لم يعرف التاريخ وحشية ترقى لوحشية النظام الرأسمالي؛ الذي شن حملته المسعورة على البشرية جمعاء، فأباد البشر الحجر والشجر؛ وحول الإنسان إلى عبد لشهواته وأهوائه يلهث لإشباعها، بعد أن صور له الحياة تصويراً نفعياً؛ ولم يراع قيمة سوى القيمة المادية التي جعلت من الإنسان آلة قتل وتدمير، محطماً بذلك كل القيم الإنسانية والروحية والخلقية، وقد كان للمسلمين عامة ولأهل الشام خاصة الحظ الأوفر من هذه الوحشية؛ حيث تصدرت المشهد جثث أطفالهم التي قضت تحت ركام منازلهم المدمرة؛ في بث حي ومباشر أمام ملايين المشاهدين، حيث لم توقظ هذه المشاهد إنسانية المجتمع الدولي الميتة؛ ولم تحرك صرخات نساء أهل الشام نخوة حكام مردوا على العمالة، ولم تعد مشاهد الدماء تقلق الأمم المتحدة وأمينها العام.
لقد أيقن أهل الشام أن ثورتهم ثورة يتيمة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، ثورة وقعت بين أنياب وحوش ضارية لا تعرف الرحمة، فكان لا بد من المواجهة؛ فالاستسلام للوحوش المفترسة يعني الموت المحقق، إلا أن عدم وجود قيادة سياسية واعية ومخلصة؛ جعل من المواجهة عبارة عن حركات مضطربة تفتقد إلى التوجيه الصحيح، وخاصة مع وجود جهات عدة لبست ثوب الحمل الوديع فأظهرت صداقتها لأهل الشام وأبطنت عداءها لهم، مما عقد الأمر وزاد المشهد ضبابية؛ حتى كادت الرؤية الصحيحة أن تنعدم...
وفي خضم هذه الأحداث دأب حزب التحرير منذ انطلاقة ثورة الشام على ترشيد الثورة؛ وتبديد الظلام الحالك الذي أراد الغرب الكافر أن يخيم عليها، فأخذ الحزب على عاتقه كشف المؤامرات التي حيكت بأياد دولية وإقليمية ومحلية، فكان الناصح الأمين والرائد الذي لم يكذب أهله، وصل الليل بالنهار ساعياً لتوجيه الدفة في الاتجاه الصحيح، محاولا تحطيم جميع الأدوات التي يستخدمها الغرب الكافر من خلال كشفها لأهل الشام، كما عمل على كشف جميع الأساليب القذرة التي يستخدمها الغرب الكافر للقضاء على ثورة الشام، فحذر من المال السياسي القذر؛ ومن الهدن والمفاوضات بكافة أشكالها وأنواعها؛ ومن الحل السياسي الأمريكي؛ ومن المؤتمرات الدولية انطلاقاً من مؤتمر جنيف بكافة حلقاته مروراً بمؤتمر أستانة بكافة حلقاته ومؤتمر الرياض وفينا وليس انتهاءً بمؤتمر سوتشي؛ كما حذر من الدور القذر الذي يلعبه نظام تركيا أردوغان؛ ودعا أهل الشام لأن يتخذوا لهم قيادة سياسية واعية ومخلصة؛ وبين لهم أن النصر يكون بالعمل على إقامة حكم الله في الأرض، فبه وحده نستحق النصر؛ وحدد لهم ثوابت منبثقة من عقيدة الإسلام تمثلت في إسقاط النظام بكافة أركانه ورموزه؛ والتحرر من دول الكفر وإنهاء نفوذها؛ وإقامة دولة الخلافة على منهاج النبوة؛ وحاول توجيه أهل القوة من الفصائل في الاتجاه الصحيح نحو رأس النظام في دمشق وخاصرته في الساحل؛ وحذر قيادات الفصائل من الاقتتال فيما بينها؛ مبينا أن هذا الاقتتال هو بمثابة التدمير الذاتي لها، ودعاها إلى الاعتصام بحبل الله المتين والتوحد على مشروع سياسي واضح ومحدد يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض
وقد استخدم حزب التحرير في ذلك كل الوسائل والأساليب الشرعية الممكنة؛ فسير آلاف المظاهرات لتوجيه الرأي العام، وليست آخرها المظاهرات التي شهدتها المناطق المحررة نصرةً للغوطة وللضغط على قيادات الفصائل المرتبطة بحبل الداعم لفتح كافة الجبهات للتخفيف عن أهلنا في الغوطة الشرقية، كما أصدر مئات البيانات الصحفية والورقات السياسية التي تكشف وتبين أساليب الغرب في القضاء على ثورة الشام وإجهاضها وترسم طريق الخلاص، وأطلق العديد من الحملات، وألقى شباب حزب التحرير مئات الخطب والكلمات في المساجد التي تحث أهل الشام على كسر حاجز الصمت وتحذرهم مغبة السكوت وبأن البلاء سيعم الجميع والفتنة ستصيب الكل، كما عمل الحزب على نشر الملصقات التي تدعو لذلك؛ واللقاءات المتواصلة مع الفعاليات المدنية والعسكرية...
ولا زال الحزب يحاول أن ينتشل هذه الثورة اليتيمة من الأوحال التي أوقعها بها الغرب الكافر؛ وأن ينقذها من التردي في أوديته السحيقة، وسيبقى حزب التحرير صابراً على أمر الله؛ ثابتاً على الحق؛ وشعلة تنير للأمة الإسلامية طريقها؛ حتى يصل معها وبها إلى موعود الله سبحانه وتعالى في الاستخلاف والتمكين والأمن؛ وحتى تتحقق بشرى رسول الله e بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، وعندها ستقطع اليد التي ستمتد على أي مسلم في أي بقعة من بقاع الدنيا وستصبغ الحياة صبغة إسلامية كما يريدها الله سبحانه وتعالى، وسينعم المسلمون بخيرات بلادهم، بل سيحيا العالم أجمع عندما يستظل بظل حكم الإسلام حياة كريمة سعيدة بعد حياة الشقاء التي أخضعه النظام الرأسمالي لها؛ فما رسالة الإسلام إلا رحمة للعالمين.
وأخيراً وبعد سبع سنين من القتل والتدمير والابتلاء والتمحيص؛ آن لأهل الشام أن يتبين لهم العدو من الصديق، فهذه الثورة ثورة كاشفة فاضحة، وآن لهم أن يدركوا أن حزب التحرير هو الرائد الذي لم يكذب أهله قط، وآن لهم أن يعملوا معه لما هو خلاصهم في الدنيا والآخرة بإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وآن لهم أن يسلموه قيادتهم السياسية فهو الناصح الأمين وهو الواعي على مخططات الغرب وأذنابه؛ وهو ابن هذه الأمة الإسلامية البار، والخلافة التي يسعى لإقامتها هي تاج الفروض وهي ليست فرضاً عليه فقط بل فرض على جميع المسلمين؛ وهي ليست دولته الخاصة بل هي دولة المسلمين جميعاً ولا وجود للإسلام في معترك الحياة إلا بها ولا حل لمعاناة المسلمين بدونها، قال تعالى: ﴿...فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾.
بقلم: الأستاذ أحمد عبد الوهاب
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع