجتماعات في كواليس الدوحة والقاهرة واسطنبول، كلها لم تُجْدِها نفعا. صمود الثورة في سوريا أدى إلى تداعي وانهيار قوة النظام الأمريكي في دمشق كما اعترف بذلك بشار في مقابلته مع جريدة إكسبرسن السويدية، وهذا ما دفع أمريكا إلى تكثيف العمل من أجل القضاء على الشوكة القوية للثوار المناوئين لها عسكريا وسياسيا. فالإعلان من الجبهة الجنوبية يندرج في إطار التمهيد لجنيف3 والذي يتطلب فرض الراية العلمانية وإقصاء راية التوحيد، ولكن هذا دونه خرط القتاد.
س4: ولكن بعض قيادات الفصائل تبرر الدعوة إلى طي الراية بسبب الحاجة الاستراتيجية للدعم الدولي للتمكن من إسقاط بشار، فالراية تبرر للغرب منع الدعم عن الثورة بسبب مكافحة القاعدة والتطرف الخ؟؟
ج: من توهم أن الغرب سيقبل يوما ما بالتفاوض لإنهاء نفوذه في سوريا وسائر المنطقة فعليه أن يصحو من هذيانه وتوهمه. إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وقد حصر الوحي النصر بأنه من عند الله لا سواه ﴿وما النصر إلا من عند الله﴾، ومن ظن أن الذئب الاستعماري المفترس الذي نكبنا بويلاته من هدم الخلافة إلى فلسطين إلى العراق واليمن وأفغانستان وبورما وأفريقيا الوسطى...، من ظن أنه يؤتمن على أهلنا في الشام أو سواها ففي عقله خلل، إلا أن يكون عميلا للغرب المستعمر. وهذه المستجدات في الساحة السورية تكشف عن معدن القيادات المطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بالإفصاح عن حقيقة رهانها: هل هو بالاعتصام بحبل الله أم بالركون إلى حبل المستعمر الكافر عبر أدواته في المنطقة؟ وهم يعلمون أن الله غني عن العالمين، وأن من يبتغي مرضاة أمريكا والغرب فقد باء بالخسران المبين في الدارين، وأن الأمة ستنبذه كما نبذت بشار وزمرته، وقد سبق لنا أن طالبناهم بالاعتصام بميثاق الخلافة ليكون ميثاق الثورة.
س5: أعلن المجلس العسكري في دمشق وريفها في مؤتمره الصحفي الأول في الغوطة الشرقية (18/4/2015) عن تأييده لعملية “عاصفة الحزم” التي تقودها السعودية ضد الحوثيين في اليمن، وتمنى على القائمين عليها أن تتمدد إلى سوريا “لتجتث نظام الأسد” على حدّ تعبيره. ما رأيك في هذه الدعوة؟
ج: قلنا ونقول إن الهدف ليس تغيير شخص بشار والإتيان بطاغية آخر يحكم بشرع الكفر، كما حصل في مصر وتونس. حزب التحرير من يومه الأول دعا الأمة كافة إلى إسقاط الحكام الدمى الذين فرضهم الغرب، ومبايعة الخليفة ليحكم بشرع الله لا بشرع الكفر. وهؤلاء المطبلون المزمرون لعاصفة الحزم يدركون جيدا أن النظام السعودي لا يوجد في منهاجه تحكيم شرع الله، شأنه في ذلك شأن النظام الإيراني، وما يرفع هذا وذاك من شعارات تلبس لبوس الإسلام يكذّبها الشرع الصريح وحقائق الواقع... ومن يريد تحرير القدس لا يضحك على الأمة بمسيرات يوم القدس في رمضان ولا بالجعجعة الفارغة، في الوقت الذي يصرح قادته العسكريون أنهم قادرون على مسح يهود من على وجه الأرض، ويصرح حزبها في لبنان بأن صواريخه تصل إلى ما بعد بعد حيفا ثم نجد أن هذه الصواريخ تمطر دمارا وقتلا لأهل الشام، وكذلك العنترية السعودية التي استشاطت غضبا ضد الحوثيين، ثم قام المشايخ والدعاة لتحريض الناس لقتال الشيعة بينما لم نسمع لهم حسا ولا همسا ضد يهود، ولم نر قوات التحالف المزعوم تتصدى ليهود، فهذه الوقائع تكذب دعواهم الواهية.
س6: أفهم أن حزب التحرير لا يؤيد عاصفة الحزم في اليمن للتصدي للخطر الإيراني المزعوم؟
نعم، لقد أعلنا عن موقفنا هذا أكثر من مرة وفي أكثر من بيان. والرسول عليه الصلاة والسلام عرف الشهيد بأنه من يقاتل لإعلاء كلمة الله، وكما أسلفت فلا النظام السعودي يعرف وجه الله ولا النظام الإيراني، وتقاتُلُهم وسفك دماء المسلمين في اليمن بغير وجه حق هو إثم عظيم سيُحاسبون عليه يوم الدين، كما يحاسب كل من أعان على قتل مسلم بغير وجه حق ولو بشطر كلمة ففي الحديث الشريف: قال رسول الله : «من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة؛ لقي الله عز وجل مكتوب بين عينيه: آيس من رحمة الله».
رأيك في الموضوع