منذ أن سيطر الغرب بأسلحته الفكرية على بلاد المسلمين، ومنذ غياب الخلافة، أصبح الإسلام في موضع اتهام، بأنه لا يعطي المرأة حقوقها، وأنه يعتبرها أقل منزلة من الرجل، وأنه يمنعها من التقدم، ومواكبة الحضارة، رغم ذكائها وقدرتها، فظهرت مطالبات بالمساواة بينها وبين الرجل كما في الحضارة الغربية. فهل هذه الدعوات تنقذ المرأة، أم أنها حرب من نوع آخر ضد أفكار الإسلام المتعلقة بالعلاقة بين النساء والرجال، وكيف انتشرت هذه الدعوات، في بلاد المسلمين؟
من المعلوم أن الحضارة الغربية تنظر للمرأة بأنها سلعة رخيصة، يبيعونها ويشترونها، لتحقيق السعادة القصوى حسب ظنهم، فتصبح المرأة مجرد أداة رخيصة بخسة يحركها صاحبها كيف يشاء، فتبيع شرفها، وجمالها من أجل إمتاع نفوس قذرة، وإشباع الغريزة كما الحيوان، وتسمي تعريتها حرية، وهكذا عادت النظرة إلى المرأة كما في الجاهلية القديمة، يئدها أبوها وهي طفلة، في حفرة يحفرها بيده مخافة العار والإملاق، أما في الجاهلية الحديثة، فنجد أن المرأة تُلقى في حفرة حفرها المتحضرون الغربيون، رجاءة كسب المال على حساب جسدها وعرضها وكرامتها! فالجاهلية الحديثة أخرجت المرأة من كرامة الإنسانية إلى درك الحيوان، فهم قد خدعوها بأسماء خلابة، وعناوين جذابة، أخرجوها من ذلك الحصن الذي يحافظ على كرامتها وشرفها وعزها، إلى غابات مليئة بالحيوانات البشرية المفترسة.
ثم إن الحضارة الغربية، ترى أن المرأة شريكة متساوية مع الرجل في الحقوق والمسؤوليات، إذ تنافس الرجل في ميادين العمل كتفا بكتف، ويداً بيد، فأشغلوها عن مهامها باعتبارها أماً وربة بيت. فالأب في أوروبا، إن وجد، ليس مسؤولا عن الإنفاق على ابنته بمجرد تعديها سن المراهقة، بل يطالبها بدفع أجرة السكن، فإن لم تدفع له تبلغ به القساوة إلى طردها من البيت، لتصبح مجبرة على العمل، أي عمل، لتعيش حتى ولو بعرض جسدها لأصحاب الأموال القذرة المتربصين بها.
إن الحضارة الغربية، تنظر للمرأة كعنصر أساس في الاقتصاد، فمثلاً النظرية الليبرالية تعتبر المرأة شريكة متساوية في الاقتصاد، لذلك يجب عليها المشاركة في القوى العاملة، في معظم الدول التي ترعى رفع مكانة المرأة وحماية حقوقها والمساواة بينها وبين الرجل في الوظائف، وبذلك تنصل الرجال عن رعايتها فوقعت في الظلم الفاحش. قال الفيلسوف اليوناني سقراط، وهو من أعظم الفلاسفة في تاريخ أوروبا: "إن المرأة مثل الشجرة المسمومة التي يكون ظاهرها جميلاً لكن الطيور تموت عندما تأكل منها"، فهل هناك إهانة للمرأة أكبر من هذه الإهانة؟ وهل هناك ذل أكثر من هذا الذل؟!
وقد بادرت منظمات لتدافع عن المرأة، لكنها في الحقيقة تدفعها نحو الكلاب البشرية، فمثلا كتبت منظمة العفو الدولية في ديباجتها: "ينبغي أن يكون كل شخص قادراً على اتخاذ قرارات متعلقة بجسده... لكل امرأة وفتاة حقوق جنسية وإنجابية. وهذا يعني أن لهن الحق، على قدم المساواة، في الحصول على الخدمات الصحية، كوسائل منع الحمل والإجهاض الآمن، وفي اختيار ما إذا كنَّ يُردْن الزواج ومتى يتزوجن ومَن يتزوجن، وفي تقرير ما إذا كنَّ يُردن إنجاب أطفال وعددهم ومتى ينجبنهم والأشخاص الذين يخترن إنجاب الأطفال منهم...".
وكتبت أيضاً كلاماً لحرف المرأة المسلمة بالذات عن دينها: "... وفي الأردن، حثَّت منظمة العفو الدولية السلطات على وقف التواطؤ مع نظام "وصاية" الرجل على المرأة المسيء، الذي يسيطر على حياة النساء، ويقيِّد حرياتهن الشخصية، بما في ذلك احتجاز النساء المتَّهمات بمغادرة المنزل بدون إذن، أو ممارسة الجنس خارج نطاق الزواج، وإخضاعهن "لفحوصات العذرية" المهينة".
هكذا نظر الغرب الكافر المستعمر للمرأة فأهانها وأذلها، وهتك عرضها وشرفها، وعدمها إنسانيتها، وكاد أن يلغي مهمتها التي خلقت من أجلها.
أما الإسلام فقد وضعها في مكانها بحسب فطرتها، ففي مقدمة دستور دولة الخلافة الذي يتبناه حزب التحرير نجد في المادة ١١٢ منه أن (الأصل في المرأة أنها أم وربة بيت، وهي عرض يجب أن يصان).
أما عن صيانة المرأة والحفاظ على عرضها، فقد أوجب الإسلام «إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتْ الْمَحِيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا وَهَذَا وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ» فكان تحديد لباس المرأة في الحياة العامة واجبا لستر عورتها، ومنع الطامعين من النظر إلى شيء من عورتها.
من دون سائر المبادئ فقد جعل الإسلام للمرأة حياة خاصة تنفرد فيها لوحدها أو محارمها، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾. فنهى الله سبحانه عن دخول البيوت إلا بإذن أهلها، فقال ﴿حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾ وهي كناية عن طلب الإذن والمقصود به عدم الدخول على البيت والنساء في حالة تبذل، فأحاطها بهذه الأحكام. فكما حدد العورة حدد الأشخاص الذين يصح أن يروا أكثر من العورة تحديدا دقيقا ما يدل على الصيانة الكاملة للمرأة، ومنع الخلوة، عن ابن عباس أنه سمع النبي ﷺ يخطب ويقول: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ».
كما أغلق الإسلام الأبواب أمام المرأة لإغراء الشارع ومنع كل أمر يلفت النظر ويثير الغريزة بتحريم التبرج، قال تعالى: ﴿وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ وليس معناه غير متزينات فالتزين مباح للمرأة مطلقا وإنما غير مبديات لزينتهن بشكل من شأنه أن يلفت نظر الرجال إليهن. هكذا ضبط الإسلام الشارع العام وجعله منضبطاً بأحكام يطمئن إليها الناس في الحياة العامة، فهذه الأحكام تؤكد أن المرأة في الإسلام عرض يجب أن يصان.
فكل هذا يدل على حرص الإسلام على صون المرأة والمحافظة على حقوقها، فعن أي حرية للمرأة يتحدثون؟ وعن أي حقوق كاذبة يتكلم الغربيون الرأسماليون عبر منظمات أنشأوها لترمي المرأة في وحل الانحلال؟! إن هذا لبهتان وتضليل لها!
فليس هنالك من يحافظ على المرأة ويصونها إلا دولة الخلافة الراشدة التي تجعل أحكام الإسلام موضع التطبيق وفق منهاج النبوة. لذلك وجب علينا أن نبذل أضعاف أضعاف المجهود لإقامتها، والله معنا ولن يترنا أعمالنا.
بقلم: الأستاذة زهراء داود – ولاية السودان (بورتسودان)
رأيك في الموضوع