بقلم: الأستاذ سالم أبو سبيتان (أبو صهيب)
نظراً للواقع الذي تعيشه البلاد الإسلامية وما يلاحظه المسلمون من تغول الدول الكبرى على بلادهم وإحكام سيطرتها على مقدراتها واستعباد شعوبها بحيث تفشى الفقر واتسعت رقعة البطالة وعم الجهل أصقاع هذه البلاد المترامية الأطراف، وغير ذلك سالت الدماء وهُدمت المدن على رؤوس أهلها وشرد المسلمون في أصقاع الدنيا وهم ينظرون للجهات التي تقوم بهذه الجرائم البشعة والمخالفة للفطرة البشرية، فوق ذلك هؤلاء المجرمون واللصوص هم الذين يتشدقون بحقوق الإنسان والحيوان والمساواة بين الرجل والمرأة وحقوق الأطفال وبالشرعية الدولية، فكل هذه الجرائم وهذه اللصوصية بكل أشكالها وألوانها مغلفة بغلاف الشرعية الدولية، فلا كرامة للإنسان ولا حقوق له ولا حقوق للطفل الذي يُنزع من والديه ويعطى لأسرة تتبناه، ثم باسم هذه الشرعية الدولية تنشر الرذيلة والشذوذ ويقنن لها بل وتفرض مُثُلها على البشر قصراً وتجبر الدول الأقل حظاً أو المصطنعة أن تسير في هذا الركب المنحرف رغبة ورهبة من سطوة هذه الشرعية الدولية.
بناء على هذه الصورة القاتمة والمعتمة والظالمة يتساءل المسلمون والبشرية قاطبة كيف السبيل للخلاص من هذه الشرعية المرعبة والفاسدة؟ ولذا لا بد من طرح هذا التساؤلات والبحث لها عن إجابة شافية وخاصة نحن المسلمين المكلفين بإنقاذ البشرية من هذا البلاء العام وهذه الطامة الكبرى:
كيف الخلاص من هذه الشرعية الدولية ومؤسساتها المجرمة؟ ولماذا نحن الذين يجب أن نجيب على هذا التساؤل؟ ولماذا نحن المعنيون بذلك دون غيرنا؟ ألسنا جزءاً من البشر الذين يتجرعون ويلات هذه الشرعية ومؤسساتها؟
الجواب: بلى، وإن كان ما نتجرعه أضعاف أضعاف ما يتجرعه غيرنا من البشر، وذلك أن الشرعية الدولية وما انبثق عنها من مؤسسات هي في أصل وجودها وعقيدتها تتناقض مع عقيدتنا بوصفنا أمة إسلامية تؤمن بوحدانية الله سبحانه وتعالى وتفرده بالتشريع، وكون الشرعية الدولية مصدرها الهوى والمصلحة، وهي الأساس الذي بنيت عليه وبناءً عليها قامت هذه العقيدة وانْبَنَتْ عليها الأمم الغربية التي بنت مؤسساتها على هذه العقيدة الفاسدة في مبناها ومعناها ومغزاها، والتي تعتبر الاستعمار هو الهواء الذي تتنفسه وتبني عليها حياتها وديمومتها، هذا الاستعمار هو سبب بقائها ووجودها وبدونه تندثر هذه الأمم وتموت ولا يبقى لها وجود لأن هذا الاستعمار هو الذي يمدها بالحياة والبقاء، وهو الذي يغذيها بالغذاء والدواء، ولذا تحرص هذه الدول التي أسَّسَت هذه الشرعية الدولية على إنشاء مؤسسات دولية تعتبر هي مخالب استعمارها مثل البنك وصندوق النقد الدوليين والأمم المتحدة ومجلس الأمن والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني؛ لأن هذه المنظومة تتبنى الفكرة الأساسية للشرعية الدولية، وهي تقوم بفرض هذه الأفكار المنبثقة عنها على الأمم الأخرى، خاصة أمة الإسلام، لما تحمله من قيم لا تستقيم ولا تتناسب وتتناقض تناقضاً تاماً مع ما تحمله وتفرضه هذه المؤسسات.
ولذلك نرى هناك حرباً متقدمة ومتوازية ولاحقةً للحرب العسكرية على بلاد المسلمين، حرباً لا هوادة فيها ولا تسامح، قائمة على إما معي أو ضدي، وأن القيم الغربية لا بد من أخذها دون أدنى اعتراض.
فكيف يمكن الفكاك والخلاص من هذه الشرعية الدولية المتغولة ومؤسساتها في ظل هذا الهوان والخنوع والاستسلام والضعف والقسوة المفرطة والخيانة العظمى من المتآمرين والمتسيّدين للمشهد السياسي في بلاد المسلمين؟
نقول والله المستعان، إن الشرعية الدولية تتبناها الدول الكبرى والعظمى والدول الغربية قاطبة وتخضع لها دول ما يسمى بالعالم الثالث خضوع انتفاع أو خضوع صغار واستسلام كما هو حاصل في البلاد الإسلامية، وكون هذه الشرعية الدولية قائمة على عقيدة فكرية ومفاهيم منبثقة عنها فلا بد أولاً حتى تتم زعزعتها، أن تقوم دولة مبدئية سليمة من كل عيب، وهذه الدولة ليست قطرية ولا قومية ولا وطنية بل دولة عالمية مبدؤها الإسلام وظيفتها حمل هذه العقيدة وأفكارها للعالم كونها دولة رحمة وعدل تريد إخراج الناس من ظلمات الشرعية الدولية إلى نور الإسلام ومن جور هذه الشرعية إلى عدل الإسلام، القوي فيها ضعيف حتى يؤخذ الحق منه والضعيف فيها قوي حتى يراح الحق عليه، ثم بعد إعلان قيام هذه الدولة التي منذ إعلانها لا تعتبر جزءاً من المنظومة الدولية ولا من منتسبيها كونها دولة وليدة قامت على أنقاض دول ساقطة في أساسها ووجودها، دولاً صنيعة هذه الشرعية الدولية الكافرة، وبالتالي لا يجوز لهذه الدولة المبدئية أن تنضوي تحت قبة مؤسسات هذه الشرعية ولا يجوز أن تسمح لفروع هذه المؤسسات الدولية بالعمل في رحابها ولا العاملين المسلمين الذي كانوا عوناً وسنداً لها في البلاد الإسلامية، ولا يجوز للدولة الإسلامية أن تستعمل منابر مؤسسات الشرعية الدولية إطلاقاً ولو من أجل طرح فكرتها وإلا اعتُبر ذلك مثلبة وإقراراً بهذه الشرعية المزيفة، فنحن أفرادا وجماعاتٍ ومؤسسات وكيانا سياسياً نَكْفر بهذه الشرعية ونضع قوانينها وأفكارها وقراراتها تحت أقدامنا كما فعل نبينا عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع حينما قال: «إِنَّ اللهَ قَدْ حَرّمَ دِمَاءَكُمْ، وَأَمْوَالَكُمْ، وَأَعْرَاضَكُمْ، كَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي يَوْمِكُمْ هَذَا، إلَى أَنْ تَلْقَوْا رَبّكُمْ، أَلَا هَلْ بَلّغْت؟ قَالُوا: نَعَمْ! قَالَ: اللهُمّ، اشْهَدْ!... أَلَا وَمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ فَلْيُؤَدّهَا إلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا، أَلَا وَإِنّ كُلّ رِباً فِي الْجَاهِلِيّةِ مَوْضُوعٌ،...».
إن الشرعية الدولية ومؤسساتها وفكرتها وأحكامها وعقيدتها هي كفر وتحت أقدامنا كما فعل نبينا حينما طرح الشرعية الجاهلية التي كانت تحكم الكرة الأرضية قبل وخلال قيام دولة الإسلام حتى وضع إعلان موتها رسولنا الكريم ﷺ، حينها بدأت هذه الشرعية الدولية بالأفول وظلامها بالاضمحلال أمام نور الإسلام الساطع الذي أنار الدنيا فكتب ملوك فرنسا للباب العالي كتباً ممهورة بـ"خادمكم المطيع الذليل الراجي العفو منكم".
اللهم هيئ لهذه الأمة قائداً ربانيا كأبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز وهارون الرشيد وغيرهم من خلفاء المسلمين الذين زلزلوا عروش دول الكفر وحصونها ونشروا الإسلام حتى أصبحت الدولة الإسلامية الدولة الأولى في العالم والأمة الإسلامية هي الأمة القائدة والأولى في العالم، اللهم آمين.
رأيك في الموضوع