بداية إن ثورة الشام هي ثورة شعبية مباركة خرجت لإسقاط النظام الكافر بدستوره وبكافة أركانه ورموزه ومؤسساته الأمنية والعسكرية وإقامة حكم الإسلام على أنقاضه في خلافة راشدة ثانية على منهاج النبوة، فهذا ما صدحت به حناجر الثائرين وهم ينطلقون من المساجد وصيحات التكبير تزلزل الأرض تحت أقدام الطغاة والمجرمين وتنادي أيضاً بإسقاط النظام وإقامة حكم الإسلام.
إن المتابع لما يجري في الشام يرى أن ثورة الشام تراجعت وتلقت ضربات موجعة وقوية من قبل أعدائها فاستطاعوا خلخلة صفوفها وحرف بوصلتها عن الطريق الصحيح الذي رسمه الصادقون في بداية انطلاقتها، لكن أعداءها لم يستطيعوا اقتلاعها من نفوس أهل الشام الثائرين وعقولهم. ففكرة الثورة أصبحت مفهوماً بالنسبة لهم وجزءاً لا يتجزأ من حياتهم. وهم إلى هذه اللحظة مستعدون للتضحية بالغالي والنفيس في سبيل هذه الثورة المباركة وفي سبيل تحقيق أهدافها؛ وهي إسقاط نظام الإجرام وإقامة حكم الإسلام على أنقاضه.
فما الذي حدث حتى تراجعت الثورة؟ وإلى أين وصلت الآن؟ وما هو سبيل خلاصها وتتويج تضحياتها؟
إن الذي حدث حتى تراجعت الثورة ووصلت إلى ما هي عليه اليوم هو أنها فقدت سلطانها وقرارها، وتسلط عليها من ارتمى بأحضان الدول والمخابرات والأنظمة العميلة التي تمكر بثورة الشام ليل نهار دون توقف منذ انطلاقتها ومطالبة الثائرين بتحكيم الإسلام ورفع راية الإسلام في دمشق والتخلص من هذا النظام المجرم عميل أمريكا وحامي كيان يهود، بالإضافة لغياب المشروع السياسي أو الدستور الذي يرسم التصور الكامل ويوضح الطريق الذي سيسير عليه الثائرون للوصول لهدفهم المنشود، فهذه هي أبرز الأسباب في تراجع ثورة أهل الشام.
أما إلى أين وصلت الثورة اليوم؟ فبعد أكثر من عقد من الزمن على انطلاقتها وبعد كل ما مرت به من قتل وتشريد ودمار واغتصاب للأعراض وتدنيس للمقدسات وتدمير مدن بأكملها وتهجير الملايين إلى الجبال وإسكانهم في خيام لا تقيهم حر الصيف ولا برد الشتاء، وفي ظل وضع اقتصادي خانق يعيشه معظم أهل الشام الثائرون المهجرون والمقيمون في الشمال المحرر... فهنا يتبادر لأذهان الناس أن هذه الثورة قد انتهت وقد تركها أهلها ويئسوا منها بعد كل هذه السنين من العذاب والتنكيل بهم من قبل طغاة الأرض جميعا، ومع ذلك نقول لهم إنها لا زالت حية، ونبشر إخواننا المسلمين في العالم أجمع بأن ثورة الشام لا زالت حية في النفوس ولا زالت جذوة الثورة متقدة ولا زال أهلها ثابتين صامدين يتحدون قوى الكفر والشرك جميعها، لا يحيدون عن هدفهم ولا عن أيمانهم التي قطعوها بداية ثورتهم بمواصلة الثورة حتى إسقاط النظام المجرم وتحكيم شرع الله بإقامة دولة الإسلام ورفع راية التوحيد في دمشق.
أما ما يحدث اليوم في الشمال المحرر، فلقد عمدت الدول الحاقدة والمتآمرة على تجميع كل من يرفض العيش تحت حكم النظام المجرم في هذه البقعة الصغيرة التي تخلو إلى حد كبير من أدنى مقومات العيش في ظل هذه الأزمة السكانية الكبيرة نتيجة تهجير الملايين من مناطقهم إلى مناطق الشمال المحرر بعد اتفاقيات الذل والعار والتي بيعت المناطق من خلالها وهجر أهلها منها قسراً.
ولم يكتف أعداء الثورة بتجميع أهل الثورة في هذه البقعة في الشمال السوري بل سلطوا عليهم عبيدهم من قادة الفصائل والحكومات المصنعة "الإنقاذ والمؤقتة" ويديرهم النظام التركي المتآمر ومتعهد المصالح الأمريكية في المنطقة ومتزعم ملف القضاء على الثورة وإعادتها لحظيرة النظام المجرم.
والآن يسيرون في طريق التطبيع مع النظام المجرم وتجهيز المنطقة وأهلها للقبول بالمصالحة من خلال التضييق عليهم اقتصاديا وعسكرياً، ومن خلال فرض قبضة أمنية شديدة من قبل هذه الفصائل وأجهزتها الأمنية العميلة على الثائرين والناشطين وكل من يقف بوجههم ويرفض التطبيع والمصالحة، ولكي يخضعوا لما تمليه عليهم الدول من قرارات وحلول سياسية مسمومة تقودهم نحو مقصلة الجزار وتنسف تضحياتهم وتقضي على ثورتهم.
إن ما حدث في يوم 7/5/2023 عندما اقتحم جهاز الأمن العام المخترق التابع لما تسمى زوراً وبهتاناً هيئة (تحرير) الشام الساعة الخامسة فجراً بيوت مجموعة من حملة الدعوة من شباب حزب التحرير، فكسر الأبواب وضرب النساء وانتهك الحرمات واعتقل الرجال بطريقة تشبيحية لم يسبقهم بها إلا النظام المجرم، وفي فعل خسيس لم يرض به حتى رأس الكفر أبو جهل، سبقه قبل ذلك بيوم أيضاً اعتقال مجموعة من القادة العسكريين المخلصين كانوا يخططون لفتح عمل عسكري على هذا النظام المجرم يكون مستقل القرار والدعم، وهنا انطلقت شرارة الثورة من جديد...
إن هذه الحادثة كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير والتي أدت لانفجار الشارع الثوري بحراك منظم مستمر بخطوات ثابتة ومدروسة استطاع من خلالها كشف العملاء وفضح مؤامراتهم الخبيثة، وكان سداً منيعا بوجه هذه الأنظمة وعبيدها من حكومات وقادة فصائل وحجر عثرة في طريق قطار التطبيع مع هذا النظام المجرم.
وبإذن الله وبهمة الصادقين وبعد استعادة الأمة سلطانها وقرارها والتفافها حول مشروع سياسي منبثق من عقيدتها وخلف القيادة السياسية التي خبرت الأمة صدقها وثباتها وإخلاصها في قيادة حراك الأمة المبارك وتوجيه دفة الثورة لبر الأمان، ستعود الثورة سيرتها الأولى خالصة لوجه الله وفي سبيل تحكيم شرعه سبحانه وتعالى.
واليوم مع اقتراب نهاية الشهر العاشر على الحراك الشعبي المنظم ضد منتهك الحرمات عرّاب المصالحات وجهازه الأمني القذر الذي سام الثوار والمجاهدين وأهل المحرر سوء العذاب ها هي الثورة تتقد من جديد وتزداد رقعة المظاهرات ويزداد عدد المشاركين بها وتزداد نسبة الوعي لدى أهل الشام الثائرين، فشرارة الثورة الجديدة التي انطلقت في 7/5/2023 وبعد استمرارها طوال هذه الفترة بدأت تشتعل وتنقل الحرارة إلى أهل الثورة شيئا بعد شيء بإذن الله حتى تصل الحرارة لجميع الثائرين في المحرر ما يدفعهم للحركة وترتيب الصفوف من جديد.
وختاماً: رسالتنا لأهل الشام الثائرين خاصة وللمسلمين عامة؛ إن خلاصكم بأيديكم لا بأيدي من أسقط دولتكم ومزقها ونهب ثرواتكم وخيرات بلادكم وسامكم سوء العذاب، يا أهل الشام يا أهل الإيمان، يا وصية رسول الله ﷺ: قوموا قومة رجل واحد وشاركوا إخوانكم في هذا الحراك المبارك لاستعادة قرار ثورتكم وخلع القادة العملاء المرتبطين وسيدهم النظام التركي المتآمر، للسير على هدى وبصيرة بتبني مشروع الخلافة ودستورها الذي يرسم معالم الطريق لهذه الثورة المباركة، وسيروا خلف قيادة سياسية مبدئية مخلصة صادقة تصون التضحيات وتسير بكم نحو إسقاط النظام وإقامة حكم الإسلام على أنقاضه وما ذلك على الله بعزيز.
بقلم: الأستاذ إبراهيم معاز
رأيك في الموضوع